لعل المُتأمل في الجامعة المغربية من الناحيتين التحصيلية والأخلاقية يجد تدهورا كبيرا فيهما؛ فمن الناحية التحصيلية، وحسب التصنيفات العالمية، فإن جامعاتنا المغربية مازالت تتذيل أسفل الترتيب حسب مقاييس عديدة، منها النشر وعدد المقالات العلمية والظروف التحصيلية. أما من الناحية الأخلاقية، أو بعبارة أدق الناحية السلوكية للطالب المغربي، فقد أصبحنا نرى ونسمع كل يوم عن عنف ومواجهات دامية أدت أحيانا كثيرة إلى العنف الجسدي المفضي إلى الموت؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى عدم المبالاة بالتحصيل الجامعي من الطالب، لغياب التوجيه وغياب حس المسؤولية. ومع كل هذه المشاكل، وحسب المقولة المشهورة "كن جزءا من الحل وليس من المشكل"، نسرد في هذا المقال التجربة الصينية التي عايشناها لسنوات في الصينية الشعبية، والتي تعطي ثمارها لدى الشباب الصيني، ألا وهي التجنيد العسكري في الجامعة الصينية. ففي الصين، ومع بدأ كل سنة دراسة جديدة، تُخضِع الجامعات الصينية طلاب السنة الأولى، وبالضبط فِي شهرهم الأول، لتدريب عسكري وتمارين شاقة قبل البدء في الدراسة. ويرمي هذا الجهد الذي يعود تاريخه إلى عام 1955، والذي تم تطبيقه بصورة إلزامية مع سنة 2001، على صعيد البلاد، إلى إعادة تشكيل وضبط السلوك والقيم عند طلاب الجامعات، للقطع مع سلوك "المراهقة" ومرحلة الثانوية ودخول مرحلة جديدة من الانضباط والالتزام وتربية حس المسؤولية. ففي الماضي كان التدريب العسكري في الجامعة الصينية يدوم لمدة عام دراسي كامل، ثم تقلص إلى شهر أو أقل، وبعد ذلك يصبح الطلاب محسوبين من ضمن الاحتياطي العام للجيش الصيني. ومن المفارقات أن الطلاب والطالبات يشترون الزي العسكري بأنفسهم ومن مالهم الخاص. وحسب المسؤولين المحليين فإن "دروس الطاعة" العسكرية المُتبعة داخل الجامعات الصينية تهدف إلى تهذيب سلوك الطالب وأخلاقه، وتربيته على حب العمل الجماعي والتعاون وتوطيد حب الطالب لمجتمعه وتعزيز الانتماء والشعور بالمسؤولية المشتركة في الحفاظ على أمن البلد، وغرس معنى حب الوطن والدفاع عنه بالقلم والسلاح. من جهة أخرى ترمي هذه الدروس إلى تنمية الوعي العسكري لدى الطلبة، وذلك بُغية تنشئة أجيال من الشباب مؤهلة عسكريا ومعنويا وقوميا وبدنيا لتأدية الخدمة العسكرية، إن استدعت الضرورة. جل هذه الأهداف تتجلى في نوعية التمارين المُتَبعة والتدريبات الإلزامية التي تتم كما هو مقرر لها، بغض النظر عن أحوال الطقس. ويخضع الطلبة للتفتيش المنتظم من قبل الضباط الذين يشرفون على التدريبات. ويقول الطلبة الذين خاضوا تلك التجربة إن التدريب العسكري ساعدهم على الاستعداد والتغلب على مصاعب الحياة اليومية. تداريب "الجندية" عادة ما تكون داخل الحرم الجامعي؛ أما بالنسبة للجامعات الأصغر فيتم نقل الطلبة إلى المدارس العسكرية والإقامة فيها طيلة مدة التدريب. ويتدرب الطالب على الاستيقاظ والنوم باكرا والاعتناء بسريره بنفسه. التداريب تكون عبارة عن تمارين رياضية قاسية شيئا ما، منها مثلا المشي كالجندي الواحد، ومعها تداريب تنطوي على تقنيات الاستجابة لحالات الطوارئ، مثل الحريق أو أي كارثة طبيعية. الجندية في الجامعة الصينية هي تجربة مشتركة لكل طالب جامعي صيني، وعلى الرغم من قصر مدتها التي تدوم من أسبوعين إلى شهر، إلا أنها تترك بصمة وذكريات طويلة الأمد. * باحث في الشؤون الصينية والأسيوية [email protected]