تستحق تخريجة زعيم حزب الحركة الشعبية المحجوبي أحرضان الأخيرة، لمبارحة دفة قيادة حزب واحد من أقدم التنظيمات السياسية بالمغرب الكثير من الاهتمام، فالرجل العجوز المُلقب ب "أوشن" بالتعبير الأمازيغي – أي الذئب – لم يُبد رغبته في التنحي بشروط سوى حينما أحس أن لفح عود الثقاب يقترب من هيئته النحيفة المُستدقة، حيث حرص على أن يمنح ذهابه مسحة طوعية، فكيف حدث ما اعتبره البعض مفاجأة حقيقية، من طرف رجل سياسة مغربي تقليدي يعتبر الحزب بمثابة قبيلته التي يجب أن يظل "أمغارها" الأوحد حتى آخر أنفاس حياته؟ "" في الواقع يُمكن أن نطلق على العجوز أحرضان كل الأوصاف القدحية، ما عدا الغباء، فهو واحد من أفراد النخبة السياسية القلائل بالمغرب، ما زالوا على قيد الحياة، بعد الاحتكاك، من موقع الفعل، بظروف وصروف المغرب في مراحل الاستعمار والاستقلال، وهي فترة كما نعلم تجاوزت نصف قرن تعاقب خلالها ثلاثة ملوك، وكثيرة هي المحطات التي كان خلالها احرضان صانعا، من موقعه قائدا لحزب تقليدي موال للملكية، لكثير من أحداث كما أنه تقلب في مناصب عسكرية في الجيش الفرنسي، حيث كان قد نَكَّل بالمقاومين، حسب بعض الشهادات، ومناصب مخزنية أقصاها وزير للدفاع وأدناها وال على الرباط وسلا، كما إنه لعب دورا محوريا في مناورات سياسية عديدة، كانت لها آثار سلبية مشهودة، من بينها دوره في إيقاد شرارة أحداث الريف سنة 1959 ، بتنسيق مع أطراف مخزنية، حسب شهادات لسياسيين عاصروه كانوا يُناصبونه العداء، ومنهم قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي لاحقا) غير أن أحرضان ظل قابعا في قناعاته المخزنية، ومتمترسا في كرسي قيادته لحزب الحركة الشعبية دهرا طويلا، امتد حتى تمكن في بحر سنة 2002 من أن يقول من على منصة أحد مؤتمرات الحركة، وما أقلها، موجها الكلمة للشخصيات التي حضرت المناسبة السياسية الحركية المذكورة: "ها هي ذي اكبر الشخصيات اليسارية التي ناصبتنا العداء من قبل، تحضر مؤتمرنا هذا" وكان يعني بطبيعة الحال الوزير الأول والكاتب الأول سابقا لحزب الاتحاد الذي كان في الصف الأمامي قُبالة منصة المؤتمر الحركي. فهل امتلك أحرضان "الفراسة" السياسية المناسبة منذ عشرات عقود السنين، التي جعلته يفهم عناصر الاستقرار التقليدية القوية التي يقوم عليها المشهد السياسي المغربي؟ وبالتالي اختياره، باعتباره سليل عائلة أمازيغية إقطاعية متحالفة مع المخزن أبا عن جد، جانب المحافظة على مصالحه في بيئة سياسية واجتماعية واقتصادية مشدودة إلى الخلف؟ واضح أن بعض عناصر الجواب موجودة - فيما نعتقد في طيات هذا التساؤل - واقتفاء لنفس الافتراض بتوفر احرضان على الفراسة السياسية الواقعية ب "منطقها" المغربي، هل يُمكن القول أن الرجل العجوز تخلى طوعا عن "زعامته" لقبيلته الحزبية بعدما استشعر أن الآتي لن يكون في صالح بقائه في منصبه القيادي؟ شخصيا أميل للإيماء بالرأس دلالة على الإيجاب. ألم يقل "أوشن" أحرضان، منذ بضع سنوات خلت في برنامج عمر سليم بالدوزيم "الرجل المعني" l’homme en question قبل سنوات: "إننا نحن المغاربة كلنا ملكيون، لأن كل واحد فينا يعتبر نفسه ملكا على أسرته، أو قبيلته، أو حزبه أو مصنعه .. إلخ" ؟ فكيف يتخلى يا ترى، رجل كان يعتبر نفسه ملكا على حزب "الشلوح والعروبية" بهذه السهولة عن زمام القيادة ؟ في القضية "إنَّ" كما نقول نحن المغاربة، سأحاول تفسير اللغز من وجهة نظري. ثمة عناصر خلخلة غير منظورة للمشهد الحزبي المغربي، لأنها - أي العناصر - تتخذ لبوس الصيرورة السياسية العادية من بينها "التطويح" بذكاء بحزب الحركة إلى لجة معارضة أقرب إلى الوضع الكاريكاتيري منها للعمل السياسي الجاد، وبالتالي كل ذلك الشنآن والاضطراب الذي عرفته الخيمة الحركية البطريركية (الأبوية) حيث وُضِعت اختيارات شيخ القبيلة الحزبية موضع تساؤل بل التنديد من طرف مرؤوسيه، ومنهم مَن ذهب إلى حد المطالبة برأسي أحرضان والعنصر، باعتبارهما مسؤولين عن تفويت "فرصة" المشاركة الحكومية. ثم أخيرا وليس آخرا بالتأكيد، المستجد الحزبي والسياسي المغربي في البيت الاتحادي، الذي جاء بطرد سافر لمحمد اليازغي من منصب الكتابة الأولى، وبذلك فهم أحرضان أن عليه أن يبلل لحيته بعد حلق ذقن جاره اليازغي غصبا. ليس هناك كبير شك في أن "أوشن" احرضان فهم أن ما سيأتي به التدبيرالسياسي في المشهد الحزبي لن يكون في صالح بقاء "مُلكه" الحركي، لذا اقترح "تخريجة" الذهاب من القيادة بشروط على رأسها خلق مجلس رئاسة يخول له الإشراف من بعيد على شؤون الحزب. أرأيتم؟ إن الذئب يشيخ حتى أرذل العمر، لكن شهية الافتراس تظل عنده سليمة معافاة.