الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد الاشتراكي
الأحداث المغربية
الأستاذ
الاقتصادية
الأول
الأيام 24
البوصلة
التجديد
التصوف
الجديدة 24
الجسور
الحدود المغربية
الحرة
الدار
الرأي المغربية
الرهان
السند
الشرق المغربية
الشمال 24
الصحراء المغربية
الصحيفة
الصويرة نيوز
الفوانيس السينمائية
القصر الكبير 24
القناة
العرائش أنفو
العلم
العمق المغربي
المساء
المسائية العربية
المغرب 24
المنتخب
النخبة
النهار المغربية
الوجدية
اليوم 24
أخبارنا
أخبار الجنوب
أخبار الناظور
أخبار اليوم
أخبار بلادي
أريفينو
أكادير 24
أكورا بريس
أنا الخبر
أنا المغرب
أون مغاربية
أيت ملول
آسفي اليوم
أسيف
اشتوكة بريس
برلمان
بزنسمان
بوابة القصر الكبير
بوابة إقليم الفقيه بن صالح
أزيلال أون لاين
بريس تطوان
بني ملال أون لاين
خنيفرة أون لاين
بوابة إقليم ميدلت
بوابة قصر السوق
بيان اليوم
تازا سيتي
تازة اليوم وغدا
تطاوين
تطوان بلوس
تطوان نيوز
تليكسبريس
تيزبريس
خريبكة أون لاين
دنيابريس
دوزيم
ديموك بريس
رسالة الأمة
رياضة.ما
ريف بوست
زابريس
زنقة 20
سلا كلوب
سوس رياضة
شباب المغرب
شبكة أندلس الإخبارية
شبكة دليل الريف
شبكة أنباء الشمال
شبكة طنجة الإخبارية
شعب بريس
شمال بوست
شمالي
شورى بريس
صحراء بريس
صوت الحرية
صوت بلادي
طنجة 24
طنجة الأدبية
طنجة نيوز
عالم برس
فبراير
قناة المهاجر
كاب 24 تيفي
كشـ24
كود
كوورة بريس
لكم
لكم الرياضة
لوفوت
محمدية بريس
مراكش بريس
مرايا برس
مغارب كم
مغرب سكوب
ميثاق الرابطة
ناظور برس
ناظور سيتي
ناظور24
نبراس الشباب
نون بريس
نيوز24
هبة سوس
هسبريس
هسبريس الرياضية
هوية بريس
وجدة نيوز
وكالة المغرب العربي
موضوع
كاتب
منطقة
Maghress
ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب
جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة
تداولات الإغلاق ببورصة الدار البيضاء
توقيف المسؤول عن إعدامات صيدنايا
"الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات
ضربات تستهدف مطار صنعاء الدولي
في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024
مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل
تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب
العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج
الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي تستعرض حالة تقدم الإنجازات التقنية والمالية برسم سنة 2024
الأمن الوطني يفكك 123 شبكة للهجرة السرية
مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط
نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة
حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية
المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية
تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت
"زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية
أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع
المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة
330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش
سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس
المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد
بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري
إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط
المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن
غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان
العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة
إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات
تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف
كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد
حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة
أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار
صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة
أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل
بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"
"الحسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية
طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية
"التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها
الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام
الثورة السورية والحكم العطائية..
مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024
"أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي
المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله
الضرورات القصوى تقتضي تحيين الاستراتيجية الوطنية لتدبير المخاطر
جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب
مصطفى غيات في ذمة الله تعالى
جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"
هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر
دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري
برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"
نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان
طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به
للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)
حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله
عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة
توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
جنان الحارثي دمعة في عين الكاتب
أحمد شحلان
نشر في
هسبريس
يوم 02 - 06 - 2018
كتبت المقالة في أكتوبر 1997، ونشرت في الملحق الثقافي لجريدة لعلم
إرْثُ المَالِ يَفْنى وَإِنْ كَانَ قارونِياً، وَإرِثُ الذِّكْرَى وَالتَّذَكُّرِ يَخْلُدُ لِأَنَّهُ أَسَاسُ الحَضَارَاتِ. إِرْثُ المَالِ قَدْ يَكُونُ مَصَدرًا للتباغُضِ وَالشَّنَآنِ، وَإرِثُ الذِّكْرَى لُحْمَةُ حُبّ الأَهْلِ وَالأَبْنَاء وَالوَطَن.... هذه بَعْضُ أَفْكَارٍ كَانَتْ تَتَرَدَّدُ فِي خَاطِرِي وَأَنَا أَسِيرُ جِهَةَ "جَنان الحارثي" وَمِعَى طِفْلِي أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ وَإِيَّاهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ طَالَمَا وَقََتْنِي حَرَّ الصَّيْفِ فِي أَيَّامِ صِباي، عِنْدَمَا كَانَ أَبْنَاءُ المَيْسُورِينَ يَتْرُكُونَ جُوَّ مَرَّاكِش الحَارِ فِي رِحْلَةٍ إِلَى الشُّطْآنِ، إِلَى البَحْرِ الَّذِي كُنْتُ أَتَصَوِّرُهُ عِنْدَهَا دُكَّانًا كَبِيرًا كَبِيرًا كَبِيرًا يَمْتَلِئُ مَاءً كَثِيرًا كَثِيرًا كَثِيرًا، عِنْدَمَا كُنْتُ أَظُنُّ مِيَاهَ ذاكم البَحْرِ سَمْرَاءَ اللَّوْنِ لِأَنَّ العَائِدين مِنْهُ كَانُوا يَرْجعون وَقَدْ صَارَتْ أَجْسَامُهُمْ طِينِيَّةَ اللَّوْنِ.
كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَجْلِسَ وَابني عَلَى مَقَاعِدَ خَضْرَاءَ عَرَفْتُهَا مُتَوَاضِعَةً مذ بَدَأْتُ أَحِبُّ الكِتَابَ، لِأَرْبُطَهُ مَعَهَا بِعَلَاقَةِ مَاضٍ كَانَ لي وَأُرِيد أَنْ يَكُونَ لَهُ هُوَ أَيْضًا. وَسَرَحَ بِي الخَيَالُ وَبَدَأْتُ أَحَدِّثُ طِفْلِي عَنْ قَصْرِيَ الجَمِيلِ الَّذِي بَنَيْتُهُ فِي"جَنَانِ الحارثي" وَقَدْ قَرَأَتُ فِيه أُوَلَ كِتابٍ غَيْرِ مَدْرسِي كُنْتُ اشْتَرَيْتُهُ بِ "عِشْرِينَ رِيَالٍ" (درهم) فِي سَاحَةِ جَامِعِ الفَنَاءِ، وَكَانَ عُنْوَانُه "أَكْلْ عَيْشْ (عَيْشَ = الخَبْزُ بِاللَّهْجَةِ المِصْرِيَّةِ) وَهُوَ مَجْمُوعةُ قَصَصٍ لَمْ أَعُدْ أَذْكُرُ اسْمَ كَاتِبِهَا. سَرَحَ بِي الخَيَالُ وَبَدَأْتُ أحدثه عن قَصْرٍ اِسْتَقْبَلْتُ فِيهُ المَنْفَلُوطي بِنَظَرَاتِهِ وَعَبَرَاتِه، وَتَوْفِيقَ الحَكِيمَ مَعَ حِمَارِهِ وَأَصْحَابِ الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ وإسلامياته. وَأَحْمَدَ أَمِين فِي فَيْضِ خَاطِرِهِ وَتَوَارِيخِهِ.
وَطَهَ حُسَيْن فِي أَيَّامِهِ وخُصُومَاتِهِ، بَدْءًا مِنْ الشّعْرِ الجَاهِلِي إِلَى أَحَادِيثِ الأَرْبِعَاءِ. وَالأَخْطَلَ الصَّغِيرَ فِي غَزَلياتهِ. وَأَحْمَدَ شَوْقِي فِي شوقياته. وَخَلِيلَ مِطْرَان وَجُبْرَانَ وَسَلَامَة مُوسَى والشابي وَ اِبْنَ إِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدَ الخُلَاصَةَ. وَقُلْتُ لِأَبْنِيَ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَسْمَاءٍ أُخْرَى غَابَتْ عَنْ ذِهْنِي فِي تِلْكَ اللَّحْظَةِ، كُلَّهُم حَثُّونِي بِأَلْفِ وَجْهٍ وَوَجْهٍ عَلَى النَّظَرِ والتَّأَمُّلِ فِي آدَابٍ أُخْرَى كَانَتْ سُوقُ التَّرْجَمَةِ حَافِلَةً بِهَا فِي تِلكُمْ الأَيَّامِ. وَقُلْتُ لَهُ إِنَّي هُنَا اِلْتَقَيْتُ بِأَحَدَبَ نُتَرْدَامْ لِﭬﯖتُور هِﯖو، وَفِي هَذَا المَكَانِ عِشْتُ "الحَرْبَ وَالسِّلْمَ "مَعَ تُلْسْتوي، وَسَمِعْتُ حَدِيثَ "الأُمِّ" لِجُوَرِكِي. وَفِي هَذَا القَصْرِ تَعَلَّمْتُ مِنْ كُلّ هَؤُلَاءِ أَنَّ الأَدَبَ هُوَ حَضَارَةُ الفِكْرِ، وَأَنَّ الفِكْرَ هُوَ رُوحُ الفَلْسَفَةِ، فَبَدَأْتُ أَقْرَأُ سُقْرَاطَ وَأَفْلَاطُونَ وَأَرِسْطُو وَأفلوطين، وَتَذَوَّقَتُ لَذَّةَ الأبيقوريين، وَسَمِعْتُ مِنْ زينونَ، وَتَجَوَّلْتْ فِي"الأُكْرُبول" على جبل أتينا، ومِنْ عَلَاهُ اطَّوَّفَ بِي نَظَرِي فِي آفَاقٍ أُخْرَى رَأَيْتُ منها "فَاوْسَتْ "يَعْقِدُ عَهْدَهُ مَعَ الشَّيْطَانِ، وفَاغنَرْ يَعْزِفُ لَهُمَا لَحْنَ التَّصْدِيقِ بَعْدَ أَنْ حَرَّرَ ﯖُوتْه آخَرَ كَلِمَةٍ مِنْ رائعته.
فِي هَذَا الأُفْقِ رَأَيْتُ "شَيْخَ البَحْرِ" يُصَارِعُ الأَمْوَاجَ العَاتِيَةَ بَعْدَ أَنْ تَرْكُهُ هَمَنْﯖوي يَلْقَى مَصِيرَهُ وَذَهَبَ لِيَدُقَّ الأَجْرَاسَ قَبْلَ أَنْ يَحْمِلَ بُنْدُقِيَّتَهُ وَيُسْدِلَ الظَّلَامَ. فِي هَذَا الأُفْقِ رَأَيْتُ كريل تسيسمن فِي زِنْزَانَتِهِ الَّتِي نَسِيتُ رَقْمَهَا يُحَرِّكُ الضَّمِيرَ العَالَمِيَّ. وَدَارِوينَ يُعِيدُ كِتَابَةَ تَارِيخِ البَشَرِ لِيُوَطِّدَ عَلَاقَةَ الإِنْسَانِ بِالقِرْدِ، "غَفَرَ اللهُ له". وإيرلند توينبي يُذَكِّرُ البَشَرَ بِأنَّ التَّحَدِّيَّ يَصْنَعُ الحَضَارَاتِ. هُنَا عَرَفَتْ قِصَّةَ حَضَارَةِ وَيْلِ ديورانت. وَرِحْلَةَ صَقْر قُرِيْش، وَقُصُورَ الأَمِيرَاتِ وَسَرَادِيبَ الأَفَّاقِين. هُنَا غَاصَتْ قَدَمَاي فِي رِمَالِ الضِّفَافِ الَّتِي أَدْفَأَتْ فِيهَا أَشِعَّةُ الشَّمْسِ طِينَ القَدْرِ الإِلَهِيِ ليَكُونَ "حَيٌّ بِن يَقْظَانٍ" بَعْدَ أَنْ أَعَادَ اِبْنُ طَفِيلِ قصةَ الخَلْقِ مِنْ جَدِيدٍ، وَهِيَ قِصَّةٌ ذَكَّرَتْ بَنِي آَدَمَ بِ فَلْمًا رَأَى القَمَرَ.... وَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ... وَلَمَّا... وَلَمَّا... لِيُكونَ اللهُ. وَكَانَ وَسَيَبْقَى. عِلْمٌ غَزِيرٌ عَمِيقٌ يَتَلَقَّاهُ الإِنْسَانُ مِنْ صَفَاءِ حَلِيبِ غَزَالَةٍ هِيَ رَمْزُ الأُمُومَةِ وَمَواتُهَا. وَمَواتُهَا هُوَ رَمْزُ الفَلْسَفَةِ وَخُلَاصَةُ الكَوْنِ. قُلْتُ لِاِبْنِي: فِي "جَنَانِ الحارثي" سَمِعْتُ هَمْسَ اِبْنِ طَفِيلٍ فِي أُذُنِ اِبْنِ رُشْدٍ ينبهه بَعْدَ أن سَأَلَ الخَلِيفَةُ سُؤَالَهُ المَشْهُورَ: "مَا قُولهُمْ فِي السَّمَاءِ". وَهُوَ السُّؤَّالُ الذي كَانَ الخُطْوَةَ الأَوْلَى فِي إنْهاضِ الغَرْب بَعْدَ مَشْرُوعِ "أﭬِيرُوِّسْ" (اِبْنُ رُشْدٍ) الكَبِيرِ العِمْلَاقِ. فِي هَذَا المَكَانِ تَعَلَّمْتُ أَنَّ صَفاءَ الرُّوحِ وَصِحَّةَ النَّفْسِ لَا يَأْتِيَانِ إِلَّا مِنَ رُفْقَةِ أُنَاسٍ لَيْسَ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُم الزَّمَانُ، أَوْ يُقَرِّبَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ المَكَانُ، إِنَّمَا هِيَ أَرْوَاحُ جُنُودٍ مُجَنَّدَةٍ تَنْتَقِلُ مِنْ بَرْزَخٍ إِلَى بَرْزَخٍ، إنْ أَرَادَتْ إرادَةُ اللهِ أنْ يَصْنَعَ الإِنْسَانُ الحَضَارَةَ.
لَحَظَاتٌ قَصِيرَةٌ تِلْكَ الَّتِي كَانَتْ تَفْصِلُ بَيْنَ عَزْمِي عَلَى أَنْ أَسِيرَ أَنَا وَابْنِي إِلَى مَوْطِنِ ذِكْرَيَاتِي وَالوُصُولِ إِلَى "جَنَانِ الحارثي". كَانَتْ كَأَنَهَا كُلُّ صِبَايَا وَطُفُولَتِي وَعُنْفُوَانِي. كُلُّ حَيَاتِي تَجَمَّعَتْ فِي قَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ دَقِيقَةً هِيَ المَسَافَةُ بَيْنَ بَيْتِ الوَالِدِ وَ"جَنَانِ الحارثي". وَفِي هَذِهِ اللَّحَظَاتِ مَرَّ بِخَاطِرِي كُلُّ مَا قُلْتُ. وَاقْتَرَبْتُ مِنْ بَابِ الحارثي، وَبَدَأَ قَلْبِي يَدُقُّ، لِأَنَّ اللَّحَظَاتِ الغَالِيَةَ، لَحْظَاتِ أَنْ تُسَلِّمَ أَعَزَّ مَا تَمْلِكُ إِلَى أَعَزِّ منْ تُحِبُّ، أَنْ تَسَلَّمَ قَصْرَكَ إِلَى وَرِيثِهِ. وَقَصْرِي هُوَ هَذَا الَّذِي بَنَيْتُه فِي جَنانِ الحارثي، وَأَثَاثُهُ وَأَبْدَعُ مُحْتَوَيَاتِه هُمْ أُولَئِكَ العُظَمَاءُ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ وَالَّذِينَ نَسِيتُ ذِكْرَهمْ، مَتَاعِي وَكُلُّ دُنْيَاي وَجُماعُ تِلْكَ السَّاعَاتِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي قَضَيْتُهَا هُنَا، فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الحُزْنِ وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنْ الفَرَحِ، فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ شِعْرِ الحُبِّ الَّذِي لَمْ يَتَعَدَّ بَني عُذْرَةَ، وَفِيهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّثْرِ الَّذِي كَانَ هُوَ لِبَاسِي الجَدِيدَ فِي الأَعْيَادِ، وكان َأَسْفَارِي فِي العُطَلِ. كُلُّ هَذَا تَرَكْتُهُ هُنَا حَتَّى يَحِينَ الحِينُ لِأُسَلِّمَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ.. انْتَظِرْ قَلِيلًا يَا بُنَي. وَعَانَقْتُ إِسْمَاعِيلَ وَعَانَقَنِي بِالغَرِيزَةِ، وَنَظَرَتُ إلَيْه وَدَمْعٌ مِنْ العَيْنِ يَنْهَمِلُ. إنها لَحْظَةُ البَهْجَةِ وَسَمُوِّ الرُّوحِ وَقِمَّةِ السَّعَادَةِ. تَتَابَعَتْ خُطُوَاتِي وَخَلْفَي إِسْمَاعِيلُ يَهُزُّ الخُطَى. بَيْنَ بَابِ الحارثي وَوَسَطِه حَوَالَيْ مِائَتَي مِتْرٍ. فِي هَذَا الوَسَطِ كُلّ مِلْكِي: مَقْعَدٌ أَخْضَرُ لَهُ إِخْوَةٌ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى شَاهِدٌ مِنْ شُهُودِ المَسَارِ، وَمِنْهُ وَمِنْ عَلَيْهِ دَخَلْتُ دُنْيَاي تِلْكَ. وَعَزَمْتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا المَقْعَدُ مَكَانَ التَّسْلِيمِ..... جُلْتُ بِنَظَرِي. صِحْتُ أَيْنَ المَقْعَدُ؟ أَيْنَ جَمَالُ هَذِهِ السَّاحَةِ وَمُنَسَّقُ زُهُورِهَا وَأَشْجَارِهَا؟ أَيْنَ المَعْهَدُ المُوسِيقِيُّ الَّذِي طَالَمَا خَفَّفَ مِنْ عَنَاءِ الإِرْهَاقِ بِرَنَّةِ وَتَرٍ كَانَ يَجُودُ بِهَا عَبْدُ الله عِصَامِي أَوْ آلَةُ عَوَاطِف أَوْ عَبْدِ الرَّفِيقِ رحمه الله؟ أَيْنَ فِعْلُ السِّحْرِ الَّذِي كَانَتْ تَحْمِلُهُ الأَنْسامُ مِنْ هَذَا المَكَانِ كُلَّ مَا أَعْيَى صَقيلُ الوَرَقِ العِينَ أَوْ غُمَّ فَهْمُ مَعْنًى؟ أَيْنَ بَصَمَاتُ كِبَارِ مُوسِيقيِّينا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ وَمَنْ لَمْ أَذْكُرْ؟ مَعْهَدُهُمْ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ هُنَا، هُوَ خِرْبَةٌ مُتَهاوِيَّةُ السَّقْفِ مَكْلُومَةُ الجُدْرَانِ مَبْقورَةُ الأَحْشَاءِ.
أَيْنَ هَيْبَةُ هَذَا الرِّوَاقِ الَّذِي تَرَبَّعَ فِي صَدْرِ الحارثي، وَرَدَّدَ فِي زَاهِي أَيَّامِهِ أَنْغَامَ جُوقٍ نُحَاسِي كَانَ يُطْرِبُ أَهْلًا مِنْ مُتَوَاضِعِي الحَالِ مِنْ سُكَّانِ هَذِهِ المَدِينَةِ؟ أَيْنَ قَاعَاتٌ جَمِيلَةٌ كَانَتْ زينَةً لِلمُحَاضَرَاتِ وَالنَّدَوَاتِ مِنْ غَابِرِ العُصُورِ؟ أَيْنَ مَرَابِعُ حَيَوَانَاتٍ وَطُيُورٍ ولطائِفَ كَثِيرًا مَا أَمْتَعَتْ صِغَارَ هَذِهِ المَدِينَةِ الصَّامِتَةِ. جَنَانُ الحارثي اليَوْمَ، بَاقَةٌ مِنْ قِلَّةِ الذَّوْقِ وَبَرَاعَةِ القُبْحِ، آجُرٌّ وإسْمَنْتٌ هُوَ قَيْءٌ تَرَبَّعَ أَيْنَ مَا يَحْلُو لَهُ. وَسَخٌ فِي وَسَخٍ. جَنَانَ الحارثي اليَوْمَ جَسَدٌ مَقَطَّعُ الأَوْصَالِ. بَعْضٌ مِنْ أَوْصَالِهِ صَارَ جُزْءًا مِنْ المَلِكِ العَامِّ، وَبِعَضٌ مِنْ المُلْكِ الخَاصِّ. مَأْسَاةٌ وَخَرَابٌ وَسَرِقَةٌ. مَأْسَاةٌ مَنَعَتْنِي مِنْ تَسْلِيمِ مَا كُنْتُ أَمْلِكُ إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ. وَخَرَابٌ لِقُصُورِ ذِكْرَيَاتِ كَثِيرٍ مِنْ أَمْثَالِي وَعُمْرَانِ النَّاسِ. وَسَرِقَةٌ لِهَذِهِ الذِّكْرَيَاتِ وَلَا حُجَّة لِي وَلِأَمْثَالِي، لِأَنَّ الْمَسْرُوقَ لَا ُيُلْمَسُ بِاليَدِ، إِنَّمَا هُوَ فِي الخَيَالِ وَالصُّوَرِ، وهوَ مع هَذا الْمَكَانِ كَمَا كَانَ لا كما هوَ الآن.. وَكَمْ هُمْ ضَحَايَا هَذَا الغَدْرِ مِنْ أَبْنَاءِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَمِنْهُمْ الَّذِي أَصْبَحَ وَزِيرًا وَالَّذِي أَصْبَحَ طَبِيبًا وَالَّذِي أَصْبَحَ عَالِمًا؟ وَمِنْهُمْ مَنْ لَوَّحَتْ بِهِ رِيَاحُ الأَيَّامِ للاسترزاق فِي مَا وَرَاءَ البِحَارِ. وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ فِي البَابِ غَيْرَ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى عَيْنَيْهِ حُجَبَ الصَّبْرِ وَرَدَّدَ بِلِسَانِهِ حَوْقَلَةَ القُلُوبِ. مَاذَا أَقُولُ لَكَ يَا بُنِّي؟ عَزَمْتُ أَنْ أَنْقُلَ إِلَيْكَ مَا تَسْتَحِقُّ فَحَرَمَتْكَ مِنْهُ يَدُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ. بَلَائي وَبَلَاؤُكَ رَحَى الإِهْمَالِ وَعَدَمُ يَقْظَةِ البَالِ. بَلَائي وَبَلَاؤُكَ أَنَّ الَّذِي يَرْعَى هَذَا الْمَكانَ فِي هَذِهِ الْمَدينَةِ لَمْ يَصِلْ بِهِ بَعْدُ وَعْيُ الضَّمِيرِ لِيَعْرِفَ أَنَّ العُمْرَانَ لَا يَكُونُ بِحَجَرٍ عَلَى حَجَرٍ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِجُمَاع ذَكَرِيَّاتِ أَبْنَاءِ المَدِينَةِ.
الحَجَرُ تَذُرُّوهُ الرِّيَاحُ، وَعُمْرَانُ الفِكْرِ يَتَطَاوَلُ عَلَى الزَّمَانِ. وَقَاضينَا يَا بُنَي، أَنْ تَرْفَعَ الْعَيْنَ إِلَى السَّمَاءِ، فَالصَّحْرَاءُ تَعَود مُرُوجًا، وَالمَسْلُوبُ قَدْ يَرْجِعُ قُصُورًا وَبُرُوجًا، فَيَعُود إلَيْكَ وإِلَى إِخْوَةٍ لَكَ فِي هَذِهِ المَدِينَةِ، حَقُّ أبيكَ وحُقوقُ آبائِهم. إِنْ الإنسانَ يا بُنَي صَنَعَ الحَضَارَةَ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الذِّكْرَيَاتِ، وَالحَيَوَانُ وَحْدَهُ لا ذاكِرَةَ لَهُ فَلَمْ يَصْنَعْ حَضَارةً. وَمَا ضَاعَ حَقٌّ وَرَاءَهُ كَاتِبٌ.
رسالة مفتوحة إلى السيد عمدة مدينة
مراكش
: جنان الحارثي في كليته إرث معنوي
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
رسالة مفتوحة إلى السيد عمدة مدينة مراكش
حوار معَ محمد حلمِي الرِّيشة
محمد حلمي: الشاعر منشد الحرية
حوار محمَّد حلمي الرِّيشة: الشَّاعرُ مُنشِدُ الحريَّةِ الأَبديِّ..
أَخْسِرُ السَّمَاءَ وَأَرْبَحُ الأَرْضَ
أبلغ عن إشهار غير لائق