تعاني سوريا من واحدة من أطول الحروب في التاريخ الحديث وأكثرها دموية. وقد أسفرت الهجمات الفظيعة والبغيضة التي يشنها نظام الأسد ومن يدعمونه عن دمار وبلاء يصعب تصوّرهما. وقاسى الأبرياء من رجال ونساء وأطفال بصورة مروعة، جراء تعرضهم لأسلحة كيميائية كان قد حُظر استخدامها قانونيا منذ قرن من الزمن. لا بد أن القراء يشعرون بالاشمئزاز من الاستهداف المتعمد للمدارس والمستشفيات، والقيود المفروضة على دخول الإمدادات الغذائية والطبية إلى البلاد، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي. إنها ممارسات سقيمة لنظام يطمح إلى تحقيق النصر بأي ثمن كان. وانطلاقاً من هذا الواقع، فإن المملكة المتحدة تقف في مقدمة الاستجابة الإنسانية في المنطقة؛ فنحن نقدم الدعم اللازم لإنقاذ حياة الملايين من الناس الذين يحتاجون إلى مساعدة ماسّة داخل سوريا، وكذلك خارجها لمن هربوا إلى الدول المجاورة. الدعم الذي تقدمه المملكة المتحدة هو مساعدة للعائلات والأطفال الذين تركوا وراءهم كل شيء عندما فرّوا للنجاة بأرواحهم من القصف والأسلحة الكيميائية والموت جوعا. ويواجه موظفو الإغاثة، والكثير منهم سوريون أيضاً، ظروفاً مروعة وغايةً في الصعوبة، وبشكل يومي، أثناء محاولاتهم إنقاذ الأرواح. إن ما يقومون به هو ضرب من ضروب البطولة. إن الضربات الجوية الموجّهة، التي نفذتها المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة وفرنسا هذا الشهر، قلّصت قدرة نظام الأسد على تنفيذ مثل تلك الاعتداءات مرة أخرى. والموقف البريطاني واضح من حيث أن علينا أنْ ندافع عن النظام العالمي المرتكز على القوانين، والذي يحافظ على سلامتنا جميعا. ولقد قوبلت عملياتنا بترحيب واسع من المجتمع الدولي. هذا دليل على أن العالم لن يسمح باقتراف انتهاكات للقانون الدولي دون التصدي لها. وحين يتوجه وزراء بريطانيون إلى بروكسل لحضور مؤتمر الدعم الإنساني، فإنهم سيدعون جميع أطراف الصراع إلى السعي إلى تسوية سياسية تحقق السلام في سوريا. فهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن لنا أن نضع بها حداً للمعاناة. وإذا واصل نظام الأسد وحكومتا روسيا وإيران تأخير هذا المسعى، فإن ذلك يعني موت مزيد من الناس، وأن يحل بسوريا مزيد من الشقاء والدمار. كما سيؤكد الوزراء البريطانيون، مجددا، التزام حكومة المملكة المتحدة بعمل كل ما تستطيع لحماية المدنيين وموظفي الإغاثة الإنسانية الشجعان الذين يخاطرون يومياً بحياتهم في سبيل مساعدة هؤلاء المدنيين. لقد قدّمنا، منذ عام 2012، في جميع أنحاء سوريا والمنطقة، أكثر من 27 مليون حصة غذائية، و12 مليون استشارة طبية، و10 ملايين حزمة إغاثة، و10 ملايين لقاح طبي حتى لا يقع الناس في براثن أمراض مميتة. كما دعمنا، خلال العام الماضي، 175 منشأة طبية في سوريا، وساعدنا في تدريب 125 من العاملين في المجال الصحي لتهيئتهم لهجمات مستقبلية محتملة والاستجابة لها. ونساعد أيضا موظفي الإغاثة على التكيف مع الواقع الجديد للحرب. ومن خلال العمل مع حكومة الولاياتالمتحدة، أنشأنا صندوقاً جديداً الهدف منه إيجاد ابتكارات وتكنولوجيا جديدة لإنقاذ الأرواح في مناطق الصراع. ففي الشهر الماضي، أشارت تقارير إلى استهداف الطاقم الطبي بمنطقة الغوطة الشرقية في سوريا، وذلك بعد ما بدا أنه عملية قرصنة لجهاز كمبيوتر، ما أدى إلى الكشف عن الإحداثيات الدالة على موقع أحد المستشفيات. وهنا، يمكن لصندوقنا الجديد أن يوجد طرقاً لمنع حدوث ذلك مستقبلاً. واقع الحال اليوم هو أن الإغاثة لم تعُد تنحصر في توزيع غذاء وماء وضمادات طبية؛ بل بات علينا أن نكون أدهى من نظام يعرقل عمل موظفي الإغاثة ويقتل المدنيين من أبناء شعبه دون إحساس بتأنيب الضمير. إن دعمنا للمدنيين السوريين واللاجئين الذين يحتمون في الأقطار المجاورة إنّما يسهم في خلق الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط. *السفير البريطاني لدى المغرب