تحطّمت أحلامهم على عتبات كليات الطب والمدارس العليا المغربية، فطاردوا الوزرة البيضاء لينتهوا مغتربين في القارة السمراء. هم طلبة مغاربة اختاروا الدراسة في مقاعد جامعات ومعاهد السنغال.. السنغال.. الخيار الأخير ندى ويوسف وعلاء الدين ثلاثة طلبة طب مغاربة، يستفيدون من منحة تمنحها دولة السينغال سنويا للمغاربة لإتمام الدراسة العليا هناك. البداية كانت من مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، حينها كانوا حديثي العهد بحصولهم على الباكالوريا، مقبلين على تجربة جديدة تماما. تتذكر ندى، ذات ال19 ربيعا، الصيف الذي تلا حصولها على الباكالوريا، والذي لم توفق خلاله من اجتياز مباراة كلية الطب والصيدلة، وتقول إن قرار ذهابها كان صعب الاتخاذ؛ فأسرتها كانت، في البداية، رافضة لفكرة دراستها خارج المغرب، ووجهة السينغال عقدت الأمور. وفي النهاية، اقتنعت الأسرة، وفي سفرها الأول رافقها والدها إلى السينغال ليطمئن على تفاصيل الحياة اليومية هناك. أما علاء الدين، زميل ندى في الدفعة، فيقول إن السبب الرئيس الذي دفعه ومجموعة من المغاربة إلى التوجه إلى السينغال يعود إلى عدم اجتيازهم مباريات المدارس العليا وكليات الطب والصيدلة المغربية، أو لحصولهم على معدلات أقل من عتبات هذه المؤسسات. ويضيف علاء الدين أن اختياره للاستفادة من المنحة يراعي هذه الظروف، حيث تعطى الأسبقية للطلبة الذين لم يتقبل ملفاتهم ضمن مؤسسات التعليم العالي؛ لكن الملاحَظَ، حسب علاء الدين، هو أن الطلبة في السنتين الأخيرتين هم من أصحاب المعدلات العالية، حيث إن آخر معدل كان السنة الماضية في لائحة الانتظار كان 17. جالية كبيرة واندماج سهل "حنا المغاربة والسينغاليين عايشين بزوج إخوة" هكذا يصف علاء الدين علاقة المهاجرين المغاربة وأهل السينغال؛ فالعنصرية هناك أمر غير وارد، حسب ما جاء في حديثه. ولفت المتحدث إلى أن المغاربة، سواء الطلبة أو التجار، منتشرون بعدة مدن، كالعاصمة دكار وسانت لويس وثييس، ولهم مكانتهم داخل المجتمع. ويقول يوسف لطف الله، رئيس جمعية الطلبة المغاربة بالسينغال، وهو مستفيد من المنحة نفسه، إنهم يعملون داخل الجمعيات والتنسيقيات الطلابية على إدماج الطلبة الجدد، من خلال عقد لقاءات معهم ومع آبائهم في المغرب، يوفرون خلالها كل المعلومات اللازمة عن البلد الوجهة وعن الدراسة فيه. ويضيف رئيس جمعية الطلبة المغاربة بالسينغال أن المواكبة تستمر بعد قدومهم من خلال استقبالهم في المطار، ومتابعة تفاصيل ما يحتاجونه خلال الأسابيع الأولى، إضافة إلى تنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والترفيهية المساعدة على تبديد ضغط الاغتراب والبعد عن الأهل. ويستطرد يوسف لطف الله قائلا إن اندماج الطلبة داخل المجتمع الجديد يكون تدريجيا، وصعبا قليلا في الأشهر الأولى باعتبار تغير الأجواء والعادات والتقاليد، مؤكدا أنه وبالمقارنة مع جاليات أخرى يندمج المغاربة بسهولة نظرا لوجود جالية طلابية مهمة يقدر عددها بحوالي 1000 طالب مغربي، وكذلك نظرا للعلاقات التاريخية بين المغرب والسينغال؛ وهو ما يجعل المجتمع هناك يرحب بالمغاربة. وعن الأنشطة التي تقوم بها جمعية الطلبة المغاربة بالسينغال خلال السنة، يوضح يوسف لطف الله أن هذه الأنشطة تتنوع بين الثقافي والاجتماعي والرياضي، من قبيل الأمسيات الثقافية والدوريات الكروية والإفطارات الرمضانية. ويضيف يوسف لطف الله أن الجمعية تساعد كذلك الطلبة المغاربة اجتماعيا عند وقوعهم في مشاكل أو عند وقوع حوادث لا قدر الله. ولعل أبرز الحوادث المؤلمة التي طفت على السطح تلك التي اهتز على وقعها الطلبة المغاربة بالسينغال بعد مقتل طالب طب مغربي من قبل عصابة سينغالية. ويحكي يوسف كيف تجند الطلبة المغاربة، وتمكنوا من جمع 20 مليون سنتيم خلال ساعات كان مرصودا في البداية لنقل الجثمان، قبل أن تتدخل الوزارة المكلفة بالجالية للمغربية المقيمة ببلاد المهجر لنقله بسبب انتشار الخبر في وسائل الإعلام، فكان مصير المبلغ في النهاية أن أرسِل إلى عائلة الفقيد. وتساءل المتحدث عن مصير الجناة الذين جرى إلقاء القبض عليهم، حيث إن الملف لم يجد فيه جديد، بالرغم من أن الحادثة وقعت منذ أزيد من سنة. الغلاء سِمَةُ العيش بالسينغال الحياة في بلد بعيد عن الوطن بحوالي ألفي كيلومتر ليست بالأمر السهل، حيث يقول علاء الدين إن أصعب شيء هناك هو ظروف العيش، ويتفق معه في ذلك صديقه يوسف؛ فالغلاء كما يقول يطال كل شيء، بدءا من الأكل في المطاعم، وصولا إلى الخضروات والدجاج والمواد الغذائية، بسبب كونها جميعا مستوردة بخلاف الأسماك التي يقل ثمنها عن ثمن السمك بالمغرب. ويحكي يوسف، قائلا إن الطلبة يلتجئون إلى حل متداول؛ فحين يذهبون إلى المغرب يشترون من هناك المواد الغذائية، وحين يفرغ المخزون ترسل أسرهم المواد الغذائية مع التجار القادمين نحو السينغال، ويضيف أن هذه العملية تجري تقريبا بمعدل مرتين في السنة. أغلب الطلبة، حسب ما جاء على لسان يوسف، يكترون شققا يتقاسمون كلفة كرائها فيما بينهم؛ لكن ثمن هذه الشقق مرتفع مقارنة بجودتها؛ وهو ما يجعل فئة قليلة من ذوي الإمكانات المادية المحدودة تسكن بالحي الجامعي. وعن وضعية هؤلاء، يقول يوسف إن أصدقاءه في الحي الجامعي يعيشون ظروفا صعبة، بسبب عدد الطلبة الكبير وقلة المرافق. يستعمل الطلبة للتنقل بين شوارع العاصمة دكار دراجات نارية، ويؤكد يوسف أنها الوسيلة الأكثر انتشارا بين الطلبة، بسبب غلاء أسعار التنقل، سيارات الأجرة حسب ما يحكيه الشاب ليس لها عداد؛ بل يؤدي الراكب الثمن الذي يقدره السائق، ويقول إن الفكرة الشائعة لدى هؤلاء أن الأجانب أغنياء، لذلك يطالبونهم بأداء مبلغ مرتفع. ثمن العودة غال جدا العودة إلى أرض الوطن لحظة يستقبلها الطلبة المغتربون هناك بكثير من الفرح؛ لكنهم في الآن ذاته يدفعون فيها أثمنة مرتفعة. يتفق كل من يوسف وعلاء الدين وندى على غلاء أسعار تذاكر الطائرة من وإلى المغرب، فالخطوط الجوية المغربية هي الشركة الوحيدة التي تحتكر السوق، وتضاعف ثمن تذاكرها في أوقات العطل؛ وهو ما يكلفهم في الرحلة الواحدة ما يزيد عن 6000 درهم، دون توفير عروض تفضيلية للطلبة. وتعتبر المنحة التي يستفيد منها الطلبة المغاربة في السينغال واحدة من منح التعاون الدولي. وحسب البلاغ الذي تنشره وزارة التعليم العالي في كل سنة، فإن عدد المستفيدين منها في كل سنة يصل إلى 100 طالبة وطالب. وتتوزع المنح بين 90 مخصصة للسلك الأول، و10 مخصصة لإتمام الدراسة الجامعية بسلكي الماستر والدكتوراة. ويحظى تخصص الطب بالمرتبة الأولى من حيث عدد المنح، إذ تتجاوز الأربعين؛ فيما تتوزع باقي المنح بين كل من الهندسة والفلاحة والجيولوجيا. *صحفية متدربة