غزونا الفضاء، وأطلقنا قمرا صناعيا، جعل من بلدنا قوة إقليمية وقارية رائدة، يحسب لها ألف حساب. وفشلنا في التصدي لغزو البؤس لمدننا قبل قرانا. نحتل أسواء المراتب في كل ما يهم المواطن بشكل مباشر من تعليم وصحة وشغل. حسب تقرير صادر عن منظمة أونيسكوا، نظامنا التعليمي يصنف من بين أسوء 21 نظاما تعليميا في العالم ويأتي خلف بلد شقيق كموريتانيا. تلاميذنا يحتلون مراتب متأخرة عالميا في القراءة ومن استطاع منهم عبور المستنقع يقف مشدوها أمام شروط وكفاءات كان يجب أن يمتلكها إن هو أراد أن يشتغل. في المقابل هناك فئة داخل الوطن قدر لها ألا تجالسنا نفس الحجرات البائسة، وألا تتنقل معنا في حافلات مهترئة، لم تلامس قط همومنا المثقلة، ومع ذلك تنظر لحاضرنا ومستقبلنا، حينها فقط نقول مع الشاعر: "لا ذَنْبَ لَنا . . لا ذَنْبَ لَنا نحنُ الذَّنْبُ !" نساؤنا يلدن أمام أبواب المستشفيات، وعلى قوارع الطرقات، ومرضانا نضرب لهم موعدا بعد شهور.. ربما بذلك نحد من أزمة الاكتظاظ ونسرع عبورهم إلى العالم الأخر لعلهم يجدون حلمهم المفقود... فتحنا أفريقيا وأحيينا إمبراطورية عظيمة تترامى حدودها على جغرافية شاسعة، وعندما التفتنا وراءنا وجدنا شعبا منسيا في محيط وطن المركز، يطالب بحقه في التنمية وإن هو بالغ في الطلب سحقناه ونعتناه بأرذل الكلمات وحال لسانه يقول مع الشاعر: "فمن قام يشكو أمره فهو مزعج ومن قام يبغي حقه فهو مجرم". دشنا عصرا جديدا في عالم السرعة، واستوردنا قطارا فائق السرعة، لعله بذلك يلحقنا بإحدى دول أروبا التي تبعد عنا بخمسين سنة حسب تقرير للبنك الدولي صادر سنة 2017. حسب نفس التقرير استثمرنا أموالا ضخمة تجاوزنا بها بلدانا كثيرة ووقفنا أمام تقدمها عاجزين بعدما كانت إلى جانبنا في التخلف ونضرب مثلا بدولة كوريا الجنوبية. أما تركيا فخصصت لإقلاعها ربما أقل مما استثمرنا من أموال، وانطلقت وتركتنا نتساءل أين نحن منك؟ ها نحن من جديد نعود ونترشح لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2026، ونكشف عن ملايير الدولارات لاستفاء الشروط المطلوبة من ملاعب وبنية تحتية، وعندما يتجرأ أحدهم ويصرخ ملأ السماء: الأسعار غالية، نصيح في وجهه ثم نشهر في حقه ورقة أزمة البلاد الخانقة، وإن لم يصمت شككنا في وطنيته. في حقول بلد مجاور تكدح نساؤنا هاربات من بؤس يعض عليهن بالنواجد، كل همهن دراهم معدودات يحتفظن ببعضها على قلتها لمكائد الزمن ولإعالة أسرهن؛ فإذا بهن يسقطن ضحية التحرش الجنسي والاغتصاب والتنكيل. تنكر لهن الأقارب وأنصفهن الأجانب.. . أتراه الأجنبي أرحم علينا من هو فينا ومنا يتنعم؟ حطمنا أرقاما قياسية في الفقر حتى أوشكنا على السقوط خارج اللائحة؛ فتداركنا الأمر وعزمنا ونظمنا مهرجانات للرقص والغناء على إيقاعات أنين بطوننا الفارغة؛ فانتزعنا أوسمة عالمية... نتحسس رقابنا عندما نهم إلى أقلامنا، ونجرح كلماتنا قبل أن تصير جملا، ونقصف جملنا قبل أن تصبح فقرات.. وعندما نكمل كتاباتنا نمزق أوراقنا ونرمي بها إلى سلة المهملات.. فنتذكر أننا في وطن نرفض أن نراه؛ فنعود ونحرق ما مزقنا ونمسح كل ما كتبنا وما فكرنا به من ذاكرتنا وننشد السلام...