مائدة غداء جسور أرزاق مبالغ زهيدة من المال حكاية متعة رياضة وتعارف مهارة..ودراية قصص وطرائف يتوافدون يوميا على البحر، في أول النهار أو آخره، كل منهم يحمل عدة الصيد الخاصة به، صنارة وأطعمة، وسلة أو كيس ليضع فيها صيده..، يتناثرون على ضفاف البحر مع إطلالة الفجر أو عند فترة الغروب، يتنقلون بمهارة وحذر فوق الصخورالعائمة، يرمون خيوط صنارتهم فتغوص في مياهه، وهم يداعبون بها أسماكا جائعة تتقاذفها الأمواج، حيث يجدون متعة في ترصد بعض الأسماك التائهة عن عمق البحر..منتظرين ما يجود به عليهم مما في أحشائه..، بين الفينة والأخرى ترى أحدهم ينزع سمكة ملتوية من فخ الصنارة ويضعها في كيسه..، يعيدون الكرة مرات ومرات ولا يملون..، ولكل منهم من هذا الخير نصيب.. إنها الهواية التي لا يجد لها العشرات من ممارسيها بديلا ممتعا، هي الدافع لزيارتهم البحر.. تأسرهم في رحلة عشق على مقربة من شواطئه،منهم من ألف المجيء إلى هذه الأماكن، وآخرون اتخذوها هواية ووسيلة ترفيه..، منهم المدرب ومنهم غير ذلك.. بل إن فيهم من يمسك بيده صنارة لأول مرة في رحلة اكتشاف لعالم يتجسد قبالة هذا البحر الأزرق. مائدة غداء كلما قادتك قدميك في رحلة استجمام إلى البحر، يلفت انتباهك منظر هواة الصيد على ضفافه، يأخذك مشهدهم وهم يجلسون متجاورين، يحملون أدواتهم من خيط وعود وقصب، وجميع حواسهم موجهة نحو هدفهم..فهم تجمعهم مع البحر وجبة شبه يومية من السمك الطري..، بعضهم يتولى «دفة» الصيد واقفا طوال الوقت، وآخرون لا يفترون عن تطعيم الصنارة أملا في تحصيل مزيد من خيرات البحر. وعلى إحدى الصخور يتركون كيسا بلاستيكيا تموت فيه كل سمكة تخرج من الماء وهي عالقة بخيوط صيدهم..إنهم يمارسون هواية يومية ممتعة في مداعبة مياه البحر، قبل أن يمن عليهم بخيراته من الأسماك، وإن كانت محدودة، فهي تسد رمق الكثيرين منهم..لأنهم بالتأكيد يصطادون ليأكلوا.. يقضون ساعات متواصلة من اليوم على شاطئ البحر، وكأنهم في سباق تنافسي على من يصطاد أكثر، ليعودوا بعد كل رحلة يومية إلى أسرهم بحصة وفيرة من السمك..وهم فرحون ببركة صيدهم وإن كان يسيرا.. يتقاسمون في غالب الأحيان ما تظفر به أدوات صيدهم البسيطة من سمك يجدونه لذيذا على مائدة غدائهم اليومية.. يقرب محمد الملقب (بالصياد) هذا المشهد العام، من خلال توضيحه بأنه اعتاد المجيء إلى الممر الصخري بشكل شبه يومي على ضفاف شاطئ السعيدية، مشيرا إلى أنه في أيام متقطعة من الأسبوع يحمل صنارة الصيد الخاصة به ويتوجه رفقته صديقه إلى البحر ليشارك جموع الباحثين عن السمك، بأن السمك الذي تصطاده صنارته المتواضعة غالبا ما يكون من النوع الصغير، لكن جميع ما يجده من البحر يبقى لذيذا بالنسة له. ويضيف محمد بأن كثيرا من الجمهور يأتي إلى الشواطئ للاستمتاع بصيد الأسماك على مدار اليوم، وذلك أمر ممتع بالنسبة له ولا تعترضهم أي معوقات أثناء ممارستهم الصيد سوى المخلفات التي يلقي بها المتنزهون في الشواطئ. جسور أرزاق ما بين متكسب يعتبر الصيد على ضفاف البحر مصدر رزقه، وآخر يلجأ للصيد بحثا عن سمك يعجز عن شرائه، وثالث يعتبر الصيد هواية ليس إلا..، يتسابق العشرات كل يوم لحجز أماكن أفضل فوق الصخور، تساعد على تموقع جيد يضمن نتيجة صيد إيجابية من أجل مردود أوفر من السمك. فصخور البحر بمثابة قوارب أرزاق تحمل هواة صيد الأسماك، فلا تكاد تغيب شمس يوم دون أن تودع فوقها هواة متعة الصيد، الذين يتقاسمون الأرزاق مما يجود به عليهم البحر. ينتظرون لساعات يجذب كل منهم بشدة وحرص صنارة بسيطة غاصت في مياه البحر..وأعينهم تراقب بحثهم عن لقمة عيش لذلك اليوم. وغالبا ما تحمل الأمواج لجموع المنتظرين من هؤلاء الصيادين المتناثرين على شواطئ البحر، بشائر خير وهي تقرب السمك من خيوطهم المسترسلة فوق الماء، والبحر كما يقال لا يخذل أحدا والصيد أرزاق. والغالبية منهم يختتمون رحلة صيدهم اليومية بكميات من الأسماك ربما تكفيهم لوجبة يومية أو تزيد..ففي بعض الأيام يعود الشخص بكيلو من السمك وأيام أخرى يصطاد 3 كيلوات أو أكثر، وفي أيام قليلة لا يجد سوى سمكة أو اثنتين...وفيهم كثير يسعون جاهدين لصيد أكبر كمية من الأسماك لبيعها طرية طازجة على الشاطئ لأصحاب السيارات والمارة لقاء . مبالغ زهيدة من المال يقول حميد وهو أحد الصيادين المهتمين بالمهنة» الصياد الواحد منا يجمع في اليوم بضع سمكات لا تتعدى 3 كيلو غرامات في أحسن الأحوال، ثم يأخذها للسوق ليبيعها بثمن زهيد، أو يوفرها لزبنائه قد يتصل بهم هاتفيا أو ينقلها إلى منازلهم». معبرا عن انزعاجه منن يزاحمونهم في هذه المهنة من الهواة بالقول «هناك من يخرجون للصيد وليسوا من أهل البحر، ولكنهم هواة يزاحمون الصيادين على الرزق، بحيث يبيعون السمك بأسعار رخيصة، لأن أي مبلغ يحصلون عليه هو ربح لهم، إلا أن الصياد الفعلي والحقيقي لا يملك إلا مهنة الصيد، التي يعيل منها أسرته». حكاية متعة يتوافد كثير من هواة الصيد بالصنارة إلى الشواطئ، لممارسة هوايتهم والاستمتاع بوقت رائع مع موج البحر في جو من السكينة والهدوء، معظمهم يشعرون بمتعة كبيرة أثناء الجلوس أمام البحر واستنشاق نسائمه، حتى ولو لم يتمكنوا من اصطياد أي سمكة.. تجدهم فرادى أو جماعات وكلهم تواصل مع نبضات أدوات صيدهم..، يتحادثون وفي نفس الوقت يراقبون عن كثب اهتزازات خيط الصنارة، يتحسسون ثقلها لعلهم يصادفون ما يبشرهم بصيد وفير، هذا إلى جانب إمضاؤهم لمتعتهم المفضلة. أكد كثير ممن التقيناهم بأنهم يعشقون مزاولة صيد الأسماك في الصباح لخلو الشاطئ من المتجولين وهدوء ونقاء مياهه إضافة إلى قلة نسبة الرطوبة فيه. وأشار عبد الرحمن إلى أنه يأتي في الثامنة صباحا، ويحرص على أن يتناول وجبة الإفطار وقهوة الصباح وسط الأجواء الرائعة على البحر، قبل أن يبدأ في ممارسة هوايته المفضلة، وخلال ما يقارب ثلاث ساعات أو يزيد يجمع ما بين 3 إلى 5 كيلوغرامات من السمك بجميع أنواعه. وإلى جانب ذلك، بالتأكيد يحقق هؤلاء الهواة لمتعة الصيد بعلاقتهم اليومية مع البحر أكثر من هدف، فهم يتفاهمون مع البحر ويلقون فيه همومهم ومشكلاتهم قبل أن يصطادوا منه سمكا يأخذون منه ما يطعمهم، ولأنهم يمضون جل فراغهم إلى جانب البحر، فإن تلك الأجواء تبقيهم بالتأكيد في حالة تواصل وارتباط وثيقة مع البحروأجوائه. ذلك ما يؤكده حسن الذي يعمل موظفا، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يمر يوم دون أن يأتي حاملا صنارته المتواضعة ليداعب بها أمواج البحر، أملا في الظفر بمتعة الصيد، مؤكدا بأن البحر أصبح جزءا من حياته اليومية..إنه بالنسبة له حكاية متعة تتكرر كل يوم ..، أما صديقه عبد الله فالأهم بالنسبة له هو أن البحر يؤمن لمرتاديه من هواة الصيد أجواء ممتعة ومسلية، فهو يأخذ عنهم الهموم والأحزان ويهديهم السكينة والاسترخاء قبل أن يجود عليهم بخيراته من الأسماك. رياضة وتعارف بالمقابل، فإن هواية صيد الأسماك تعد وصفة ممتازة تعلم الصبر لمن يفتقده، وفق سعيد، وهو شاب حديث العهد بالصيد، مشيرا إلى أن أغلب الممارسين لها، يقضون ساعات طويلة على شاطئ البحر من أجل التمتع بهوايتهم المفضلة دون أدنى شعور بالرتابة والملل. وشدد عبد اللطيف أحد هواة الصيد بالصنارة، بالقول «الصيد يعلم الصبر ويريح الأعصاب، وهو متعة لا يشعر بها إلا من يمارسه، ومهما تحدثت عن هذه الهواية لا أستطيع تبيلغ الشعور الرائع الذي أشعر به عندما أكون إلى جانب البحر». وأعرب بعض عشاق هواية الصيد بالصنارة التي أسرت قلوب الكثيرين وعلمتهم روح الصبر والتأمل والسكينة على مدار سنوات من الممارسة، في حديثهم أن هواية الصيد بالصنارة رياضة ذهنية تهدف إلى الاستكشاف والتأمل في خيرات الله. وينصح بها لمن كثرت همومه وتعب تفكيره من العمل وأمور الحياة التي أصبحت معقدة. ويميل هواة الصيد إلى التعارف وإنشاء علاقات ودية بينهم، حيث أن شركاء الهواية يتبادلون المعلومات عن طرق الصيد وأنواع الصنارات والأطعمة، وكذا أنواع الأسماك...كما يتيح لهم الجوار في ممارسة هذه الهواية، فرصة الاستفسار وتبادل المستلزمات الخاصة بالصيد...، هذا المشهد يختصره أحد هواة الصيد الشباب، وهو يتحدث عن تجربة انضمامه إلى نادي الصيادين الهواة، يحكي عن ذلك فيقول «كنت أراقب الصيادين على الشواطئ وهم يصطادون الأسماك، فأحببت تعلم الصيد. ذهبت إلى أقرب محل واشتريت العدة كاملة، لكنني اكتشفت أن الهواية صعبة، وكثيرا ما كنت أقضي ساعات أمام البحر دون أن أحظى بسمكة واحدة، وكثيرا ما كانت الأسماك تبتلع الطعم وتعود إلى البحر سالمة. ثم أصبحت أراقب الصيادين من حولي وأسألهم عن طرق الصيد فتعلمت منهم ونشأت بيني وبين البعض صداقة». مهارة..ودراية لا تحتاج هواية صيد السمك إلى تكاليف مالية باهظة، بحسب عدنان، الذي اعتاد ممارسة هذه الهواية منذ ما يزيد على 5 أعوام، إذ يعتبرها هواية بسيطة وغير مكلفة بنفس الوقت، بحيث لا تتجاوز كلفة صنارة الصيد مع الطعم وغيرها من الأدوات مبلغ 300 درهم بالنسبة للمبتدئين. فكل ما يلزم هو صندوق صغير بمعدات الصيد وأبرز مكوناتها «القَصبة» و»البكَرة» أو «لماكينة» و»الخيط» و»الخطّاف»..، ثم سلة أو كيس لكي يضع فيه الصياد ما اصطاده في يومه. علما أن أسعار الصنارات حسب هواة الصيد تتراوح بين 100 درهم إلى 2000 درهم، وهناك من الصنارات ما يصل سعره إلى 10 آلاف درهم لمن يمارسون صيد السمك كنوع من الترف. يقول العارفون بهذه الهواية، أن نجاح صيد الأسماك يتطلب الكثير من التدريب والدراسة. ويمكن للمرء أن يتعلم عن طريق الخبرة فقط كيف يجعل السمكة تتعلق بالخطاف وكيف يُرهق (ينهك قوى) السمكة بشكل مناسب. ويشددون على أنه للإمساك بنوع معين من الأسماك، لابد أن يدرس الصائد بالصنارة عاداته، ماذا يأكل، وما أنواع المياه التي يعيش فيها، وما عمق الماء ودرجة حرارته التي يفضلها، موضحين بأن درجة حرارة الماء تؤثر على مدى حاجة الأسماك للطعام وعلى نشاطه. وكثيرا ما يقيس الصيادون بالصنارة درجة حرارة الماء ليجدوا العمق الملائم لنوع الأسماك الذي يبحثون عنه. ومن القواعد المتعارف عليها لدى الصيادين، أن الصيد بالصنارة يتطلب مهارة ودراية، تمكن من استعمال القصبة بكفاءة تضمن الحصول على نتيجة إيجابية. مشيرين إلى أنه في حال صيد بعض أنواع الأسماك ذات الحجم الكبير نسبيا، يحتاج الصياد أيضا إلى قوة بدنية وتركيز ومهارة لكي يستطيع انتشالها من الماء. كما تعد معرفة أنواع الأسماك وأماكن وجودها، ونوع الطعم المستخدم المناسبة لكل منها، من أساسيات صيد الأسماك. قصص وطرائف يؤكد هواة الصيد بأنهم في نهاية كل رحلة صيد يعودون إلى بيوتهم، ومهما خفت أو ثقلت سللهم من صيد الأسماك، فإن مخيلاتهم كثيرا ما ترجع محملة بعديد من القصص قد تكون حقيقية أو خيالية يحكونها دون شك إلى أصحابهم. فيما لايخلو جو الصيد من الفكاهة والطرائف مابين الأصدقاء، حيث تكثر المراهنة بينهم لمن يصيد كمية كبيرة من السمك، وقد يضطر صاحب الصيد الوفير إلى دعوة أصدقائه الذين خانهم حظهم في اصطياد سمكة، لمشاركته في أكل وجبة السمك وما شابه. وعندما يصطاد أحدهم نباتات بحرية أو يحصل على سمكة صغيرة فإنه يتعرض من أجل المرح والضحك إلى تهكمات أصحابه . ومن المواقف الطريفة التي تتكرر بين هواة الصيد، حين يحالف أحدهم الحظ في اصطياد سمكة كبيرة، وأثناء تنظيفه لها تفلت من بين يده إلى عرض البحر فيذهب كل تعبه هباء، بل إنهم في أحيان كثيرة يصابون بالإحباط، عندما يقضون الساعات ليحصلوا على سمكة. ومن بين المواقف الطريفة التي يحكيها هواة الصيد، مشهد الجموع الغفيرة من الفضوليين الذين يتجمهرون حول بعضهم حينما يعرفون أن الصيد سمكة كبيرة الحجم، حيث يتجه العديد منهم لالتقاط صور معها.