سألت المدوخة القطيع: لماذا تقاطع الحليب والبنزين... ولك شهية كبرى في مقاطعة منتوجات أخرى؟ سيدتي المدوخة حاشاك. تعرفين أن ثمن الاستقرار في هذا البلد وصمام الأمان لكل استقرار سياسي واجتماعي هو الطبقة المتوسطة، هي التي تحاول حفظ هذا التوازن لكنها تعرضت بفضل السياسات الكيرانية الشمطاء لمحاولة القضاء عليها عبر بوابة رفع الأسعار حتى أضحت تصنف مع الطبقات الدنيا والكادحة. أرتأنيا أن نتمرن على فعل المقاطعة بشكل سلمي وحضاري وبلا عنف. قاطعنا السياسات العمومية والأحزاب السياسية ردحا من الزمن وربطنا صلات الرحم مع العزوف السياسي. اليوم ندشن مرحلة جديدة من فعل المقاطعة الاقتصادية، وهو تمرين تطبيقي ذكي يحتاج إلى الفهم وإلى القدرات وإلى بيداغوجيا وميكانزمات وأسئلة عميقة وجوهرية... واااا القطيع وليتي واعر؟ تقاطعه المدوخة. أليس ضربا للاقتصاد ولأسماء بعينها ولمنتوجات بنفسها؟ صديقتي تعرفين أن الاقتصاد اليوم لا يقوم فقط على ثلاثة منتوجات، وأن الاقتصاد الوطني سلاسل اقتصادية معقدة يكمل بعضها بعضا. ومقاطعة الرؤوس الكبيرة ستدعو إلى التفكير في مجريات الأمور لاحقا عن نوعية المواطن المقهور والكادح الذي يهمه بالدرجة الأولى الحفاظ على وضعه الاجتماعي والاعتباري؛ فالكرامة والفقر ليسا سبة وإنما فرصة للتأمل في الذات وتطويرها، وليس بنهج سياسات دوغمائية تحط من وضعه المعيشي وتحط من كرامته... يسأل القطيع صديقته: ماذا تعني كلمة "مدوخ"؟ المدوخ/المدوخة هو المواطن الذي تثاقل عقله وأصبحت خطواته ثقيلة وتمايل في مشيته، وله رؤية ضبابية للأشياء. وأنا رغم أنني مدوخة بالكامل، أفتخر بانتمائي الطبقي الكادح هذا. فأنا أشتغل بكد واجتهاد لم أسرق مال الشعب يوما، ولم أختلس من الصناديق بأنواعها، ولم أبن ثروة على عرق العمال والجياع والمزارعين واقتصاد الريع... لم أفكر في هذا الأمر من قبل، لكن إن كنت أنا من جحافل القطيع والغوغاء والدهماء... فهذا يعود في معظمه إلى سياسة التفقير والبلترة التي تم نهجها، وإلى سياسة التضبيع التي تم تمريرها عبر تدمير المدرسة العمومية وعبر تهميش مناطق بعينها. فالمواطن لا يولد قطيعيا، فأبواه الفقيران والمدرسة والتنشئة وسياسة التهميش عوامل ترمي به في مهاوي القطيع. ورغم أنه من القطيع، فكرامته مصانة وجب حفظها. فالأدب كل الأدب أن تكون من خريج الجامعات ولك المعرفة وتصف شعبا من الفقراء بأحط الأوصاف لسبب بسيط أن القطيع وجموع المدوخين والمدوخات لهم حق اختيار ما يناسبهم من المنتوجات بلا دعايات مغرضة وبلا حملات اشهارية مدفوعة التكاليف وبلا مساحيق تجمل منتوجاتكم. يكفي أن اللعبة قد انكشفت وفي الوعي بالمقاطعة وبيداغوجياتها وحفر مفاهيمها سائرون حتى ننهي مع اقتصاد الريع والمارقين من مص دم الشعب الفقير والمناضل... وقد وصلنا لنعرف "من هم أصدقاء الشعب من جزاريه؟"، كما تقول المقولة الشهيرة... ضحكت المدوخة مع القطيع وهي ترتشف الشاي مع قطع من الخبر الأسود...