يعتبر روبيرطو فيكو، الذي تم انتخابه مؤخرا على رأس غرفة النواب الإيطاليين (لاكاميرا)، أول قيادي في حركة 5 نجوم الشعبوية يصل إلى مركز القرار في الجمهورية الإيطالية، معلنا بذلك ما تسميه الحركة السياسية ذاتها بداية "تسونامي" سيمكن "الشعب من استعادة السلطة". وعلى غرار معظم أعضاء حركة 5 نجوم، كان اسم روبيرطو فيكو، (43 سنة) قبل دخوله البرلمان سنة 2013، شبه نكرة في المشهد السياسي الإيطالي، فباستثناء خوضه بعض الانتخابات المحلية، حيث لم يستطع تخطي العتبة التي تخوله دخول مجلس بلدية نابولي مسقط رأسه أو مجلس جهة كامبانيا. لم يكن اسم فيكو يعني الشيء الكثير؛ عكس ذلك كان مألوفا لدى تجار مدينة فاس المغربية ومنظمي الرحلات السياحية بالصحراء الشرقية للمملكة، حيث سبق لرئيس "لاكاميرا" الحالي رفقة اثنين من شركائه أن افتتحوا سنة 2009 نواحي مدينة لاتينا، غير بعيد عن العاصمة روما، محلا سياحيا يتولى تنظيم رحلات سياحية في اتجاه المغرب، معظمها إلى منطقة مرزوكة التي تحظى بإقبال كبير من قبل الإيطاليين. وبالموازاة مع ذلك حول فيكو مقر وكالته السياحية إلى "بزار مغربي" حقيقي من خلال جلبه مختلف المنتجات التقليدية المغربية، ولم يتم إغلاقه إلا عشية الانتخابات التشريعية لسنة 2013 بعدما كانت معظم التوقعات تشير إلى فوز تاريخي لحركة 5 نجوم، ليتحول بذلك "تاجر الزرابي المغربية" كما تصفه الصحافة الإيطالية إلى أهم شخصية سياسية في بلاده. ولم يقتصر تعلّق روبيرطو فيكو بالمغرب عليه فقط، بل امتد إلى رفيقة حياته المصورة المحترفة "إيفون دي روزا"، المتعاونة مع بعض وسائل الإعلام الإنجليزية، والتي استهوتها الألوان والمشاهد المغربية ووثقتها من خلال العديد من الصور التي تحمل توقيعها، خاصة من مدينة فاس. وقبل انتخاب فيكو على رأس الغرفة البرلمانية الأولى كان الفاعل السياسي ذاته من موقع المعارضة يترأس لجنة مراقبة وسائل الإعلام العمومية في الدورة التشريعية السابقة، وكباقي قياديي حركة 5 نجوم حاول خصومهم السياسيون النيل منهم، نظرا لعدم توفرهم على سيرة ذاتية ناجحة سياسية كانت أم مهنية. معظم الصحف الإيطالية ما تزال إلى اليوم تتعمد الوقوف عند فترة اشتغال مرشح الحركة لمنصب الوزير الأول لويجي دي مايو كحارس أمن في ملعب سان باولو بمدينة نابولي، قبل دخوله مجلس الشيوخ، أو بيع رئيس "لاكاميرا" الحالي للزرابي المغربية باعتبارهما أهم ما قام به السياسيان في حياتهما. وقبل اتجاه اهتمام فيكو نحو المغرب لم يشتغل سوى في مهن بسيطة، مثل موظف استقبال في فندق أو عامل بمركز اتصال لتلقي شكايات عملاء شركة اتصالات. وعكس ما كان يصبو إليه خصوم حركة 5 نجوم بوقف زحفها بالنيل من قادتها لعدم توفرهم على تجربة كافية لتسيير الشأن العام وفشلهم في حياتهم المهنية، فقد حولت الحركة ذلك لصالحها بالتركيز على نظافة اليد واستعدادهم للتخلي عن امتيازات المنصب عكس السياسيين التقلديين الذين دأبوا على ما تسميه الحركة "حلمة السلطة". وكانت الفترة التشريعية السابقة شاهدة على سابقة في الحياة البرلمانية الإيطالية بعدما تخلى برلمانيو حركة 5 نجوم عن ثلث تعويضاتهم المالية وتحويلها إلى صندوق تشرف عليه الخزينة العامة خاص بمساعدة المقاولات الصغيرة بعدما فشل البرلمانيون ذاتهم في تمرير قانون يخفض من التعويضات المالية للبرلمانيين، إذ أعلنت الحركة في نهاية الفترة التشريعية السابقة أن برلمانييها تنازلوا عما يفوق 23 مليون أورو من تعويضاتهم المالية. وسيرا على المنوال ذاته بادر روبيرطو فيكو منذ انتخابه رئيسا للنواب إلى التنازل عن جميع الامتيازات المخولة له بصفته رئيسا للغرفة البرلمانية الأولى، بدءا من سيارة الدولة، إذ أصر على المشي راجلا إلى مقر رئاسة الجمهورية مباشرة بعد انتخابه للقاء الرئيس سيرجو ماتاريلا. ولقي ذهابه إلى مقر عمله على متن حافلة النقل العمومي اهتماما واسعا وسط الرأي العام الإيطالي، الذي لم يتعود على مشاهد مماثلة، ليتبعه بقرار تاريخي تنازل من خلاله عن جميع التعويضات المالية التي يوفرها له منصبه الجديد، والمقدرة بحوالي 5 آلاف أورو شهريا. وفي تصريح للتلفزيون الرسمي قال "بائع الزرابي المغربية" السابق: "لقد ولى زمن الامتيازات..علينا تقليص نفقات السياسة وعقلنة المصاريف"، وهي الوعود نفسها التي قطعها على نفسه في خطاب تنصيبه رئيسا ل"لاكاميرا". وشكلت ورقة تجديد النخبة السياسية والتخلي عن الامتيازات التي تخولها المناصب السياسية أهم الأوراق التي اعتمدتها حركة 5 نجوم في زحفها نحو الحكم بإيطاليا، فأمام تورط معظم الأحزاب التقليدية في ملفات الفساد وتواطئها مع المؤسسات المالية الكبرى التي أدت بأحد أكبر الاقتصاديات الأوربية إلى دخول نفق الأزمة، أطلق الكوميدي المثير للجدل "بيبي غريلّو" صرخته الشهيرة "فلتذهبوا إلى ..." (باستعمال كلمة نابية) والتي أخرجت ملايين الإيطاليين إلى الساحات سنة 2004. وسرعان ما تحولت إلى حركة سياسية استقطبت الآلاف من الشباب الساخطين على الطبقة السياسية، والذين بدؤوا ينتظمون في لجان محلية تطورت وأصبحت تأخذ شكلا تنظيميا بمشاركتها في بعض الاستحقاقات الانتخابية، سواء على المستوى المحلي أو الجهوي، ثم بعد ذلك قررت الدخول في الانتخابات التشريعية لسنة 2013، وتكون بذلك القطب الثالث في المشهد السياسي الإيطالي بعد سنوات من سيطرة قطبين اثنين. وبعد فترة تشريعية واحدة استطاعت حركة 5 نجوم أن تتحول إلى أول قوة سياسية في إيطاليا حاليا بعدما استطاعت ان تحرز منفردة ودون تحالفات أصوات حوالي 11 مليون ناخب، خولتها حاليا رئاسة الغرفة البرلمانية الأولى في انتظار انتهاء المفاوضات مع تحالف اليمين الذي يقوده حاليا حزب رابطة الشمال لتشكيل الحكومة.