بقبس من الألم المرتبط بالماضي وكثير من الأمل المتصل بالحاضر والمستقبل يعيش أنس بوسلامتي، الإعلامي والصحافي المغربي المستقر بالإمارات العربية المتحدة، هواجسه المهنية ذات الصلة بالمملكة. شارف بوسلامتي على استيفاء ثلاثين سنة من الحلم ب"المغرب المشع إعلاميا"، وكلما تموقع في تجربة مهنية صحافية، خلال العقود الثلاثة الماضية، صدح بأن الوطن الأمّ لا يحتاج إلا إلى إرادة حقيقية كي يغدو منصة متميزة في هذا الإطار. البداية الصحافية أول دفعة من الهواء نفذت إلى رئتي أنس بوسلامتي بمسقط رأسه بمدينة صفرو، أواسط عقد الستينيات من القرن الماضي، وطفولته يعتبرها عادية مثل السواد الأعظم من أبناء وطنه. استهل بوسلامتي مساره التعليمي ب"عاصمة حب الملوك" قبل أن يمضي تكوينه العالي في دراسة الصحافة والإعلام، في مدينة العرفان بالعاصمة الرباط، متخصصا في الصحافة المكتوبة. "حين تخرج الفوج الذي أنتمي إليه كانت القناة التلفزية الثانية قد حان وقت انطلاقها في المملكة، لذلك استدعينا لاجتياز مباراة الالتحاق بهذا المنبر السمعي البصري"، يقول أنس بشأن هذه الفترة من مساره المهني. انتمى الإطار الإعلامي نفسه إلى الفريق الصحافي، الذي أسس تجربة "دوزيم"، بعد خضوعه لفترة تدريب بفرنسا طيلة سنة كاملة، متوسطا هذا المنحى الإعلامي الذي كان جديدا ببصمة مميزة حينها. رياح الهجرة يؤكد أنس بوسلامتي أن رياح الهجرة هبت على أشرعة مركبه اضطراريا، نافيا أن يكون قد فكر في مغادرة المغرب، في أي وقت من الأوقات، بنية الاستقرار في أي فضاء خارج وطنه الأم. ويزيد أنس: "حاولنا، كجيل إعلامي بالكامل، توسيع هامش الحرية خلال الاشتغال في القناة الثانية وسط بيئة ممارسة موسومة بالتشدد والانغلاق، وقد دفعت ثمن جرأة صحافية كانت غير مرغوب فيها". غادر بوسلامتي "دوزيم" سنة 1993 بعد المرور من حزمة صعوبات يقول إنها "كانت كفيلة بجعله يفقد موقعه السابق كرئيس تحرير ومقدّم"، ويسترسل قائلا: "جاءت استضافة سفير العراق في الرباط خلال حرب الخليج، وبعد اشتكاء دول كانت المصلحة تقتضي رحيلي". توجه أنس بوسلامتي إلى ألمانيا باحثا عن فرص بديلة، مراسلا مجموعة من الصحف والإذاعات والتلفزيونات من "بلاد الجرمان"، ثم عاد سنة 1996 إلى المغرب، عند بروز "التناوب الحكومي التوافقي"، والتحق بجريدة "الاتحاد الاشتراكي". ومع بروز الفضائيات العربية سنة 1999 ظفر بعرض إماراتي، من قناة "أبوظبي"، التي كانت تنافس "الجزيرة" القطرية، حيث التحق بها في تجربة استمرت إلى حدود سنة 2004، ومنها انتقل إلى تلفزيون "دبي"، وصولا إلى "سكاي نيوز عربية". الألفة في الإمارات يقر أنس بوسلامتي بكون العيش في الإمارات العربية المتحدة يجعل الوافد معتادا على إيقاع الحياة بألفة كبيرة، خاصة أن البلاد يسمها استقرار مواز لفرص كبيرة متاحة لتحقيق التطور. ويضيف بوسلامتي، الذي استوفى 16 سنة من التموقع في هذه البيئة الخليجية، أنه تعلم في الإمارات عموما، وأبوظبي بشكل خاص، كيفية التعايش مع عدد كبير من الجنسيات، بكل ما يحمله هذا التكتل البشري من تنوعات ثقافية. "المستوى الإعلامي في الإمارات العربية المتحدة يعادل نظيره في كبريات الشبكات العالمية، بفعل تطبيق جميع المقتضيات المهنية، مع توفر جميع التجهيزات والتقنيات، وأيضا أرقى أساليب الاشتغال"، يفيد بوسلامتي. كما يعتبر الخبير الصحافي ذاته أن الساحة الإعلامية المغربية ضيعت فرصة أتيحت لها لبلوغ مكانة مماثلة أتاحتها انطلاقة "دوزيم" في آخر سنة من ثمانينيات القرن المنصرم، فيما الواقع الحالي يستلزم إعادة ضبط الإيقاع لإعادة المغاربة إلى إعلامهم العمومي. سكاي نيوز يرتبط أداء أنس بوسلامتي في "News Sky عربية" بإعداد النشرات، بصفته رئيسا للتحرير، إضافة إلى القيام بتوزيع المهام على طاقم الاشتغال المشكّل من مراسلين ومحررين، مع مراقبة النصوص والتقارير الواردة. كما يقوم بإعطاء النشرات الإخبارية حلة تلائم توجه "سكاي نيوز" إلى تزويد مشاهديها بالأنباء على مدار ال24 ساعة، دون إغفال العمل بسرعة واستحضار الدقة. ويرى أنس بوسلامتي الحضور المغربي في المشهد الإعلامي الإماراتي مميزا، ومشرفا للمغرب والمغاربة. وبخصوص مساره الخاص، يقول إنه "يلوح متعددا بفعل مروره بمراحل مختلفة الحمولات، استند على توقفات، مرات، ومعانقة تجارب جديدة، مرات أخرى". ويعتبر "ابن صفرو" أن عمل الصحافي يبقى متصلا، باستمرار، بضرورة ضبط الإيقاع في الأماكن التي يشغلها، حتى يلقى نفسه في المستوى الذي يرضيه شخصيا ومهنيا. مسعى الرقي طموحات أنس بوسلامتي تستحضر المملكة بشكل كبير، إذ يقول: "أرغب في رؤية الإعلام المغربي راقيا، حتى يفلح في البصم على مصالحة مع المغاربة، مراهنا على المصداقية ومؤهلا نفسه للعب الأدوار الطلائعية المنوطة به". ويثمن الخبير الإعلامي والصحافي الطفرة التي يعرفها الوطن الأم على مستوى الإعلامين السمعي والإلكتروني، قبل أن ينبه إلى تخوفات وترددات تواكب عمل القنوات التلفزية في البيئة ذاتها، مطالبا ب"نهج إصلاح واضح مستشرف للمستقبل". "حان وقت الحسم لإصلاح القطاع الإعلامي السمعي البصري، بصفة خاصة، وبدء مرحلة جديدة تستفيد من العثرات وترفع سقف الرهانات، مع الاستثمار في الكفاءات الإعلامية والصحافية المغربية المتوفرة بزخم أكبر مما يتوفر في باقي البلدان المجاورة للمملكة"، يردف بوسلامتي. كفاءات الغد الشباب المغربي الإعلامي الطامح لإبراز كفاءته في هذا المجال منصوح بالتركيز على التكوين، وفق أنس بوسلامتي، وأن يثق بشدة في إمكانياته لانتزاع أماكن خاصة به في كم التجارب الموجودة فعلا في هذا المجال. "المغاربة يمتازون بالقدرة على التأقلم مع المتغيرات، وأن يضعوا بصماتهم الخاصة فيما يسند إليهم، بينما الأولوية ينبغي أن تعطى لإغناء التجربة الوطنية من طرف هؤلاء"، يعبّر أنس وفق نظرته لما يجري في الساحة الإعلامية. ويختم بوسلامتي قائلا: "إن أتيحت لكفاءات الغد الإعلامية فرص تغني تجاربها خارج المملكة فلا بأس من استثمارها بغرض تحويل المغرب، كرهان مبدئي، إلى بلد متصالح مع صحافته وإعلامه، ويلوح قائما بتجربة رائدة تؤهل لنيل إشعاع إفريقي واسع".