قبل حلول موعد الإفطار من كل يوم رمضاني، تقصد فئات واسعة من ساكنة جهة سوس ماسة العديد من الشواطئ على طول المحيط الأطلسي، لأجل ممارسة هواية شغلت قلوب شرائح واسعة من المجتمع المغربي، على اختلاف أعمارهم ومكانتهم ومستوياتهم الاجتماعية.. إنها الصيد بالصنارة، التي يشغل بها هؤلاء أوقاتهم في انتظار إعلان موعد الإفطار. وتجعل هواية الصيد بالصنارة الكثير من ساكنة مناطق سوس، يشغلون أنفسهم بقصد السواحل المحلية، تؤنسهم في رحلاتهم تلك صناراتهم، بعيدا عن ضوضاء المدينة وضجيج الأسواق وازدحام الشوارع والطرقات، علّهم يظفرون برزق يكون مصدر دخل أو وجبة شهية، أو فقط لتمضية الوقت والترفيه. منذ توقيت العصر إلى غروب الشمس، تشهد السواحل السوسية الإقبال اللافت للعديد من المواطنين على صيد الأسماك بالشواطئ، لا سيما خلال النصف الأخير من الشهر الفضيل لهذه السنة، الذي يعرف ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة، يوفّر أجواء مناسبة لممارسة الصيد بالصنارة، لا تعكر صفوها أية منغصات. هسبريس زارت شاطئ تفنيت، في غرب اشتوكة آيت باها، والتقت مجموعة من هواة الصيد بالصنارة أو عشاق البحر، حيث يترآى للزائر منظرهم وهم مصطفون في طوابير طويلة على الصخور المؤثثة لجانب من الشاطئ، حاملين صناراتهم ويرمون بخيوطها في مياه الأطلسي، في انتظار أن تعلق سمكة بالصنارة أو أن تلقّف الطعمة من غير تحقيق المبتغى. أحمد المنصور، موظف ممن شغلت هواية الصيد بالصنارة حيّزا مهما في حياته، يقول في حديثه إلى جريدة هسبريس: "لا يمكن هنا أن يفرق المرء بين المهندس والطبيب والعامل البسيط والعاطل عن العمل والمتقاعد؛ فجميعهم يتوافدون في أغلب الأحيان على الشاطئ، ليختار كل واحد منهم مكانا يمني النفس فيه بصيد وفير، أو بتمضية الوقت في انتظار وقت الإفطار". وأوضح المتحدّث أن لهذه الهواية فوائد عديدة؛ فهي موعد لقضاء أوقات مريحة وتبادل أطراف الحديث مع أشخاص تلتقي بهم فقط في أثناء ممارسة هذه الهواية، كما أنها تربي على الصبر والأناة والتخلص من الشعور بالملل أو الضّجر، كما يمنحك جود البحر ببعض الأسماك متعة لا تضاهيها متعة، فضلا عن الإحساس بالنشوة. ومن جهته، يرى سعيد، وهو صياد من أبناء دوار "تفنيت"، أن تجربته الطويلة أثبت له أن القاصدين للساحل يزدادون في شهر رمضان. وحسب المتحدث ذاته، يمكن تقسيم هؤلاء القاصدين للساحل إلى فئات؛ أولاها تمارس الصيد كمصدر رزق، وفئة تنال الأسماك بتلك الطريقة للعجز عن شرائها، وشريحة أخرى تعتبر الصيد هواية، تقضي فيها أوقاتا، تنتشي باهتزاز القصبة، وتتمتع بأجواء الهدوء ورباب الأمواج العاتية، بعيدا عن صخب المدينة. ومن المظاهر التي تُصبح مألوفة خلال شهر رمضان على سواحل المنطقة، وفقا للمتحدّث، كون العشرات من هواة الصيد بالصنارة يتسابقون كل يوم من أجل حجز أماكن تكون الأفضل، حيث تُعتبر صخور البحر مثل قوارب أرزاق تحمل هواة صيد الأسماك، وتجدهم فرادى أو جماعات وكلهم تواصل مع نبضات أدوات صيدهم، يتحادثون وفي الوقت نفسه يراقبون عن كثب اهتزازات خيط الصنارة، يتحسسون ثقلها لعلهم يصادفون ما يبشّرهم بصيد وفير، هذا إلى جانب تمضية متعتهم المفضلة. الكثيرون ممن التقتهم جريدة هسبريس اعتبروا أن الصيد في شهر رمضان يختلف عن سائر شهور السنة، حيث تقصد الشاطئ وجوه جديدة، لا تأتي إليه إلا في هذا الشهر الفضيل، حيث اعتبروا أن مردّ ذلك يكمن في الهروب من الضغوطات اليومية والرغبة في التمتع بلحظات الهدوء؛ فتجدهم، من دون كلل أو ملل، يجلسون لساعات طوال في انتظار ما ستجود به صناراتهم من سمك طري. علاقة وثيقة إذن تربط عشاق الصيد بالصنارة بالبحر، قد تصل عند بعضهم إلى درجة الإدمان، فيزداد ذلك الارتباط والتعلق في شهر الصيام، الذي تكتسب فيه القصبة لدى هؤلاء سرا وجاذبية، وأضحت جزءا من حياتهم، يحملونها كل زوال يوم رمضان، يداعبون بها أمواج البحر أملا في الظفر بمتعة الصيد، هذا دون إغفال ما تُحققه الهواية من ارتياح نفسي، قد لا توفره إلا أجواء وأمواج اليمّ من هدوء واسترخاء.