توقّع محمد اليازغي، الكاتب الأول السابق لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن يأتي تقرير مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المغربية، والذي من المرتقب أن يصدر خلال الأيام القليلة المقبلة، "متوازنا ومتناغمًا مع اقتراحات المملكة لحل هذا النزاع، الذي امتدت خيوط تفاصيله إلى أكثر من أربعين سنة"، مستبعدا أن يحمل مفاجآت غير سارة للجانب المغربي. ويرى اليازغي، في هذا الحوار مع هسبريس، أن الحكومة الجزائرية تلعب دورا كبيرا في نزاع الصحراء، قبل أن يقول: "على المغرب أن يجد صيغا أخرى مع أصدقائه لجعل الجزائر تسير في اتجاه قبول مقترحه، خصوصا أن ما يقع من صراع ليس في صالح البلدين، اللذين يعدان من الأعمدة الأساسية لاتحاد المغرب العربي". وكشف اليازغي، باعتباره أحد الخبراء في ملف الصحراء، أنه "إذا نجحنا في إرجاع قادة البوليساريو إلى الوطن فمن المحقق أن الحكومة الجزائرية لن يبقى لها أي مبرر للموقف الذي تتخذه الآن"، داعيا السلطات المغربية إلى "فتح قنوات حوار مع ساكنة الصحراء لتصحيح الأوضاع فيها؛ وهنا تكمن أهمية ترسيخ الديمقراطية والسهر على احترام حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية". إليكم نص الحوار: كيف تابعت التطورات الأخيرة التي شهدتها قضية الصحراء المغربية؟ التّطورات التي حدثت خلال الأسابيع القليلة الماضية كلها تدخل في إطارٍ عاد..القضية الآن عند مجلس الأمن، الذي يظلُّ المُختص الوحيد بالنظر في هذا النزاع، كما أكد ذلك الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره الأخير؛ ففي القانون الدولي لما تكون لمجلس الأمن قضية فهو يعلو على كل التنظيمات الجهوية والإقليمية، وبالتالي لا يمكن لا للاتحاد الافريقي ولا للاتحاد الأوروبي أن يتدخَّلا في هذا الملف، الذي هو بيد مجلس الأمن. لكن لا بد من تأكيد المغرب على وحدته الترابية، وهذا أمر مهم وسلاح قوي لمواجهة خصومه في هذا الصراع؛ وذلك من خلال الاجتهاد في ابتكار وسائل خاصة لتعزيز علاقته مع مجلس الأمن، إذ إن المملكة تحتاج إلى رؤية جديدة لجعل المجلس يسير في اتجاه إيجابي لإيجاد حل.. صحيح أنه يدعو إلى حل سياسي متوافق عليه بين الأطراف، وهذا شيء إيجابي أخرجنا من مرحلة الاستفتاء وتقرير المصير. كما أن الحكومة الجزائرية تلعب دورا كبيرا في هذه المسألة، فهي تقول إنها تساند تصفية الاستعمار في الصحراء المغربية، وفي الآن نفسه تصرُّ على ألا تكون طرفًا في المفاوضات؛ وبالتالي على المغرب أن يجد صيغا أخرى مع أصدقائه لجعلها تسير في اتجاه قبول مقترحه، خصوصا أن ما يقع من صراع ليس في صالح البلدين، اللذين يعدان من الأعمدة الأساسية لاتحاد المغرب العربي؛ ومن الأحسن أن يتفاهما لبناء هذا الصرح، لأننا تأخرنا كثيرا في المنطقة في ما يهم العمل الوحدوي. هناك الآن مشكل مطروح داخل مخيمات تندوف، حيث يوجد مغاربة وحدويون يريدون العودة إلى وطنهم لكن الجبهة ترفض الأمر مطلقًا. في نظرك كيف يمكن حل هذا المشكل؟. أوّلاً لا يمكن حلّ مشكل اللاجئين إلا بالإحصاء؛ فالوكالة الدولية للاجئين يجب أن تُحصيهم لنعرف من هم اللاجئون الذين هم من الساقية الحمراء ووادي الذهب ومن هم الذين قدموا من موريتانياوالجزائر، وبعد ذلك يُصبح لهم الحق أن يختاروا الرجوع أم لا؛ فإذا اطمأنُّوا إلى وطنهم فسيرجعون، وإذا أردوا البقاء في الجزائر فإن القانون الدولي يعيطهم الحق البقاء هناك أو أن يذهبوا إلى قطر آخر. وهكذا لا يمكن للحكومة الجزائرية أن تتصرَّف في مستقبل هؤلاء بحشدهم ودفعهم إلى أن يأتوا بكيفية غير قانونية إلى المنطقة العازلة، وهو ما لا يمكن القبول به أبدا. الرسالة الملكية الأخيرة الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة حملت الجزائر مسؤولية التطورات الخطيرة التي شهدتها المنطقة العازلة، كما قالت إن الجزائر تدعم جبهة البوليساريو بالأسلحة وبالمال؟ كيف تقرأ فحوى هذه الرسالة؟ وهل تأخر ردُّ المغرب على مخططات الجارة الجزائرية؟ لا لا..لم يكن هناك تأخر؛ المغرب دائما كان يقول إن الجزائر هي المسؤولة، ولكنها دائما كانت ترفض ذلك وتقول إنها تساند ما تسميه "الشعب الصحراوي" لتصفية الاستعمار في الساقية الحمراء؛ وبالتالي فهي ليست طرفا ولا تقبل أن تدخل في المفاوضات. وهنا تكمن مسؤولية الأممالمتحدة التي يجب أن تقنع الحكومة الجزائرية إذا أرادت السلم بالفعل في المنطقة بأن تقبل الاقتراح المغربي القاضي بالحكم الذاتي. لكن يظهر أن الأممالمتحدة لم تنجح بعد في ذلك. يترقّبُ المغرب قرار مجلس الأمن بخصوص قضية الصحراء المغربية..في اعتقادك، هل سيحمل هذا القرار مفاجآت للمغرب؟ حسب التقرير الجديد للأمين العام للأمم المتحدة، الذي هو تقرير متوازن، لكنه لم يخرج عما قرره مجلس الأمن في السابق؛ اللهم إذا حدثت مفاجأة يمكن أن تكون سارة..إلى حد الآن مجلس الأمن يقول إن على الطرفين أن يدرسا اقتراح بعضهما، وهذا لا يمكن أن يؤدي إلى مفاوضات حقيقية، لا يمكن أن تكون إلا باقتراح الأمين العام والممثل الشخصي أرضية للنقاش، إذ إن المقترح المغربي يبقى هو الإيجابي في هذه المنطقة؛ فهل سيذهب مجلس الأمن في هذا التوجه؟ سنرى.. أما حسب التقرير الحالي فلا يظهر أن مجلس الأمن سيخرج عن مواقفه السابقة. كيف يُمكن للمغرب أن يُعزز حضوره الدبلوماسي داخل أروقة الأممالمتحدة؟ كما قلت في السابق، التأكيد على الوحدة الترابية أمر إيجابي، لكنه يظل غير كاف..لا بد أن يجتهد المغرب للإجابة على التساؤلات التي تطرحها قضية الصحراء، التي هي الآن بين أيدي مجلس الأمن؛ لأن استمرار هذه القضية أمام المنتظم الدولي يدفع البلاد إلى التفكير في وسائل جديدة لحلِّ المشكل..أعتقد أنه جميل أن نؤكد على الوحدة الوطنية في اجتماعات الأحزاب السياسية، لكن هذا لا يكفي. هل يكمن المشكل في الجبهة الداخلية؟ لا ليس هناك أي مشكل في الجبهة الداخلية، بل المشكل يكمن في علاقتنا بالجزائر ومجلس الأمن. أعتقد أن السلاح الثاني بعد الوحدة الوطنية يبقى ترسيخ الديمقراطية في المغرب، وخاصة في الأقاليم الجنوبية، واتساع احترام حقوق الإنسان والاستماع إلى الشباب الانفصالي الموجود في الصحراء. في نظرك؛ ما الذي يجب الاهتمام به أكثر في تعاطي المغرب مع قضية الصحراء؟ ما يجب الاهتمام به هو المشاكل الداخلية؛ أي إن على المسؤولين والأحزاب أن يفتحوا قنوات الحوار مع فعاليات الصحراء والشباب، وليس فقط الأعيان. صحيح أن ظروف استرجاع الصحراء سنة 1975 جعلت الحكومة المغربية آنذاك تراهن على الأعيان لترسيخ أطروحة الحكم الذاتي داخل الأقاليم الجنوبية، لكننا الآن بعيدين عن 1975، وعلى المسؤولين والأحزاب فتح قنوات حوار مع أبناء الصحراء، وليس فقط مع الأعيان، خاصة النساء والشباب. وهنا تكمن أهمية ترسيخ الديمقراطية في الأقاليم الجنوبية واحترام حقوق الانسان كما في الأقاليم الشمالية. كيف ذلك؟ على المغرب ألا ييأس حتى من قادة "البوليساريو"..لا بد أن نعمل بكل الوسائل لضمان رجوعهم إلى وطنهم؛ فهناك من عادوا إلى المغرب وأصبحوا مواطنين مغاربة.. يجب ألا نيأس من الآخرين. ربما المسألة أصعب من الماضي، لكن إذا نجحنا في إرجاع قادة "البوليساريو" إلى الوطن فمن المحقق أن الحكومة الجزائرية لن يبقى لها أي مبرر للموقف الذي تتخذه الآن. خلال قمة العيون التي خُصِّصت لمناقشة التّطورات الخطيرة التي شهدتها قضية الصحراء، كان لافتًا أن يقترح عدد من البرلمانيين والوجوه البارزة في الصحراء استعمال الورقة العسكرية لردع الانفصاليين..هل هذا الخيار وارد الآن؟ أولا؛ إذا اختارت جبهة "البوليساريو" الدخول في حرب مع المغرب فستكون عملية انتحارية بالنسبة إليها...إذا أرادت أن ينتهي وضعها فعليها أن تختار الحرب مع المملكة. المغرب ليس عليه أن يختار الحرب لأنه في أرضه وترابه، ولكن هناك نقطة أساسية لا يمكن أن يسمح بها، وهي أنه لا يمكن للجدار الدفاعي أن يصبح حدودا جديدة تقسم الصحراء. من حق المغرب الدفاع عن وحدته.. هو الآن يشتغل مع الأممالمتحدة ومع أطراف صديقة تدخلت لدى الحكومة الجزائرية. ظهرت مؤخرًا مبادرات جديدة داخل "الجبهة" تدعو إلى الإصلاح ومحاربة الفساد، آخرها المبادرة الصحراوية من أجل التغيير التي تطالب برحيل عدد من القيادات الانفصالية.. "البوليساريو" في المؤتمر الأخير لم تطرح اقتراح الحكم الذاتي على المؤتمرين، ولو طرحته لكان هناك رأي عام واضح في المسألة؛ وبالتالي فغياب الديمقراطية داخل الجبهة جعل منها مؤسسة ستالينية ومنغلقة، وهذا لا يُسهل الحوار... إذا استمروا في هذا الخط فمعناه أنهم سيخسرون كل شيء، وسنكون أمام قنبلة داخل تندوف..ما يضرنا هو الوضعية السيئة للاجئين في المخيمات، الذين يجب على المغرب أن يعمل على إرجاعهم إلى وطنهم. هل يمكن أن تسهم عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي في حل نزاع الصحراء؟ عودة المغرب إلى مؤسسة الاتحاد الإفريقي مرّتَ في أجواء جيدة، إذ تم استقباله بحفاوة من قبل الرؤساء الأفارقة، وهذا مؤشر إيجابي وجيد. لكن يجب الانتباه إلى أن داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي ألغاما كثيرة تحتاج إلى دبلوماسية قوية وإلى علاقات متينة مع الدول الإفريقية، وخاصة التي عارضت دخول المغرب، لإزالتها من الطريق؛ فبقدر ما كانت هذه العودة إيجابية بقدر ما توجد ألغام كثيرة داخل مؤسسات الاتحاد يجب على المغرب أن يزيلها. تحدثت في تصريحات سابقة عن أن الانتقال الديمقراطي في المغرب أغلق..ماذا يعني ذلك؟ أنا لم أقل أغلق، بل قلت دخل غرفة الانتظار منذ حكومة بنكيران إلى الآن..الانتقال الديمقراطي دخل غرفة الانتظار، وهذا يعني أننا لا نرى خطوات جديدة لترسيخ الديمقراطية. وهذا الاختيار يدفع المغاربة إلى النهوض مجددا لاستئناف الانتقال الديمقراطي الذي ربما طال أكثر مما عاشته اليونان والبرتغال. كيف تابعت نقاش المساواة في الإرث الذي أثار جدلا كبيرا داخل المجتمع المغربي؟ أنا أتابع هذا عن بعد..من جهة يجب أن يضمن المغاربة حرية الرأي للاجتهادات، لكن المسؤولية تقع على العلماء الذين يجب أن يجتهدوا لإبداع صيغة تجمع بين ما ورثناه من تقاليد وما بين المجتمع الحديث. وأنا أرى مع الآسف أن العلماء صامتون عن الاجتهاد الذي يطرحه المجتمع المغربي.. يجب ألا يظلوا صامتين وأن يقدموا الأجوبة لأسئلة العصر. ولا حرج في مناقشة الموضوع.