يعمل النظام المغربي باستمرار على إبداع كل الأشكال التي يمكن من خلالها تجديد حيويته وعافيته والدفاع عن مصالحه، إلى جانب طبعا القمع الذي يلجأ اليه عندما يضعف إبداعه أو تفشل خططه وحيله. فبدء من صنع الأحزاب والإطارات الجمعوية، ومرورا بصنع الرموز والنفخ فيها (ستقطاب النخب) ووصولا الى تفجير الفضائح وتوريط من يشاء في وحلها وتبعاتها ولو يكن صديقا أو حليفا... ويبدو حتى الآن أنه قد توفق في مسعاه. ولا أدل على ذلك من نجاح ظاهرة رشيد نيني، فهذا الأخير ورغم كل المساحيق وكل محاولات اللف والدوران ورغم موهبته الإبداعية التي لا ينفيها سوى جاهل لم يستطع إخفاء ارتباكه الناتج عن تسخيره من طرف النظام لأداء أدوار محددة ومدروسة. إن رشيد نيني يوهمنا بأنه فوق الجميع وأنه أدرى بأسرار الأرض والسماء وأنه أقدر على مواجهة الجميع، وأنه أطهر إنسان على وجه البسيطة، وانه العايق الأول في المغرب وربما في العالم ... وينسى أننا بالمغرب لا يمكن أن نحقق مجدا "نينيا" دون تقديم الولاء والتزام الحدود المرسومة ودون ركوب بساط المخزن المتعفن. سطع نجم البطل نيني في وقت قياسي وكأنه ليس مغربيا. فهل سيادته يعتقد أنه يملك ما لا يملكه المبدعون السابقون عنه وفي مجالات عديدة والذين تطلب أمر نجوميتهم المعاناة والليالي الطويلة، بل وغياهب السجون؟ إن رفض المبدعين الشرفاء المسالك التي انخرط فيها نيني جعلهم يؤدون الثمن الذي لم يؤد نيني حتى الجزء البسيط منه. فنيني يعتقد أن استدعاءه من طرف هذا الجهاز القمعي أو ذاك سيجعلنا نصدق حكاية اضطهاده أو التضييق عليه. لا يا رشيد، إن تلك المسرحيات لا تنطلي علينا بحكم التجربة والخبرة التي علمتنا إياها المعاناة والارتباط في حدود معينة طبعا بالواقع وبالمغاربة. فالعلاقات المشبوهة للصحافي ورغم ما تسديه له من سبق إلى المعلومة ومن تسهيلات وامتيازات مرئية وغير مرئية، معلومة وغير معلومة، ومن أسرار وخبايا فإنها ترسم له في آخر المطاف نهاية مثيرة للشفقة... إن مغازلتك المنفلتة والمكشوفة لبعض الجهات تفضح طويتك وتظهر زيف استقلاليتك. فأجدر لك أن تعلن انتماءك إلى تلك الجهات وأن تتحمل مسؤوليتك ولتكون موضع مساءلة سياسية وليس صحافية. نعلم أن ذلك سيكلفك علاقتك مع جهات أخرى لها الفضل في صنعك، لكن كن على يقين أن عمرك الإبداعي محدود ما دمت تابعا ومدعوما. فعندما تنتهي مهمتك ستعود إلى نفسك مهزوما. لن تعود إلى العطالة لأنك طلقتها طلاق الثلاث، إلا أن عطالتك الجديدة ستكون عبارة عن عجز إبداعي نخشى أن يدمر مستقبلك بالكامل... رشيد، إن نرجسيتك فاقت الحدود. فأنت مفتتن بذاتك لدرجة أنك صدقت ادعاءات من يريدون منك أن تحارب طواحين الهواء. إنك لست دون كيشوط في جميع الأحوال. وأثير الانتباه إلى أنك تشير في عمودك، من على ظهر جوادك الخشبي، ومن حين إلى آخر إلى بعض الجوانب المخلة بالأخلاق والحياء لدرجة الاستياء والتقزز، وتضع نفسك في كثير من الأحيان نبيا مسؤولا عن الأخلاق وعن الفضيلة. رشيد، إن تهجمك على بعض الإطارات المناضلة يخدم النظام أولا وأخيرا. ولا أعتقد أنك تجهل هذا، إنك لا تنتقد هذه الإطارات نقدا بناء يرقى بها إلى ما تدعي انك تطمح اليه، ولا يهمك انتقادها لما فيه مصلحة المواطنين، إنك وفق التعليمات التي توجه إليك تسعى إلى التشويش عليها والقيام بما عجز النظام عن القيام به. إنك أداة تصفية القلع الصامدة. أن تتهكم على فلان أو على علان أو أن "تشد القشابة" في بعض الهيئات السياسية أو النقابية أو الجمعوية المعروفة بانتهازيتها وبفظاعاتها أمر بسيط قد يكسبك عطف وتضامن بعض المواطنين المنخدعين، لكن أن تضرب عرض الحائط بإرث نضالي مشرف وأن تطعن في الشرفاء أو أن تحملهم مسؤولية كل شرور الأرض حسب أهوائك وأن تسمح لنفسك بأن تكون قديسا على حسابهم فهذا فيه الكثير ليس الغرور ولكن التفاني في أداء مهامك المعلومة... إن المناضل أو أي هيئة مناضلة لا يمكن أن تقوم بما تريد أنت أو غيرك لمجرد نزوة أو رد فعل، إن الأمر فيه أولويات وتقديرات وإمكانيات، وحق مشروع في الاختلاف كذلك، دون أن تغيب المبدئية والمسؤولية والجدية. وحتى إذا حصلت أخطاء، وبالطبع لن تكون قاتلة، فمن شيم المناضلين الاعتراف بها وتحمل مسؤوليتها. رشيد، إن محاربة الفساد لا تعني خلط الأوراق والطعن يمينا وشمالا واجترار بعض المواضيع لدغدغة مشاعر المواطنين وتغذية انفعالاتهم، إن ما تقوم به هو عين الفساد والإفساد، وهو عين ما يسعى النظام إلى تسييده. إن العمل المأجور يفقد صاحبه الحكمة وحتى الموهبة، ويضعه رهينة هذا الطرف أو ذاك. ولي اليقين أنك لن تستطيع صنع حدث واحد قد يفهم من طرف أهل الحال أنه مس بالمقدسات، والأمثلة كثيرة، وأنت بالضبط أعلم بها من غيرك. والسبب هو أنك جبان رغم ما تدعيه من شجاعة. رشيد، تعلم أن ترفض بعض، على الأقل بعض ما يدعونك إليه، ففيه حتفك ونهايتك إبداعيا وفيه مصلحتهم واستمراريتهم طبقيا. فلباقة توفيق بوعشرين وعلي أنوزلا جعلت منهما صحافيين موضوعيين، أما الوقاحة فلا تمت إلى الصحافة بصلة كما تعتقد السيد نيني ولا تصنع الزعامة الصحافية... و"عمت صباحا أو مساء، لا فرق ". ""