كشف الجدل الحقوقي بين المغرب والجزائر في الدورة ال18 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، سويسرا عن تطور في طبيعة الصراع الدبلوماسي المغربي تجاه الهجومات الجزائرية، ذلك أنه ولأول مرة ستقرر الدبلوماسية المغربية نقل المعركة الحقوقية إلى داخل التراب الجزائري، بعدما كانت تكتفي بالرد على اتهامات الجزائر للمغرب بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء. حيث واجه الوفد المغربي نظيره الجزائري بتدخل شديد اللهجة، جاء فيه أنه ''كان من الأجدى بالنسبة للسفير الجزائري إطلاع المجلس على الحقوق الثقافية لمنطقة القبائل في الجزائر، وأن عليه أولا التأكد من أن بلاده تولي لثقافة منطقة القبائل على الأقل نفس الاعتراف الدستوري الذي يوليه المغرب للثقافة الحسانية بالصحراء، وأنه إذا كانت هناك مجموعة سكانية لا تتمتع بحقوقها الثقافية فهم سكان منطقة القبائل". ولقد بدت قوة تدخل الوفد المغربي محرجة للجانب الجزائري حينما تردد صدى ذلك في الصحافة الجزائرية والأجهزة الرسمية، حيث اعتبر تدخلا في الشؤون الداخلية للجزائر، إلا أن صداه تردد أيضا على المستوى الدولي، في سارعت دولة السويد منح الاعتماد إلى الحركة المطالبة باستقلالية منطقة القبائل عن الجزائر، مما يجعل من الإشارة المغربية إلى عدم احترام الجزائر لطموحات القبائليين، مؤشرا على إمكانية تدويل القضية القبائلية في زمن ربيع الثورات. إن عنصر المفاجأة إذن في رد الفعل الجزائري، ناتج عن الطريقة الجديدة في تعامل الدبلوماسية المغربية تجاه المواقف الجزائرية بشأن الوضع الحقوقي في الصحراء خلال تجمعات المنتديات الدولية. وبذلك تكون الدبلوماسية المغربية قد وضعت استراتيجية الرد بالمثل على ادعاءات الجزائر بشأن الوضع الحقوقي في الصحراء، وعليه فإن أي تدخل جزائري في قضايا الصحراء مستقبلا سيفسر على أنه تدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، ويجب التعاطي معه بالمثل، بحيث يصبح ملف النزاع حول الصحراء يقابله سياسيا ملف مطالب القبائليين بالاستقلال عن الجزائر. والحق أن تغير الخريطة السياسية في منطقة شمال إفريقيا، وخاصة بعد انهيار نظام القدافي، وفقدان الدبلوماسية الجزائرية لشرعيتها دوليا، كل ذلك وفر للمغرب الكثير من نقط القوة لمواجهة ادعاءات الجزائر بجرأة غير معهودة. وعلى الرغم من أن ادعاءات الجزائر بخصوص الوضعية الحقوقية في الأقاليم الصحراوية وإن لم تكن على جانب عظيم من الإحراج، إلا أنه أبى إلا أن يستثمر عجز الجزائر على المستوى الوطني في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتخلف عن مواكبة التحولات الديمقراطية الجارية في شمال إفريقيا، ليطالبها ببدء الاعتراف بواجباتها الدولية في حماية سكان مخيمات تندوف والالتزام بها وحماية الحقوق الثقافية لمنطقة القبائل في الجزائر، قبل الحديث عن الحقوق الثقافية في الصحراء. إن مؤشرات تطور استراتيجية الدبلوماسية المغربية تجاه الجزائر بشأن النزاع في الصحراء أفرزتها نقط قوة راكمها المغرب، ومنها: - تأكد الدبلوماسية المغربية من أنها رسخت دوليا بأن النزاع في الصحراء جزء من صراع إقليمي مغربي جزائري على ريادة المنطقة المغاربية. - وإمكانيتها في استثمار عزلة الجزائر دوليا لتحقيق مزيد من التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي. - اقتناعها بفعالية ترجمة حديث الجزائر عن الوضع الحقوقي في الصحراء بأنه تدخل سافر في شؤون المغرب الداخلية، ويبيح الرد عليه نديا. وعليه فإن العلاقات المغربية الجزائرية ستعيش على وقع استمرار حالة من انسداد الأفق، ليستمر إغلاق الحدود بين البلدين في ظل صراع دبلوماسيتهما تكتيكيا باعتماد التوظيف الحقوقي والإعلامي. وتجدر الإشارة أن "الحركة من اجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل" في الجزائر كانت قد أعلنت عن تشكيل "حكومة مؤقتة من القبائل" في باريس، حتى تعترف الدولة الجزائرية رسميا بالقبائل كشعب وكأمة، ولإنهاء ما سمي "ظلم واحتقار وهيمنة" الحكومة الجزائرية، بحيث يوصف القبائليون من قبل نظام العسكر الجزائري بصفات تمييزية محرضة ضد حياتهم من قبيل أنهم "انفصاليين" و"أعداء الداخل ينفذون مخططات صهيونية... وقد سبق للقبائليين أن قاموا بانتفاضات متكررة في سنة: 1963، 1980، 1985، 1988، 1994، 2001، مما جعل مطالبهم تتجاوز الحكم الذاتي إلى المطالبة باستقلال القبائل. وكانت السلطات الجزائرية قد أصدرت مذكرة قضائية تقضي بتوقيف زعيم الحركة من أجل الاستقلال الذاتي بمنطقة القبائل فرحات مهني على خلفية مطالبه بانفصال القبائل عن الجزائر. *محلل سياسي مختص في قضايا الصحراء والشأن المغاربي [email protected]