تابع المغاربة، مساء أول أمس الأربعاء، حالة سوريالية في الحقل الدستوري وفي المشهد السياسي المغربي، إذ بعد المشاركة العجيبة للوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، في الوقفة الاحتجاجية، التي نظمها عمال شركة "سنطرال دانون" أمام البرلمان، تحرك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، على وجه السرعة، ليدعو إلى اجتماع طارئ للأمانة العامة للحزب، وعقب الاجتماع، أصدرت قيادة البيجيدي بلاغا أعلنت فيه إبعاد الداودي عن الحكومة، وتقديرها لتحمل الوزير للمسؤولية بطلب الإعفاء من مهمته الوزارية، معتبرة مشاركته في الاحتجاج تقديرا مجانبا للصواب، وتصرفا غير مناسب... العجيب، هنا، أن القيادي بالبيجيدي لحسن الداودي قدم استقالة الوزير الداودي إلى الأمين العام سعد الدين العثماني، ليقدمها، بدوره، إلى رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ليرفعها هذا الأخير إلى الملك... إن خروج الوزير لحسن الداودي للاحتجاج مع عمال شركة "سنطرال دانون"، وضعنا أمام حالة سياسية باثولوجية. لعل مرض الخوف من فقدان منصب حكومي، الذي يعانيه السي الداودي، يبرر خرجاته الأخيرة البلهاء والمتهورة، ويبرر، كذلك، اللخبطة التي يعيشها والتي تجعله يضع نفسه في موضع لا يحسد عليه، بحيث لا يميز عاقل بين الداودي "العاشق للشعب"، المتيم في حبه، والذي اعتاد أن يلهج باسمه، ويتحين الفرص والمناسبات ليخطب وده، وبين الداودي المتمرد على الشعب، المحتج ضده، غير المتردد في تحقيره وإعلان مخاصمته له... مادام هذا الشعب يشوش على منصبه الحكومي ويهدد مستقبله السياسي. وإذا كنّا نتساءل حول خلفيات هذا الخروج إلى الاحتجاج، هل هو خوف صادق من قبل السيد الوزير على الاقتصاد الوطني، أم هو حقيقة خوف على فقدان السلطة، فإننا ندعوه، من باب النصيحة، إلى أن يتعفف عن استغلال وضعية عمال شركة "سنطرال دانون"، الذين لا أحد ينكر أنهم الحلقة الأضعف في ملحمة المقاطعة، إذ هم في شرنقة بين سندان الانتماء الموضوعي للفئات الشعبية المقهورة والمكتوية بنار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بسبب تمادي الحكومة في تجاهلها لصوت الشعب وإصرارها على تكريس اختياراتها اللاشعبية، وبين مطرقة الخوف من فقدان الشغل والاستقرار المادي. بدل هذا الاستغلال الفج، واللجوء إلى أسلوب التحريض والتهييج وخلق الفتنة والانقسامية داخل المجتمع، ندعو الوزير المستقيل، ومعه الحكومة برمتها، إلى أن يتحملوا جميعا مسؤوليتهم الكاملة ، وذلك أولا، باستحضار وضعية هؤلاء العمال والمستخدمين وتفهم مطالبهم المشروعة، وثانيا، بالانكباب الجدي على إيجاد الحلول الممكنة، والتفاعل مع ديناميات المجتمع ومطالبه الاجتماعية وانتظاراته الملحة. وفي إطار ذلك جواب على معركة المقاطعة. وما عدا ذلك، تبقى كل خرجاتكم مجرد شطحات بهلوانية ولعب بالنار ألسي الداودي، وفي الأخير، يصدق عليه المثل المأثور "اللي خاف منو طاح فيه"... واللافت أنه أمام صمود ملحمة المقاطعة في مواجهة خذلان الحكومة، وصلابة السخط الشعبي القائم على المواطنة الواعية والفاعلة، بات الأفق منذرا باستفحال مرض الباثولوجيا الفتاك، وانتشاره بسرعة في صفوف باقي وزراء حزب العدالة والتنمية، الذين يعيشون الْيَوْمَ، في ضوء حملة المقاطعة، على وقع حقيقة صادمة، فضحت هشاشة "شرعيتهم الانتخابية" المهزوزة، التي ما فتئوا يتبجحون بها، والتي تعتمد على الزبونية الانتخابية، التي اعتادت الاستثمار بمكر في واقع الخصاص، وتعمل جاهدة على توسيع دائرة الفقر والفقراء ونشر الجهل، وهدفها قتل المواطنة وسلب الإرادة الحرة لدى المواطن. لنتصور جميعا انتشار عدوى مرض الباثولوجيا لدى كل وزراء العدالة والتنمية (وبالمناسبة، فهذا المرض كما عرَفه قاموس المعجم الوسيط، هو مرض الخوف من السقوط أثناء النوم أو السقوط من السلالم)، فلن نفاجأ وقتئذ إذا رأيناهم جميعهم، ببذلاتهم الأنيقة، يلهثون ويصرخون أمام البرلمان، رافضين السقوط من السلالم، التي صعدوا إليها بالديماغوجية وبيع الأوهام، ولن يجدوا لحظتئذ حرجا في لعن الشعب ومخاصمته. ونردد معهم، حينئذ، بتصرف، قصيدة الشاعر محمود درويش: سقط القناع عن القناع.. سقط القناع.. لا حكومة لك يا وطني، لا أصدقاء. لا تعليم لا صحة لا دواء لا مستقبل لا أمل. سقط القناع عن قناع المتاجرين بالخطاب الديني في سوق المصالح السياسية والاقتصادية.