أكد البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، أن لجوء التنظيم الانفصالي إلى حرب الثروات الطبيعية جاء بعدما فشلت جميع الخطط السياسية السابقة، خصوصا بعد عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، آخر المعاقل التي تعترف ب"الجمهورية الوهمية"، و"هو الأمر الذي بعثر حسابات القادة الصحراويين وجنرالات الجزائر". ويرى الدخيل، في هذا الحوار مع هسبريس، أن البوليساريو تُراهن، من خلال ضرب شرعية الاتفاقيات الدولية، على فرض حصار على المنطقة، وخلق نوع من الاحتقان الشعبي، وصولاً إلى حدوث "ثورة داخلية"، حسب الاعتقاد الذي لا يزال سائداً في خُططها. وكشف الدخيل، باعتباره أحد القياديين السابقين بالبوليساريو، كيف يتلقى هذا التنظيم تعليماته اليومية من جنرالات الجزائر في منطقة "الرابوني"، مقر الجبهة بتندوف، منذ أن سيطرت الجزائر على الجبهة سنة 1975، بعدما قامت بقتل مصطفى السيد الوالي، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب. إليكم نص الحوار: برأيك ما السبب الذي دفع جبهة البوليساريو إلى شن حرب الثروات الطبيعية على الاتفاقيات الدولية التي تشمل الأقاليم الجنوبية؟ أولاً، يجب الإشارة إلى أن جبهة البوليساريو بعدما فشلت في الحصول على انتصارات سياسية، خصوصا بعدما تخلى المغرب عن دبلوماسية "الكرسي الفارغ" بعد عودته التاريخية إلى الاتحاد الإفريقي، بفضل النظرة الثاقبة للدبلوماسية الملكية، عمدت إلى نهج خطة جديدة تهدف إلى عزل الأقاليم الصحراوية، وهو الأمر الذي يظهر أيضا من خلال استعدادها لرفع دعوى قضائية جديدة تهم إلغاء الخط الجوي الذي يربط المنطقة بجزر الكناري، مع العلم أن هذه الطائرات تشتغل لفائدة الساكنة، وتنقل المرضى الصحراويين والمتقاعدين، الذين يتنقلون كل شهر من أجل تلقي أجورهم الشهرية، أي أنها تعمل على فرض حصار على الصحراء من أجل قيام المواطنين بثورة داخلية، وهذا هو الاعتقاد السائد الذي لم يتغير منذ زمان. ثانيا، تهدف المعارك الجديدة إلى لفت انتباه الرأي العام الدولي إلى أن هناك نزاعاً بالمنطقة وجب حله، لكنني أعتقد أن هذا التوجه غير صحيح لأن البوليساريو ليست، كما تدعي، هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، وهنا يجب الإشارة إلى تقصير الدولة المغربية في هذه المسألة بسبب عدم قدرتها على الترويج للصورة الحقيقية، التي تؤكد أن معظم الصحراويين موجودون في أرضهم، ضمنهم منتخبون يمثلون كافة الأحزاب السياسية المغربية. كما أنه على مستوى المجتمع المدني، تضم الأقاليم الصحراوية أكثر من 13 ألف جمعية، ورغم كل هذا استطاعت الجبهة أن تقنع العالم بأنها هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي. أفهم من كلامك أن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الأوروبية جاء بسبب هذا الفهم الخاطئ بخصوص من يمثل الساكنة الصحراوية. نعم، بما أن الساحة فارغة، والبوليساريو هي الوحيدة التي ترفع شعار "ممثل الشعب الصحراوي"، أصبح القضاء أمام هذا الوضع ضحية بدوره لهذه الأخطاء التاريخية الشائعة. وهنا أود أن أشير إلى أنه لا يُمكن للرباط أن تربح المعركة بدون وجود رؤية واضحة. لا يكفي الترويج للفولكلور الصحراوي أو احتضان المنطقة للملتقيات الدولية. هذا تصور خاطئ، وعلى المراهنين عليه أن يعترفوا بفشلهم، وأن يقدموا استقالتهم. أقصد أن إقصاء الصحراويين من الملف كان خطأ قاتلا، فلا بد من إشراك الفعاليات المحلية القادرة على طرح منظور آخر وإطلاق حوار حقيقي من أجل حل النزاع. ومن يتحمل المسؤولية إذن؟ يتحمل المسؤولية من يشرف على تدبير ملف الصحراء. لقد حان الوقت لتطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، الذي ينادي به الملك محمد السادس، لأن القضية تهم الجميع. اليوم أصعب مشكل مطروح في الساحة الدولية هو نزاع الصحراء لأنه بني في البداية على طرح خاطئ. هل نحن أمام ملف عرقي أم سياسي أم اقتصادي أم صراع بين دولتين كبيرتين (المغرب والجزائر) أم تصفية حسابات؟، أي أن هناك مجموعة من الأسئلة التي يجب إعادة بناء طرحها، وبناء استراتيجية معقولة للوصول إلى حل. الإشكال الذي وقعنا فيه بخصوص هذا الصراع هو أن الجانب الإنساني صار رهين الحلول السياسية، وهذا أمر غير مقبول بتاتاً، حيث تستمر جبهة البوليساريو في تكريسه، رافضة السماح لساكنة المخيمات باختيار حرية التنقل، لأن تندوف بدون صحراويين يعني زوال السجل التجاري، الذي تبيع وتشتري به على مستوى المساعدات الدولية، وحتى الحق الذي أقرته الأممالمتحدة لهؤلاء كلاجئين ترفض الجبهة تمتيعهم به. في مقابل ذلك، يتمتع سكان الصحراء في الأقاليم الجنوبية بكامل حريتهم، فهناك من اختار العمل السياسي الرسمي، وهناك من يعارض التصور المغربي، ولكنه يتمتع بحرية التعبير، وهذا أمر لا يمكن أن ينفيه أي أحد اليوم. تنتقد كثيراً عدم إشراك الصحراويين في القرارات المتعلقة بأرضهم، ولكن ماذا عن المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، الذي من بين مهامه إبداء الرأي فيما يستشار فيه من قضايا، سواء لها صلة بالدفاع عن الوحدة الترابية أو تنمية المنطقة؟ أعتقد أن صلاحيات هذا المجلس انتهت اليوم، والدولة هي التي عليها أن تقيم الدور الذي لعبه وتحاسبه، ولست أنا. علينا أن نكون واضحين، إذا لم تُحقق المؤسسات أهدافها الفعلية، فعلينا تغييرها، وليس الاكتفاء بالصورة التي يروج لها "الكوركاس". نمر إلى المفاوضات حول قضية الصحراء. فلأول مرة يحدد المغرب بشكل واضح مسؤولية الجزائر في الملف، إذ أكد خلال لقائه الأخير بالمبعوث الأممي أن الحل لا يمكن أن يكون بدون الجلوس مع الراعي الرسمي للكيان الانفصالي. هل تعتقد أن الجزائر لا تزال تتحكم في مسار الملف؟ أنا أؤكد، بحكم تواجدي سابقاً في تنظيم البوليساريو، أن الجزائر هي المسؤولة الوحيدة عن استمرار الصراع. الجزائر هي التي عملت على تغيير مسار البوليساريو لحظة تأسيسه. الجزائر هي التي تدخلت في شؤوننا الداخلية بعدما قتلت مصطفى السيد الوالي، مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، ثم بعد ذلك سجنت أتباعه وسجنتني أنا أيضا. ما تقوله فقط هروب من الواقع، كيف تنفي تورطها وهي تقوم بتسليح المخيمات وإعطاء جوازات سفرها للصحراويين؟! هذه دولة لا تُريد استقلال الصحراء، وسبق للرئيس الأسبق الهواري بومدين أن اعترف بذلك عندما قال قولته الشهيرة: "سنجعل من قضية الصحراء حجرة في صباط (حذاء) المغاربة"، ردا على حرب الرمال التي وقعت بين البلدين بسبب مشاكل الحدود. هل هذا يعني أن البوليساريو لا يُمكن اعتبارها طرفاً رئيسياً في قضية الصحراء؟ البوليساريو لا تمتلك الصفة لكي تفاوض المغرب حول الصحراء. يجب أن نحدد من هو الشعب الصحراوي الذي تدعي بأنها تمثله. ثم قبل الحديث عن مسألة الاستفتاء في الصحراء وجب توضيح مجموعة من النقاط حول الخلاف الواقع حول الجسم الناخب، أولاها أن البوليساريو قامت فقط بتسجيل السكان الذين سيصوتون لصالحها، والمعارضون تم رفضهم من قبل شيوخ القبائل. في هذه الحالة، لا يمكن أن يكون الاستفتاء حلاً للنزاع في ظل وجود طرف مقصي. أفهم من كلامك أن جميع الضربات التي توجه إلى المغرب تأتي من الجزائر. البوليساريو حركة عمودية يأخذ رئيسها كل يوم تعليماته من جنرالات الجزائر في مخيم الرابوني (مقر قيادة الجبهة بتندوف). هذا التنظيم سيطرت عليه الجزائر سنة 1975 وفعلت فيه ما فعلت بفرضها لمحمد ولد عبد العزيز لمدة أربعين سنة، والشيء نفسه بالنسبة إلى إبراهيم غالي المطلوب في المحاكم الدولية. بينما لم يتم إعطاء الفرصة للشباب المثقف، بل حتى رئيس شبيبة البوليساريو تجاوز سنة 70 سنة، لأن الجزائر تُريد الأشخاص أنفسهم، الذين يشتغلون لصالح مخابراتها ويخدمون مصالحها. لاقت خطوة إقحام الدبلوماسية المغربية لأول مرة رئيس جهة العيون ورئيس جهة الداخلية في اللقاء الأخير مع المبعوث الأممي، هورست كولر، إشادة واسعة. هل يمكن للتحرك الجديد أن يُعطي نفَساً جديداً للصراع القائم؟ فعلاً، علينا أن نقر بأن هذه خطوة ممتازة لأن الصحراوي هو من يستطيع الدفاع عن خصوصية منطقته، وهذا ليس بنظرة عرقية. أعتقد أن الخطوة هي بداية لإشراك الساكنة في القرارات الكبرى؛ الصحراوي يجب أن يجلس مع الصحراوي، ويتفاوض معه عن طريق الحوار البناء والمسؤول. يترقب المغرب قرار مجلس الأمن شهر أبريل المقبل، هل تعتقد أن الأممالمتحدة ستقحم نفسها في ملف الصراع الثروات الطبيعية؟ الحقيقة التي تتجاهلها البوليساريو هي أن ساكنة الصحراء تستفيد من خيرات وثروات المنطقة. هؤلاء يريدون أن يكون مصيرنا هو انتظار المساعدات الإنسانية والإعانات الدولية، التي يتم بيع 70 في المائة منها في الأسواق، حسب تقرير الاتحاد الأوروبي الذي فضح الجزائر والبوليساريو. لا أعتقد أن مجلس الأمن سيقحم نفسه في هذه الأمور، ولو تم ذلك ستحاصر المنطقة، ويقف الناس في طوابير ينتظرون إعانات الدقيق والسكر مثل ما يجري في المخيمات، وهو الهدف الذي تريد الجبهة الوصول إليه. ننتقل إلى استراتيجية المغرب في تدبير ملف الصحراء، هل تعتقد أنها كانت خاطئة ويجب تغييرها؟ أرى أنه لا تُوجد استراتيجية ناجحة إلى حدود الساعة. مثلا في كل سنة نذهب بوفود إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، بدون وجود أي استراتيجية مقنعة تقدم نتائج ملموسة إلى حدود الساعة. حان الوقت لإعادة النظر في هذه الاستراتيجية عبر إشراك جميع الفعاليات حتى لو كان الرأي مختلفا، وليس الاستماع فقط إلى المقربين والأعيان. عندما قررنا العودة إلى المغرب جئنا لنكون مواطنين ولنتحدث بصراحة. لا يُمكن أن نكون ديمقراطيين إذا لم نؤمن بالرأي والرأي الآخر. كيف ترى الأقاليم الجنوبية اليوم مقارنة بالأمس؟ هناك فعلاً نهضة حقيقية خلال عهد الملك محمد السادس، ولكن في الوقت نفسه هناك مشاكل كبيرة تتعلق بالتسيير بسبب الاعتماد على الأعيان وأشخاص بأعينهم. هناك من يوجد في بلديات أكثر من عقدين من الزمان، كما توجد جماعات وهمية تستنزف أموال الصحراء بدون جدوى أو فائدة. علينا أن نتجاوز منطق الأعيان ما دُمنا نتحدث عن الديمقراطية والشفافية. الأولوية في الصحراء، اليوم، هي تشغيل الشباب العاطل، وتوجيه البرامج نحو استقطاب هذه الفئات التي تُعاني في صمت، أين هؤلاء الأعيان ورؤساء البلديات وبرلمانيو الصحراء من كل هذا؟ هل تقصد أن النخب التي تسير الصحراء باتت خارج القانون، وتستفيد من الخصوصية التي تحظى بها المنطقة؟ نعم، القانون المعمول به في مختلف أقاليم وجهات المملكة لم يصل بعدُ إلى الصحراء المغربية. الصحراء لا يمكن أن يخدمها شخص واحد. كما أن الوضع القائم تنطبق عليه المقولة الشعبية: "واش كاين شي حد يهرب من دار لعرس؟". الجواب قطعاً لا، لأن هناك أسماء معروفة تستفيد من الريع والأموال و"الكريمات" منذ سنة 1975. للأسف، نحن في القرن الواحد والعشرين وما زالت المنطقة تسير بالعقليات السابقة ذاتها. نختم حوارنا بالأوضاع الداخلية في مخيمات تندوف، إذ تُشير التقارير الإعلامية إلى ارتفاع منسوب الاحتقان إلى أعلى درجاته بسبب تراجع الدعم وانسداد الأفق. هل نحن أمام قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة؟ فعلاً، الأخبار القادمة من هناك تؤكد أن الوضع مزرٍ جداً. الشباب هناك لم يعودوا يتحملون الوضع، خصوصا الحاصلين على الشواهد العليا من كوبا ومناطق أخرى، هل يعقل أن يشتغل هؤلاء في لجان وخلايا شعبية، ناهيك عن أن أكثر من 500 طبيب فروا من المخيمات إلى أوروبا. سياسة إغلاق الحدود في وجه هؤلاء الشباب ستؤدي إلى انفجار الأوضاع لا محالة، أو الارتماء في براثن التطرف والإرهاب الموجود في منطقة الساحل والصحراء.