أشهر الصيادين بالقصبة بمنطقة دكالة وأقدمهم على الإطلاق السيد الجلالي حماص وشقيقه السيد الحسين حماص تحرير وتصوير/ محمد الماطي كثيراً ما يصادف المارون على الساحل الدكالي، ابتداء من شاطئ الحويرة بمنطقة المهارزة الساحل إلى منتجع الواليدية ، رجالاً يقفون على شطه وهم يحملون قصبات الصيد بالسنارة، وكل واحد من هؤلاء أمامه مجموعة أدوات الصيد وقفف جمع السمك وأنواع وأشكال مختلفة من الطعوم، وحسب الكتب التاريخية فإن هذا النوع من الصيد هو من أقدم الأنواع التي عرفها الإنسان منذ أقدم العصور، إذ تعود على الأقل إلى فترة العصر الحجري القديم، وهو من الهوايات المحببة والمفيدة لكثير من الناس، والتي تلاقي شعبية كبيرة في مختلف دول العالم، يمكن ممارستها من قبل كل الراغبين بذلك على شط البحر أو الوديان، وهي تجلب لصاحبها المتعة وتعلمه الصبر والهدوء، ناهيك عن الشعور بالنشوة التي تزيل كل اكتأب أو توتر نفسي، و بالإضافة لهذا فالصيد بالقصبة هو مصدر رزق للكثير منالناس، وأحد أسباب عيشهم، كما هو حال أشهر الصيادين بمنطقة دكالة وأقدمهم على الإطلاق، يقول في حقهما سندباد دكالة محمد الغزواني احد أشهر وامهر الصيادين بالقصبة بالمغرب والخبير بالسواحل المغربية والعضو المشارك بغرفة الصيد البحري، "أنهما صيادان شقيقان كهلان عجوزان لا يفترقان، فرضت عليهما طبيعة المنطقة القروية وقربها من البحر امتهان الصيد بالقصبة، فمارسا هذه الحرفة مند ما يزيد عن سبعين سنة، ولم يخطر ببالهما يوما أن يحترفا مهنة غيرها، بالرغم من الفرص العديدة التى أتيحت لهما من اجل العمل في الكثير من الشركات، ولكنهما لم يرضيا عن حرفة الصيد بالقصبة بديلا، ولا فكرا يوما في مصدر عيش غيرها، فالبحر والقصبة بالنسبة لهما مصدر الخير والبركة، عاشا من خيراتهما سنوات طويلة ولازالا إلى يومنا هذا يعيشان من فضلهما، بالرغم من أن البحر لم يعد سخيا في العطاء ولا كريما كما كان من ذي قبل". عندما كان سندباد دكالة يسرد علي بعض من تفاصيل حياة هذان الرجلان الصيادان العجوزان أحسست أن شيئا ما كان قد شدني إليهم، فأزمعت نفسي من اجل لقياهم والكتابة عنهما، وقد أرشدني سندباد دكالة الى حيث يقطنون بدوار لغضبان بجماعة مولاي عبد الله امغار، ولم أكد أبدأ معهم الحديث.. حتى صاحوا بلسان واحد، "تبدل حال البحر ولم يعد كما كان، فقد أصبح الصيد شحيحا حدا لا يتصور"، السيد الجلالي حماص وشقيقة السيد الحسين حماص اللذان بلغا من العمر عتيا واشتعل رأسيهما شيبا، بالرغم من تبدل أحوال البحر في العطاء، فإنهما مع ذلك قانعان ومومنان بان الله هو الرزاق سبحانه وتعالى حتى وإن عادوا إلى منازلهم لا يحملون في جيبهم درهم واحد، أو حتى سمكة لوجبة الغداء ليسدوا بها جوع أفراد عائلتهم، رغم مكوثهما لساعات طويلة بين موجات بحر، السي الجلالي حماص الأخ الأكبر 85 عاما، بالرغم من بلوغة هذا السن المتقدم فهو لازال مفعما بالحيوية والنشاط ولازال يصيد بالقصبة، فبينه وبين البحر والقصبة كما يقول قصة عشق وصداقة لا تنتهي، نسأل الله له ولشقيقه الصحة والعافية، يقول السي الجلالي انه بعد أن أمضى هو وشقيقه سنوات طويلة في مهنة الصيد بالقصبة أي منذ نعومة أناملهم، انه تعلم الصيد منذ أن كان عمره 8 سنوات، وذكر أن والده يمتهن المهنة ذاتها وهو من علمه الحروف الأولى لهذه المهنة، ولفت إلى أنه عادة ما يبدأ عمله بعد صلاة الفجر مباشرة حيث يقضي بعض الأحيان أكثر من ثمانية ساعات بالبحر رفقة شقيقه الذي لا يفارقه أبدا، وتابع بعد أن انتهى من جمع القصبة ولوازمها، انه في سنوات العشرينيات من القرن الماضي كانا يصطادان السمك بطرق بدائية، وكانا يصيدان هذا الصيد البسيط في فترة جزره بين صخور الشواطئ بواسطة "خنشة" تثبت بقصبتان على أطرافها أو عصوان ليقوما بإثارة الأسماك لغرض الإمساك بها وحجزها داخل الخنشة. ويتابع الشيخ سرد ذكرياته القديمة التي بدت آثار سنواتها كتجاعيد ملأت وجهانه عاشا فترة اصطياد السمك بالقصبة بواسطة الحبل بدل الخيط كما هو معروف اليوم، وكانت تسمى وقت ذاك ب "السويسية" وبعدها جاءت فترة الصيد بخيط "الشعرة" وهي حبل رقيقة ودقيقة من الأولى، وقال السي الجلالي ان الصيد بالقصبة قبل سنوات كان وفيرا وبكميات كبيرة ولطالما غنما منه كثيرا، ويستطرد، الحياة جميلة جدا سابقا، كنا نعمل بلا كلل او ملل لم نكن نعرف التعب مطلقا. وعن الأماكن التي كانا ولازالا يرتادونها للصيد بالساحل الدكالى قال الشقيق السي الحسين حمصان، من بين الأماكن التي كانا ولازالا الى اليوم يرتادونها هي مناطق، العلامة، سيدي موسى، الجمعة، سيدي محمد التيك، التوتات، والواليدية، وعن طريقة الصيد بالصنارة وتقنياتها، قال السي لحسن الواقع أن هواية الصيد بالصنارة تتطلب عدة مهارات حتى يمكن استعمال القصبة بكفاءة تضمن الحصول على نتيجة إيجابية، وفي حال صيد بعض أنواع الأسماك ذات الحجم الكبير يحتاج الصياد إلى تركيز ومهارة لكي يستطيع صيد السمكة وانتشالها من الماء بعد إرهاقها بحركات يجيدها الصيادون المحترفون، خاصة أن الأسماك معروفة بسرعة حركتها وقدرتها على الانسياب، ومثال ذلك الأنواع الكبيرة من السمك والتي تعيش في أعماق كبيرة والتي قد يصل طول خيطها إلى مئات الأمتار، وقال تعد معرفة أنواع الأسماك وأماكن وجودها، ونوع الطعم المستخدم المناسبة لكل منها، من أساسيات الصياد الماهر، ويرى السي لحسن أن أفضل أمكنة الصيد هي الأماكن المرتفعة، تجنبا للأمواج العاتية، وأوضح أن الطعم وهو أهم مكونات عملية الصيد فقديما كان دود البحر، بوخو، حريشة حنيش، كلها انواع المفضلة لدى الصيادين في عمليات الصيد أم اليوم ولصعوبة الحصول على الدود الخاص بالصيد يصنع العجين من مادة الخبز حيث تعجن بالماء ويضاف إليها بعض أنواع الأسماك "بيلوطة" و"قمرون"و"لكراب"و"بوشبك"و"الدودة الحمرا"، ويقول السي الجلالي أن لممارسة صيد الأسماك بالقصبة قواعد يجب أن يعرفها ويتعلمها كل صياد مبتدئ، وهي الأدوات والمعدات الأساسية للصيد، ومعرفة انسب أوقاته، ومعرفة كيفية التعامل مع أدوات الصيد ومعداته، مثل كيفية رَبط الصنارة، ومعرفة ما هي احتياطيات السلامة عند الصيد، واحترام آداب الصيد والالتزام بها، لضمان عدم مضايقة الصيادين الآخرين ومنها على سبيل المثال لا الحصر، عدم القيام بأي شئ يؤدي إلى تخويف السمك وهروبه من منطقة الصيد،اضافة الى احترام منطقة يصطاد فيها صياد آخر، بترك مسافة بين كل صياد وصياد آخر احترازا ايضا من أن لا تتشابك خيوط الصنارات، وفي ختام حديثه قالً: "بأن الصيد الذي كان في الماضي قد ولى واختفى ولم تبق منه إلا البركة، وليس لنا إلا الله، فرغم ندرة ما نجنيه من الأسماك إلا أن أملنا واتكالنا على الله كبير". كان الاستياء واضحا على وجوهما حيث عادا للتو من رحلة الصيد وهم لا يحملون إلا سمكات معدودات التي جاد بها البحر خلال ذلك اليوم، لقد كان سكان الساحل الدكالي في السنوات الماضية يعتمدون بالدرجة الأولى على الصيد والفلاحة، وظلوا متشبثين بصيد الأسماك وبيعها واستهلاكها، لكن كمية الأسماك تراجعت بشكل مهول، أصناف سمكية كثيرة اختفت وأخرى تراجعت كمياتها إلى حد كبير، وأن السبب الأساسي بالإضافة إلى التلوث، هو الصيد العشوائي والصيد في أعالي البحار، خاصة أن الكثير من الصيادين يستعملون شباك صيد تكون عيونها جد صغيرة وتجلب معها حتى الأسماك الصغيرة التي هي في طور النمو، وهو ما يعد استنزافا للثروة السمكية وضربة موجعة للاقتصاد الوطني ولصغار الصيادين كصيادي القصبة.