منذ سقوط دولة الخلافة المزعومة لتنظيم «داعش» الإرهابي في العراقوسوريا والجميع يتساءل إلى أين ستكون وجهة عناصر ذلك التنظيم الإرهابي الأشرس في العالم؟ ومن أين سيعاود نشاطه مرة أخرى؟ وكيف ستكون طبيعة المواجهة القادمة بينه وبين البشرية جمعاء؟ ومن يقف وراء إمداده مجدداً بإكسير الحياة ليبقى تهديداً قائماً لدول بعينها؟ وهل سيبقى «داعش» تهديداً قائماً في الشرق الأوسط فحسب أم ستكون له وجهات أخرى يصنع منها بؤراً جديدة للصراع العالمي بعدما كاد أن يُقضى عليه في العراقوسوريا؟ والجواب يبدو مُستغرباً من قبل البعض، وغير متوقع من قبل البعض الآخر. لكن طبيعة الأزمات المتلاحقة تضع سيناريوهات جديدة للتعامل مع الإرهاب وتنظيماته الدولية التي تبدو للعيان أنها رغم ما تمثله من تهديد للعالم، فإن ثمة دولاً كبرى تقف وراء تمويله ورعايته وإمداده الدائم بما يكفيه للبقاء كتهديدٍ يُوظف لخدمة أغراضها ومصالحها في إبقاء أزمات المنطقة مشتعلة، وربما تتداخل تلك المصالح مع تقاسم الثروات الطبيعية والنفوذ السياسي والسيطرة على مصائر الشعوب. وليس بخافٍ على المتتبعين أن أفريقيا، وبخاصة دول «الساحل والصحراء» تمثل مطمعاً لدول كبرى، ما جعل منها بؤرة صراع عالمي مرشحةً للتعاظم خلال السنوات المقبلة، وهو كذلك ما رشحها وجهةً للتنظيمات الإرهابية المفضلة خلال السنوات المقبلة كملاذ أكثر هدوءً، وأرض معركة بكر ترسم ملامحها من جديد على أيدى فلول «داعش» الفارين من نيران المواجهة القوية والساخنة في دولتهم المزعومة في كل من سورياوالعراق، خاصة بعدما أغلق الجيش المصري الباسل أبواب سيناء في وجوههم، وصار من يدخلها وإن ساندته دول كبرى تستهدف أمن مصر والنيل منها، يواجه حروباً ضروساً بلا هوادة مع أقوى جيش في المنطقة. إن وجهة عناصر «داعش» بعد هزيمتهم المنكرة في سورياوالعراق تتمثل في أفغانستان وليبيا وغرب أفريقيا وباكستان وآسيا الوسطى (انظر الإصدار المرئي الجديد الذي نشره تنظيم «داعش» الإرهابي بتاريخ 4 مارس 2018م، تحت عنوان «أرض الله واسعة»)، مما دفع بمفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي «إسماعيل شرقي» إلى إطلاق تحذيرات من إمكانية عودة نحو 6 آلاف مقاتل أفريقي قاتلوا في صفوف «داعش» إلى القارة السمراء، داعياً الدول الأفريقية إلى التأهب للتعامل القوي معهم، وهو الأمر الذي يثير مخاوف من أن يتكرر ما حدث في الجزائر عقب عودة مقاتليه من أفغانستان، حيث أنشؤوا في حينها جماعات مسلحة (الجماعة الإسلامية المسلحة)، وحصدوا أكثر من 200 ألف روح بريئة. منطقة «الساحل والصحراء» تمثل خطورة كبيرة على القارة الأفريقية، وعلى أمن واستقرار الدول، وهو ما يستوجب تعاوناً بينها وتبادل المسلحين بالشكل الكافي لمنع تسربهم لشرايين القارة السمراء، فضلاً عن أنه صار ل«داعش» ثلاث ولايات في الأراضي الليبية هي طرابلس، وبرقة، وفزان، ومن ثم جعل التنظيم من ليبيا خلال عامي 2015/ 2016 ليبيا مركزاً لتنفيذ عملياته الإجرامية في شمال أفريقيا، كما استولى «داعش» على سرت في 2015 قبل أن يستردها الجيش الليبي لتبقى مشكلة الخلايا «الداعشية» المتناثرة في الصحراء الليبية تحدياً قائماً، وهو الأمر الذي أكده تصريح للبنتاجون في 2016 بوجود نحو 6500 مقاتل «داعشي»، فيما خرجت إحصاءات أخرى ترجح زيادة العدد عن سبعة آلاف مقاتل «داعشي»، كما جرى الحديث عن دخول نحو 400 سنغالي لصحراء ليبيا من الجنوب، وكل ذلك يرنو إلى تحويل ليبيا لمركز لانتشار الإرهاب شمالاً إلى أوروبا وجنوباً إلى مناطق الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، فضلاً عن تهديد أمن دول الجوار الليبي وفي مقدمتها مصر. ومن أجل جعل ليبيا منطلقاً داعشياً للتوسع نحو منطقة الساحل والصحراء وغرب أفريقيا، نجد تحالف «داعش» مع «بوكو حرام»، التي تنشر الرعب في نيجيريا ومناطق بحيرة تشاد وجنوب النيجر وشمال الكاميرون، وفي تلك المنطقة نجد ما أُعلن عنه من تشكيل ما سُمي «جيش الصحراء»، الذي يقوده شخص ليبي سمى نفسه «أبو البركات»، إلى جانب تواجد قادة آخرين مثل أبومعاذ في درنة، وهو قائد لما سمي بلواء صلاح الدين، «الداعشي»، وهاشم السدراتي خبيب، وهو يطلق عليه لقب وزير الحدود، وبتواجد هؤلاء القادة ووجود الجغرافيا الحدودية المهترئة تسمح بامتدادات لا محدودة، وخاصة أن الجديد في أفريقيا وجود تحالف ما بين رافدي الإرهاب العالميين الآن «داعش» و«القاعدة» بخلاف ما حدث من صراع في سوريا، وهو الأمر الذي فضحه تصريح لأبي وليد الصحراوي ال«داعشي» بالتعاون مع جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التي تنتمي ل«القاعدة»، وهو ما يعني استراتيجية تحالف التنظيمات الإرهابية من جديد. مما أكده كذلك الصحافي السويدي، في مقال نشر في صحيفة «سفينسكا داجبلاديت»، في هذا الصدد، بأنه تم خلال السنوات الأخيرة «تشكيل تنظيم القاعدة في شمال غرب أفريقيا تحت مسمى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، مبرزا أن «الحركة تورطت بقوة في الهجمات الإرهابية واحتلال شمال مالي لمدة سنتين»، وأن «تقارير ترد أكثر فأكثر حول تزايد التعاون بين «البوليساريو» وتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». وبالالتفات لقضايا تمويل الإرهاب ورعايته لا يمكننا أن نغفل تلك الزيارات المتلاحقة لكل من أمير قطر والرئيس التركي إلى المنطقة، فالأخير زار كلا من السودان وتشاد وتونس، أمير قطر زار السودان ودول غرب أفريقيا في تناسق للأدوار، ما يعكس أن التركيز في المرحلة المقبلة سيكون على هذه المنطقة، وليس بخاف من قبل إعلان السلطات المصرية ضبطها لطائرات قطرية محملة بالأسلحة للجماعات الإرهابية في ليبيا، وضبط السلطات القبرصية باخرة تركية مُحملة بأسلحة كانت مُتجهة إلى مصراته الليبية، فالأمر صار مفضوحاً. زيارة أردوغان الأولى والثانية إلى أفريقيا، وزيارة أمير قطر إلى غرب أفريقيا والمؤشرات المالية على بداية حشد وتجميع للجماعات الإرهابية في منطقة الساحل وتسهيل وصول المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا، المعركة تنتقل من الشرق الأوسط إلى أفريقيا، وقد يتم استعمال هذه الجماعات خدمةً للمشروع الصفوي-التركي-الإخواني، ضد أمن دول المغرب العربي ودول عربية خليجية. وخلاصة القول إن دول «الساحل والصحراء» وغرب أفريقيا وليبيا دول مرشحة بقوة لأن تصبح إحدى وجهات الصراع العالمي على تقاسم ثرواتها الطبيعية، وكذلك مركزاً لتقاسم النفوذ بين دول كبرى، وبالتبعية مركزا لانتشار الجماعات الإرهابية، وربما هذا ما رجحته تصريحات للظواهري من دعوة لقتال فرنسا في دول «الساحل والصحراء»، وهو الأمر الذي يطرح تساؤلاً جديداً: هل بعد انتهاء مهمة «داعش» في المنطقة ستعود القاعدة إلى قيادة الإرهاب العالمي من جديد؟