من نافلة القول التأكيد على أن كل منظومة إعلامية لا تعكس في آخر المطاف إلا طبيعة نظام الحكم السائد في كل بلد، كما أن تطورات هذه المنظومة لا تعكس إلا التطورات التي تعرفها المنظومة السياسية. وبالتالي، فالمنظومة المغربية لا تشذ عن هذه القاعدة السياسية، حيث ارتبط تطور الإعلام المغربي بمختلف تجلياته المكتوبة، أو المسموعة، أو المرئية، بالتطورات السياسية التي وسمت علاقة المؤسسة الملكية مع مكونات مجالها السياسي. احتكار الإعلام المرئي لعبت الصورة، منذ بداية التسرب الأوروبي إلى المغرب، دورا أساسيا في تكريس شخصنة السلطة في شخص الملك. لذا، فقد كان انتشار صور الملك محمد الخامس وتعليقها في البيوت المغربية يندرج في سياق تكريس الهوية الوطنية للبلاد، وتقوية الشرعية الشعبية للملك في مواجهة سلطات الحماية. كما كان يندرج أيضا في سياق التخليد السنوي لذكرى عيد العرش بما يصاحب ذلك من احتفالات شعبية وتعليق للأعلام الوطنية وصور الملك. ولعل إدراك سلطات الحماية لخطورة التأثير السياسي لهذه الصور هو الذي دفعها، خاصة بعد الانقلاب العسكري للمقيم العام كيوم على الملك محمد الخامس ونفيه خارج البلاد، إلى منع تعليقها ومعاقبة كل من يقوم بذلك. لذا شجعت فعاليات الحركة الوطنية، بما فيها حزب الاستقلال، المخيال الشعبي على تمثل "رؤية الملك محمد الخامس فوق السطوح، مما كان يثير سخط سلطات الحماية وإثارة بعض ردودها العنيفة". وبالنظر إلى أن وسائل الإعلام المرئي، خاصة التلفزة، هي القناة الرئيسية لنشر صور الملك وتكريس تواجده السياسي، فقد حرص الملك الراحل الحسن الثاني، بالموازاة مع احتكار المؤسسة الدينية والعسكرية والأمنية، على الاستفراد بهذه الأداة الإعلامية ومراقبتها وتتبعها عن قرب وبشكل يومي، حيث كان في بعض الأحيان يأمر بإيقاف برامج معينة كما حدث بالنسبة لمسرحية الكبش واعتقال أحد ممثليها (حمادي عمور) وتوبيخ وزير الأنباء آنذاك الراحل عبد الهادي بوطالب بهذا الشأن. بل بلغ الأمر بتحكم هذا الملك في وسائل الإعلام السمعي والمرئي إلى تشكيل حكومات تم فيها الربط بين وزارة الإعلام ووزارة الداخلية التي كانت تابعة للراحل إدريس البصري، مما أدى إلى أن مدراء الإذاعة والتلفزة أصبحوا يعينون من بين عمال وولاة هذه الوزارة. وبالتالي تحول الإعلام المرئي العمومي إلى مجرد إحدى آليات الضبط الأمني. حيث كان يعين على رأس إدارة الإذاعة والتلفزة المغربية رجال سلطة من درجة عامل (هو محمد طريشة) من 1985 إلى 2002، ومن درجة قائد ممتاز كمدير القناة الأولى (محمد الايساري) ومدير الإذاعة (عبد الرحمن عاشور). وعلى الرغم مما عرفه المشهد السمعي –البصري من تطورات في عهد الملك محمد السادس (كخلق عدة قنوات تلفزية رسمية بلغت لحد الآن أكثر من تسع قنوات تلفزية، وخلق عدة إذاعات جهوية وإذاعات خاصة...)، فإن ذلك لم يمنع من استمرار هيمنة المؤسسة الملكية على وسائل الإعلام السمعي-البصري التي مازالت تشكل أداة سياسية لتكريس مركزية الحكم الملكي، وآلية لتدعيم شرعيته السياسية والدينية. تكريس مركزية الحكم الملكي منذ بداية الستينات من القرن 20، أصبح البث الإذاعي والتلفزي يعبأ بشكل أساسي لنقل مختلف المراسيم المتعلقة بالاستقبالات الملكية والأنشطة التي يمارسها الملك، سواء من خلال تدشيناته للمشاريع، أو ترؤسه للمجالس الوزارية، أو قيامه بتعييناته سواء لأعضاء التشكيلات الحكومية أو للموظفين السامين، أو تتبع تنقلاته سواء داخل الوطن أو خارجه، والتركيز على الاستقبالات التي تخصص للملك سواء أثناء زياراته إلى بعض مناطق المملكة حيث تنقل صور الشخصيات السامية من رجال سلطة ونخب محلية وهي مصطفة لتقبيل يد الملك والانحناء أمامه، أو خلال تنقلاته وسفرياته إلى الدول الأجنبية حيث تنقل مشاهد أعضاء الحكومة والمستشارين وكبار الشخصيات المدنية والعسكرية وهي مصطفة حسب الترتيب البروتوكولي للانحناء أمام الملك وتقبيل يده. كما أنه بالإضافة إلى المراسيم المتوارثة عن العهد السلطاني التي أدت إلى تركيز السلطة في شخص الملك من خلال تركيزها على تحركاته وأقواله وخطبه ومختلف أنشطته، فقد شكلت وسائل الإعلام المرئية آليات أخرى لتضخيم هذه الشخصنة. فكل النشرات الإخبارية تبدأ بالتحدث عن الأنشطة الملكية وتعطيها الأولوية في فقراته المعدة، وكل الزيارات الملكية تتم تغطيتها بجزئياتها وتفاصيلها، وكل الخطب الملكية تحاط بطقوس خاصة تتمثل في نقل بعض المظاهر المخزنية في انتظار قدوم العاهل المغربي والإعلان عن ذلك. لذا، درجت القناتان الوطنيتان، وبالأخص القناة الأولى، على اللجوء إلى بعض التقنيات الحديثة، سواء الصوتية أو المكتوبة، لإشعار المشاهدين المغاربة سواء بقرب إلقاء الخطاب الملكي أو ترديد عبارات "صاحب الجلالة يخاطبكم"، "مباشرة من القصر الملكي"، إلى غير ذلك؛ الشيء الذي يعيد "الترديدات المخزنية" التي تسمع عادة داخل القصر والتي تلفت الانتباه إلى قدوم الملك. كما تشكل الصور المنقولة للملك عبر شاشة التلفزة أداة أخرى لهذه الشخصنة؛ حيث هناك طقوسا مراسيمية لإخراج كل التحركات والزيارات والأنشطة التي يقوم بها الملك في إطار تلفزي مضخم ومثير. في حين توظف التلفزة بأدواتها وتقنياتها السمعية والبصرية التي تتطور باستمرار لإضفاء هالة من القدسية على شخص الملك، حيث يصبح كل تحرك من تحركات الملك (زيارة إلى إقليم، تدشين مشروع، إعلان عن قرار…) عبارة عن حدث سياسي يتم تمجيده، وإلى مراسيم تلفزية تكرس شخصنة السلطة وتركز على شخص الملك كوحدة مركزية لكل القرارات والمشاريع، مما يكرس ليس فقط حكما ملكيا مشخصنا بل حكما خاصا وفرديا. تكريس الشرعية الدينية للحكم الملكي أكد الدستور، بمختلف التعديلات التي عرفتها هذه الوثيقة، بما فيها التعديل الأخير لفاتح يوليوز 2011، على الصفة الدينية للملك كأمير المؤمنين، حيث يتم الحرص على تأكيد هذه الصفة من خلال كل المراسيم التي تم توارثها عن العهد السلطاني. فمن المعروف أنه حتى بعدما جردت سلطات الحماية السلطان من الكثير من صلاحياته وسلطاته، فإنها لم تتجرأ على تجريده من سلطته الدينية التي حافظ عليها بموجب مقتضيات معاهدة الحماية. وبالتالي فقد بقي السلطان يمارس هذه السلطة طيلة فترة الحماية من خلال قيامه بكل الشعائر الدينية التي كانت تقتضيها مكانته كأمير للمؤمنين كحضور صلاة الجمعة، وترؤسه للاحتفالات الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد المولد النبوي، والتي كانت تؤدى طبقا للمراسيم السلطانية التي استمرت متواصلة حتى بعد الاستقلال. فلتكريس السلطة الدينية للملك كأمير المؤمنين واحتكاره لكل الصلاحيات التي تعكس ذلك، تم الحفاظ على هذه المراسيم بطقوسها المخزنية نفسها والعمل على تكريسها من خلال الحرص على نقلها على أمواج الإذاعة وقنوات التلفزة المغربية. وبالتالي، فعادة ما كان يتابع المشاهدون نقل وقائع خروج الملك الراحل الحسن الثاني لأداء صلاة الجمعة بمسجد أهل فاس، أو في بعض مساجد المملكة أثناء زياراته إلى أحد الأقاليم المغربية. كما كانوا يتابعون مراسيم تأديته لصلوات عيدي الفطر والأضحى وإحيائه لليلة عيد المولد النبوي. والأمر نفسه تم تكريسه منذ تولي الملك محمد السادس الحكم، خاصة في ظرفية دولية وإقليمية ووطنية تتسم بغلبة الخطاب الديني وانتشار الحركات السياسية الدينية بمختلف تلويناتها السلفية، والجهادية وغيرها؛ إذ عادة ما يتم الحرص على نقل خروج الملك كأمير المؤمنين لصلوات الجمعة أو صلوات العيد إلى جانب التركيز على إحيائه للدروس الرمضانية أو ترؤسه لإحياء ليالي المولد النبوي وفق الطقوس والمراسيم التلفزية والإذاعية نفسها التي كانت متبعة في عهده سلفه. ولعل هذا الدور السياسي التي تقوم القنوات التلفزية هو الذي يفسر استمرار هيمنة المؤسسة الملكية على وسائل الإعلام البصري، وحرص السلطة على انتقاء شخصيات مقربة لتدبيرها. فإدراكا من الدولة بأهمية الإعلام (خاصة السمعي البصري) ووعيا منها بخطورته، وفي الوقت الذي تتوجه فيه هذه الدولة إلى خوصصة وتحرير باقي القطاعات الأخرى، رغم حيويتها الاقتصادية الكبيرة ومردوديتها المالية المضمونة وعائدها الاجتماعي العالي حيث تمت خوصصة الشركات الاقتصادية والمؤسسات المالية والصناعية الاستراتيجية (لاسمير – محطات توليد الطاقة الكهربائية – اتصالات المغرب البنوك...) مرورا بخوصصة المؤسسات التعليمية، وانتهاء بالتفكير في خوصصة المكاتب الوطنية (الماء – الكهرباء – البريد – السكك الحديدية...)، دون الحديث عن خوصصة المؤسسات الجماعية في إطار التدبير المفوض، وتناقضا مع سياسة خوصصة كل مؤسسات الدولة، فقد تم تأميم القناة الثانية، بعدما كانت أول قناة تلفزية خاصة، مملوكة لشركة أونا، ليتم العمل على تدعيمها رغم العجز المالي الذي تعاني منه من خلال ضخ السيولة المالية في ميزانياتها والحرص على استفادتها من عائدات الضرائب المؤداة من فواتير الماء والكهرباء. وفي السياق نفسه، قررت الدولة المساهمة في رأسمال شركة قناة ميدي1 سات في سنة 2009 من خلال ملكية صندوق الإيداع والتدبير ل 51 بالمائة من أسهمها، إلى جانب شركة اتصالات المغرب. التحكم في المجال السمعي والإذاعي أولت المؤسسة الملكية لوسائل الإعلام السمعي البصري أهمية كبرى في إطار هيمنتها على الحقل السياسي بالمغرب، حيث ظهر ذلك واضحا من خلال أن أول خطاب أذاعه الملك الراحل محمد الخامس بعد عودته من منفاه السياسي لإعلان (عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال...) كان عبر أمواج الإذاعة، مما كرس منذ البداية تفرد المؤسسة الملكية باستعمال هذه الآلية في مخاطبة الشعب بعدما كانت صورة الملك محمد بن يوسف في القمر قد كرست شرعيتها السياسية. وبالتالي، فلم يكن من المستغرب أن يعمد الملك الراحل الحسن الثاني، بمجرد توليه العرش، إلى التوجه عن طريق الإذاعة بخطاب إلى الشعب لنعي والده، والتأكيد على خلافته له. وإدراكا من هذا الملك لأهمية هذه الأداة الإعلامية كوسيلة فعالة في الحكم، فقد سارع، منذ ظهور البث التلفزي بالمغرب في 9 يناير 1962، إلى إدماج كل من الإذاعة والتلفزة في جهاز وحيد تم ربطه بوزارة الأنباء التي كان يحرص على تعيين وزرائها من المقربين له. وبالتالي، فقد كان من أهم خطط انقلابيي الصخيرات، بعد اقتحام القصر الملكي بالصخيرات، الاستيلاء على مقر دار الإذاعة والتلفزة، وإذاعة بيان عسكري (باستيلاء الجيش على السلطة)، مما حدا بالملك الراحل الحسن الثاني إلى إذاعة خطاب عبر إذاعة طنجة لإخبار الرأي العام بأنه مازال حيا، مما ممكنه من استعادة تحكمه في الوضع السياسي، ولعل هذا التوجه السياسي القائم على التحكم الأمني والسياسي في الإعلام العمومي هو الذي دفع بها إلى نهج سياسة تأميم جميع قنواته ومؤسساته، بدءا بوكالة المغرب العربي للأنباء التي تم تأميمها منذ سنة 1974، إلى جانب التحكم في الإذاعة المركزية بالرباط وكذا مختلف الإذاعات الجهوية في مختلف أنحاء المملكة. تحرير القطاع السمعي لفهم دلالات خطاب التحرير الذي تبنته الدولة في نهاية نظام الملك الراحل الحسن الثاني في أواخر تسعينات القرن العشرين، وفي العشرية الأولى من نظام خلفه الملك محمد السادس، يمكن ربطه بعاملين أساسيين: -التقارب الذي حصل بين الأحزاب السياسية المعارضة والمؤسسة الملكية، خاصة بعد تراجع الخطاب الايديولوجي والاحتقان السياسي. -تنامي عولمة اللبرالية الجديدة القائمة على اقتصاد السوق وتحرير تجارة الخدمات وحركية الأموال، التي تعتمد خطاب الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية ومجتمع المعرفة والإعلام، لكن على الرغم من هذين العاملين، ورغم التضخم الكبير في الخطاب الرسمي حول تحرير القطاع السمعي البصري، وما سيسمح به للخواص بالاستثمار في هذا المجال، فإن الدولة لم تستطيع الترخيص في هذا المجال إلا لبعض المشاريع المتمثلة في بعض القنوات الإذاعية التي يمتلكها رجالات من القطاع الخاص، التي تحرص في أغلبها على تبني توجه السياسة الإعلامية التي تنهجها الدولة في الوسائل الإعلامية العمومية، في حين لم تستطع السلطة إلى حد الآن المغامرة بالترخيص ولو لمشروع واحد لقناة تلفزية؛ وذلك راجع إلى توجسها الكبير من هذا النوع من المشاريع التي تهدد احتكارها وهيمنتها على المجال المرئي ذي التأثير الجماهيري في مجتمع ما زالت تغلب عليه الأمية. تدجين الإعلام المكتوب على الرغم من أن هذا المجال هو الذي لم تستطع الدولة احتكاره، فقد عملت في المقابل على احتوائه وتدجينه من خلال اللجوء إلى إجراءات عدة سبق لسلطات الحماية استخدامها كالتضييق على الصحافيين واعتقالهم، وممارسة كل أشكال الرقابة القبلية أو البعدية (التوقيف، المنع،...)، بالإضافة إلى التحكم في منابر إعلامية موازية، كجريدة الأنباء، وكذا اقتناء مجموعة ماس التي أشرف عليها أحد المقربين من السلطة الوزير الراحل أحمد العلوي الذي كان ينشر الافتتاحيات المعبرة عن المواقف الرسمية للسلطة، مع توفير كل التسهيلات المادية والمالية لتوزيع الجرائد الصادرة عن هذه المجموعة (لوماتان، الصحراء، ماروك سوار...). في المقابل، عانت الصحف الحزبية من عدة تضييقات كانت تصل في بعض الأحيان إلى حد المنع أو التوقيف. ولعل أحسن مثال على ذلك منع صحيفة المحرر، لسان حال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان معارضا للسلطة، حيث استغلت أحداث الدارالبيضاء الدامية وما أعقبها من اعتقالات ضمن صفوف هذا الحزب، ليتم اتخاذ قرار بمنع هذه الجريدة والعمل فيما بعد على استبدال اسمها باسم "الاتحاد الاشتراكي". كما سبق أن تم منع بعض الصحف السياسية الساخرة المستقلة، كأخبار الدنيا والكواليس لمصطفى العلوي، وأسبوعية الهدهد التي حاول أن يصدرها الفنان الساخر أحمد السنوسي في سنة 1983 لكن تم إيقافها بعد مدة قصيرة من صدورها. لكن رغم توقف هذه الصحف نتيجة للمناخ السياسي الذي كان سائدا طيلة ما يقرب من أربعة عقود، والذي تميز في مجمله بخنق حرية التعبير وقمع كل معارضة سياسية، عرفت فترة نهاية عهد الحسن الثاني نوعا من توسيع هامش الحريات العامة، وتقوي المجتمع المدني ومحاولة طي صفحة "سنوات الجمر والرصاص"، مما سمح بظهور بعض الصحف المستقلة التي حاولت أن ترسم مسافة بينها وبين السلطة أو الأحزاب، كجريدة المستقل، وفيما بعد لوجنرال، والصحيفة التي ساهمت في تهييئ الأجواء لتعيين حكومة ما سمي بالتناوب برئاسة عبد الرحمان اليوسفي قبل أن يتم بعد ذلك توقيف هاتين الصحيفتين بعد تجاوزهما لبعض الخطوط الحمراء التي حددها صانعو القرار السياسي في عهد الملك محمد السادس. وفي السياق نفسه، حاول الصحافي علي لمرابط أن يستغل هذا المناخ، فأصدر أسبوعيته الساخرة «Demain» و"دومان"، باللغتين الفرنسية والعربية، ينتقد من خلالهما بأسلوب ساخر بعض المظاهر السلبية التي ما زالت تعشش داخل دواليب النظام المخزني بالمغرب من فساد واستغلال نفوذ، وتبذير... لكن يبدو أن الأسلوب الجريء الذي نهجته هذه الأسبوعية، خاصة في طبعتها العربية، من خلال السخرية من بعض الشخصيات السياسية، بما فيها تلك التي تدور في محيط القصر، قد ألب عليها الكثير من العداوات وجر عليها نقمة مسؤولين كبار في الدولة. مما أدى في آخر المطاف إلى تعريض مديرها علي المرابط للمحاكمة بتهمة المس بمقدسات المملكة، والعمل على توقيف أسبوعيته الساخرة. المصير نفسه لاقته أسبوعية نيشان لصاحبها بنشمسي. وبالإضافة إلى لتضييق المستمر على الصحافة المستقلة، شكل استعمال الدعم المالي العمومي وكذا الخصوصي بمختلف أشكاله وسيلة لتدجين بعض المنابر المستقلة التي ما زالت تتحرك في المجال الإعلامي المغربي. وإجمالا، فمن خلال المتابعة المستمرة لتطور إعلامنا العمومي ورصد ما عرفه من تغييرات سواء على مستوى الهياكل والمسؤولين والبرامج، يتضح للمراقب في هذا الشأن، أن لا شيء تغير في هذا المجال، سوى الأشكال والمظاهر؛ وذلك راجع للعوامل التالية: غياب تصور مجتمعي في ظل غياب مشروع مجتمعي واضح المعالم لدى الدولة بصفة عامة، مشروع مجتمعي تحكمه رؤية شمولية لسياساتها في كل القطاعات التي تدبرها، يلاحظ المتتبع لما تبثه وسائل إعلامنا كيف تتناقض السياسة الإعلامية في الغالب مع السياسة الثقافية والسياسة التعليمية والسياسة الدينية، مما جعل الإعلام العمومي، خاصة المرئي والسمعي، مجرد بوق دعائي للدولة بترسباتها المحافظة وتأرجحها بين ثوابت الأصالة ومظاهر المعاصرة. غلبة الهاجس الأمني إن غياب سياسة إعلامية مندمجة مع باقي القطاعات الأخرى المهتمة بتشكيل شخصية المواطن المغربي، جعل الإعلام العمومي يرتهن للمتطلبات الأمنية والحاجيات السياسية والتوجه الثقافي للسلطة. فإلى جانب قنوات القطب العمومي، هناك وكالة المغرب العربي للأنباء التي توجد تحت وصاية وزارة الاتصال شكلا، وخاضعة لتعليمات الأجهزة الأمنية، حيث لا يعين على رأسها إلا الشخصيات القريبة من الدوائر الأمنية والسياسية. الأمر نفسه المنطق ذاته يتحكم في تشكيل الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري (الهاكا) التي تم إحداثها في 31 غشت 2004، فمعظم أعضاء مجلسها الإداري، لا سابقا ولا حاليا، ليسوا سوى شخصيات مقربة من السلطة. نهج التحكم الأمني والسياسي هذا يسري على باقي مؤسسات الإعلام العمومي بالمغرب، سواء تعلق الأمر بالقنوات الإذاعية أو الجهوية.... تفكك الخطاب الإعلامي إذا كان الاحتكار والتحكم الأمني والتوظيف السياسي للإعلام العمومي يقود منطقيا إلى ممارسة التعتيم على المواطنين، من حيث عدم تزويدهم بالخبر والمعلومة حول الأحداث والتطورات التي تقع في بلدهم وخارجه، فهناك نوعا من "العشوائية في انتقاء الأخبار المختلفة حول ما يجري داخل البلاد وخارجها، بشكل لا يمكن الحديث معه عن امتلاك هذا الإعلام لزاوية نظر محددة للأحداث، ومن الصعب الكلام عن صناعة الخبر في وسائل إعلامنا العمومي، وما يتطلبه ذلك من اعتبارات مهنية، من مصداقية واحترافية واستقلالية، وما يخضع له من معايير موضوعية ثابتة، حيث يخضع الخبر في إعلامنا العمومي للتقلبات والظروف السياسية المحيطة والمؤثرة في الواقفين وراءه. كما لا يمكن الحديث عن سعي إعلامنا العمومي إلى خلق رأي عام حول القضايا الأساسية للوطن والشعب والأمة. فإذا كانت القيم الإخبارية لأية وسيلة إعلامية تقوم على ترتيب أخبارها حسب سلم من الأولويات في البرمجة والتقديم، وفق القضايا المحورية والطموحات الكبيرة والحاجيات الأساسية الخاصة للجمهور الذي تتوجه إليه بأخبارها، وبناء على سلم من القيم الإخبارية، فإن الباحث المتتبع لوسائل إعلامنا العمومية، سيلاحظ أنها لا تملك أي سلم للقيم الإخبارية". فباستثناء ثبات الأولوية في النشرات الإخبارية للأنشطة الملكية، فما دون ذلك يخضع لمزاج المسؤولين، والأجواء المتغيرة لديهم من يوم إلى آخر، ومن أسبوع إلى آخر، ومن شهر إلى آخر، دون أخذ للاعتبارات الموضوعية المعتمدة من طرف كل وسائل الإعلام الإخبارية العالمية، التي تحترم المهنية والموضوعية في تقديم الأخبار. لذلك، فقد يقوم إعلامنا العمومي بإهمال والتعتيم على أحداث ووقائع مهمة داخل المغرب، ويقدم عليها أخبارا تتعلق بدول أسيا الوسطى أو أمريكا اللاتينية، بل من الممكن أن يتعامى هذا الإعلام عن وقائع تهم قضايا وطنية أو جهوية، ويركز على أخبار تافهة، وطنية كانت أو خارجية. كما يقوم هذا الإعلام العمومي في العديد من الأحيان بتقديم أخبار قد تكون غير مؤكدة، إذا تعلق الأمر بتصفية حسابات سياسية أو إيديولوجية من طرف الواقفين وراءه مع طرف سياسي أو اجتماعي ما. كما يفتح الباب على مصراعيه أمام وجوه معينة للمرور بهذا الإعلام وإقصاء وجوه أخرى. لذلك كانت ومازالت النشرات الإخبارية لإعلامنا العمومي هزيلة وبدون مصداقية، وتفتقر للموضوعية والمهنية. ولم تسع قنواتنا التلفزية والإذاعية يوما إلى السبق الإخباري في تغطية الأحداث، حتى داخل المغرب، مما يجعل المشاهد والمستمع المغربي مجبرا على التوجه للقنوات الأجنبية للتزود بالأخبار، سواء تلك التي تتعلق بقضايا داخلية خاصة بالمغرب، أو بأخبار تهم قضايا دولية.