لم تعرف المواقع الأثرية والمباني التاريخية بالمغرب تجديدا كبيرا بعد الاستقلال السياسي للبلاد؛ فمعظم المواقع المفتوحة اليوم للعموم تم اكتشافها وتقنينها في عهد الحماية الفرنسية والإسبانية. وبعد مرور اليوم العالمي للآثار الذي يصادف 18 من أبريل يبقى سؤال الحفاظ على الذاكرة المغربية عن طريق حماية إرثها المادي مطروحا، رغم الجهود التي تهدف إلى ترتيب الآثار المغربية وصيانتها ورد الاعتبار لها. صعوبات بالجملة أحمد سكونتي، أستاذ باحث بالمعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وخبير التراث الثقافي لدى "اليونسكو"، قال إن الوضعية العامة للآثار بالمغرب "متوسطة"، وأضاف: "توجد بعض التجارب والأعمال التي تقوم بها المصالح المختصة، خاصة وزارة الثقافة، وجهات أخرى تتدخل في المعالم والمباني التاريخية، كما توجد عمليات إنقاذ وعمليات ترميم، وعمليات رد للاعتبار"، ثم استدرك قائلا: "هذا يتوقف على جزء ضئيل جدا مما هو موجود في المغرب من تراث مادي، أي المباني التاريخية والمواقع الأثرية والتحف الفنية..جزء متواضع جدا منها تمتد الجهود إليه". خبير التراث الثقافي لدى "اليونسكو" أوضح أن غالبية المواقع والمباني التاريخية المغربية "تم التعرف عليها في فترة الحماية الفرنسية والإسبانية، وبعد ذلك تراجع الاهتمام بها"، وأعطى مثالا بمدينة مراكش، "التي بقيت فيها المباني التاريخية المفتوحة في وجه العموم هي نفسها منذ عهد الحماية، ولم تضف إليها مواقع جديدة بعد ذلك". وشدد سكونتي على أن مشكل ضعف ميزانية المباني التاريخية وحماية التراث "حقيقي"، مبينا أن المال ليس وحده المشكل، بل يجب توفير العامل البشري والكفاءات المكونة التي تدبر الميزانيات، وزاد: "أحيانا ننادي بالرفع من الميزانية وبعد ذلك لا توجد الموارد البشرية فيعاد جانب من الميزانية إلى وزارة الثقافة". ضعف تنسيق إضافة إلى ضعف الميزانية المخصصة للمباني التاريخية وكونها "غير لائقة بمباني وحضارة المغرب"، يشكل ضعف التنسيق بين المصالح التابعة للدولة مشكلا يهدد سلامة الآثار بالمغرب. يرى أحمد سكونتي في هذا السياق أنه رغم وجود جهود في الفترة الأخيرة لرفع وتيرة ترتيب المواقع والمباني التاريخية وحمايتها قانونيا إلا أن هناك صعوبات كبيرة تعترضها "بسبب قلة التنسيق بين المصالح"، وأعطى مثالا بموقع سجلماسة الذي كانت فيه أعمال من طرف البلدية رغم أنه رُتب في عداد الآثار وكان من المفروض أن تحميه الحماية القانونية من هذه الأعمال، وأجمل أن هذا يدل على "انعدام التنسيق بين مصالح الدولة". انعدام التنسيق وانعدام الوعي حسب سكونتي لا يقتصر على المواطنين، بل يكون حتى بالنسبة للمسؤولين؛ "فمَن يقوم بتهديد التراث غالبا هم المسؤولون، ففي السمارة تفتح مقالع للأحجار بدون أي تحر، وأحيانا تفتح في مواقع للنقوش الصخرية، والمسؤولون هم من يعطون هذه التراخيص"، وفق تعبيره. عناصر حل يرى سكونتي أن الحل يكمن في أن تفتح "الوزارات الأخرى والجماعات الترابية والجهات والعمالات مناصب شغل خاصة بالتراث"، وأضاف أنه بفتحها سيتم التنسيق مع مصالح وزارة الثقافة، "وستكون هناك دينامية ستجنب الجماعات الترابية مثل هذه الأخطاء". ودعا خبير "اليونسكو" إلى تحفيز الدكاترة على القدوم إلى المعهد الوطني الوحيد الذي يكون في مجال علوم الآثار والتراث والعمل به من أجل تعويض الأساتذة الذين سيخرجون للتقاعد، مفسرا هذا بأن "مشكل التشبيب مطروح لأن عددا من أساتذة المعهد الباحثين ال25 مقبلون على التقاعد". كما شدد سكونتي على أهمية "توفر إستراتيجية واضحة على أعلى مستوى، ليتم فعلا وضع سياسة للتراث على المستوى القانوني والمؤسساتي، والمالي والموارد البشرية". *صحفي متدرب