بعد دخول تجربة التوظيف بالتعاقد عامها الثاني في قطاع التعليم، وبلوغ عدد الأساتذة المتعاقدين 55 ألف متعاقد، موزعين بين مختلف جهات وأقاليم المغرب، تساؤلات تطرح اليوم حول مدى نجاعة هذه التجربة، بين مؤيد ومعارض. تكريس للفشل في تقييمه لتجربة التوظيف بالتعاقد، يقول الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين، يوسف علاكوش، إن "التعاقد تجربة تم تمويه مقاصدها"، ويضيف أن الوزير السابق رشيد بلمختار اعتبرها استجابة للاحتجاجات التي قادتها نقابات التعليم وجمعيات الآباء والأمهات وأولياء التلاميذ، ضد تنامي ظاهرة الاكتظاظ داخل الأقسام. ويستطرد الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم بقوله إن هذه التجربة في واقع الحال كانت مجرد إرساء لنمط جديد من "التوظيف الهش" بقطاع حيوي كالتربية والتكوين، دون أفق واضح المعالم، معتبرا أن استعمال "الكونطرا" استغلال لحاجة الأطر الواعدة للعمل. وبحديثه عن نتائج هذه التجربة، يورد علاكوش أنه "عوض خلق الاستقرار المهني والمادي والمعنوي، فالنتيجة اليوم هي تأسيس تنسيقيات من الأطر، تطالب بإدماجها المشروع في وزارة التربية الوطنية"، وهو الأمر الذي سيدفع الوزارة حسب تعبيره إلى "التمويه من جديد والاستمرار في تنفيذ إملاءات المجموعات المالية، وبالتالي التخلص من ثقل كتلة الأجور، مع إخفاء موظفي القطاع بالأكاديميات الجهوية التي ستصير الحكومة مضطرة إلى دعمها". وتابع المتحدث ذاته: "استمرار إخضاع المنظومة التربوية للتجارب الدولية، دون اختيارات كبرى واضحة، سيضعف فرص نجاح أي مشروع كيفما كانت نواياه وآلياته"، ويشدد على كون الأسرة التعليمية في المنظومة التربوية هي المحدد الأساسي في إنجاح هذا المشروع، مادامت هي الطرف الموكل إليه تنفيذه، قبل أن يحذر من إخضاع التجربة إلى التوازنات المالية الحكومية. في السياق ذاته يرى الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي)، عبد الرزاق الإدريسي، أن المشاكل بدأت تظهر في هذه التجربة، مشيرا إلى ما حصل بخصوص المتعاقدين الذين دخلوا بدبلومات جامعية ولم تقبل من طرف وزارة المالية. وحمل المتحدث وزارة التربية الوطنية كامل المسؤولية، "لأنها كانت على علم مسبق بوضعية هؤلاء الضحايا، سواء خلال الانتقاء الأولي وحتى خلال المرحلة التي تلت نشر نتائج المباراة". وأقر الفاعل النقابي بأن التعاقد نجح في معالجة مشكل الخصاص الموجود على مستوى هيئة التدريس جزئياً، قبل أن يستدرك قائلا: "لكن الأمر يبقى مجرد معالجة كمية وغير كاملة، في ظل غياب المعالجة الكيفية، خصوصا أن جزءا كبيرا منهم ينبغي أن يتمتع بحقه في التكوين الأساسي". وأشار الإدريسي إلى عدم استفادة الفوج الأول إلا من بضعة أيام من التكوين في ظروف غير ملائمة، إذ كان على المكونين خلالها اختزال المعارف التي تقدم لمدة سنتين أو ثلاث سنوات في مراكز التكوين، فيما استفاد الفوج الأخير من 5 أشهر من التكوين، معتبرا أن هذه المدة لازالت غير كافية. وجدد الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم (التوجه الديمقراطي) رفضه التوظيف بالعقدة، معللا موقفه بتنافي هذا النوع من التشغيل مع ضمان الاستقرار والعمل اللائق والحقوق المتعلقة بالأجر والتعاضدية والتعويضات العائلية، ومعتبرا إياه "يكرس الهشاشة وعدم الاستقرار في قطاع حيوي لا ينبغي أن تطاله الهشاشة نهائيا". ويصف الإدريسي عقدة التوظيف ب"عقدة إذعان، لأنها تمت من طرف واحد ولم تشرك الدولة خلال إحداثها أي طرف، سواء كان من النقابات أو من المقبلين على مباراة التعاقد"؛ زاعما أن الدولة استغلت حاجة المتعاقدين للعمل وجعلتهم يوقعون اضطرارا على هذه الوثيقة. وحذر الإدريسي من الاستمرار في تجربة التعاقد، معتبرا أن هذا النوع من التوظيف سيطرح مشاكل جديدة في المستقبل، وأشار إلى جملة من المشاكل، بينها الحركة الانتقالية، مذكرا بأن التعاقد يتم بين الأكاديميات الجهوية وبين الأفراد، ما يغيب وجود أي صيغة لينتقل المتعاقد خارج الجهة في إطار الحركة الانتقالية لأي سبب من الأسباب. تجربة ناجحة من جهته أكد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجهة الشرقية، محمد الديب، أن تجربة التعاقد مع الأكاديميات كانت ناجحة على عدة مستويات؛ فعلى المستوى الاجتماعي ذكر أنها ساهمت في استقرار الموظفين، باعتبار التوظيف إقليميا، ويراعي القرب الجغرافي؛ أما إداريا، فشدد على أنها ساهمت في ترسيخ الجهوية الموسعة، وسهلت الإجراءات الإدارية، خاصة تلك المتعلقة بفسخ العقدة في حالة عدم التحاق أحد الناجحين في المباراة. وأضاف مدير أكاديمية الجهة الشرقية، في تصريح لهسبريس، أن التوظيف ب"الكونطرا" ساهم في تشبيب بنية الجسم التعليمي، مؤكدا أن العديد من المتعاقدين هم في الأصل إما من حملة الشواهد العليا، أو من الذين سبق لهم الاشتغال في الميدان. وأوضح المتحدث أن التوظيف بالتعاقد ساهم في حل عدد من الإشكالات، أبرزها التخفيف من حدة الاكتظاظ داخل الأقسام، وتسهيل تطبيق مقاربات جديدة من قبيل تدريس اللغة الفرنسية للأقسام الأولى من سلك التعليم الابتدائي، "الأمر الذي ساهم في الرفع من جودة التعليم، وإرجاع الثقة للمدرسة العمومية"، على حد قوله. وأقر المسؤول التربوي بأن هذه التجربة لا تخلو من إكراهات، تكمن أساسا في قلة المفتشين، وصعوبة التأطير اليومي والمواكبة المستمرة لهؤلاء الأساتذة المتعاقدين؛ ولتجاوز هذه الإكراهات يقول إنه من المنتظر أن تتم تقوية تجربة الأساتذة المصاحبين، والتي تقوم على مصاحبة الأساتذة القدماء والمتمرسين للأساتذة المتعاقدين الجدد. وكإجابة عن المشاكل التي قد تعترض هذه التجربة مستقبلا من قبيل إشكالية الحركة الانتقالية، لفت مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجهة الشرقية إلى أنه لا بد من مضي سنتين على الأقل على توظيف الفوج الأول حتى يستفيد المتعاقدون من هذه الحركية، مفترضا أنه حينها ستكون هناك مذكرات تنظم هذه الحركة الانتقالية. *صحفية متدربة