في سوق شعبي وسط مدينة بوجدور، تُلفت انتباهَ الزائر أكوامٌ من أكياس الدقيق من فئة 50 كيلوغراما، وصناديق الزيت، وعُلب الحليب المجفف، فضلا عن صناديق السكر، تحمل شعار "القوات المسلحة الملكية"، مصفوفة داخل وأمام محلات البقالة. يتم جلب هذه المواد الغذائية إلى مدينة بوجدور من مدينة أكادير، وهي مخصصة لقاطني مخيم الوحدة، وهم مواطنون جرى استقدامهم من مختلف المدن المغربية بعد المسيرة الخضراء من أجل إعمار المدينة وتمّ توطينهم في مخيّم وسطها. ومنذ ذلك الحين، والدولة تخصص مساعدات غذائية، عبارة عن دقيق وسكّر وزيت وحليب... لسكان مخيم الوحدة ببوجدور، لتشجيعهم على البقاء في المدينة، لكنّ هذه المساعدات انزاحت عن الهدف الذي وُجدتْ من أجله، وأضحت وسيلة لدى بعض الجهات للإثراء. المعلومات التي حصلتْ عليها هسبريس خلال زيارتها إلى مدينة بوجدور تُفيد بأنَّ توزيع المساعدات الغذائية على سكان مخيم الوحدة تشوبه اختلالات كثيرة؛ أبرزها أنّ هذه المساعدات أصبحت تستفيد منها "لوبيات" تُعيد بيْعها لأصحاب محلات البقالة. خلال الجولة التي قمنا بها في سوق شعبي وسط بوجدور، وقفنا على محلات للبقالة تكاد لا تبيع سوى الدقيق والزيت والسكر والحليب المجفف المخصص لسكان مخيم الوحدة، رغم أن هذه المواد الغذائية تُرسَل إلى الصحراء كمساعدات إنسانية وليس من أجل إعادة بيعها. وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها، فإنَّ بعض سكان مخيم الوحدة يعمدون إلى بيع المواد الغذائية التي يتوصلون بها من أجل ربح مالٍ لسدّ مصاريف أخرى، لكنّ ما يبيعه هؤلاء المواطنون البسطاء لا يشكل سوى الجزء الظاهر من الشجرة التي تخفي غابة الفساد الذي يعتري توزيع المواد الغذائية المخصصة لسكان مخيم الوحدة. ومن خلال البحث الذي قامت به هسبريس، تبيّن أنَّ كميّات المواد الغذائية التي تستفيد منها كل أسرة لا تتعدى لترا ونصف لتر من زيت المائدة، وعشرة كيلوغرامات من الدقيق الأبيض، وقالب سكر ونصف القالب، و300 غرام من الحليب المجفف، وقارورة صغيرة من زيت الزيتون، وعلبة شاي، وكيلوغراما واحدا من الأرز، ومثله من العجائن والعدس. إذا باعت أيُّ أسرة ما تتوصّل به من مساعدات، فإنَّ ذلك يتمّ بالتقسيط، لكنّ محلات البقالة في مدينة بوجدور، كما عاينت هسبريس، تضمّ صناديق كاملة من السكّر، لم تُفتح بعد، وأكياسا من الدقيق، وعلب حليب مجفف من الحجم الكبير... وهو ما يعني أنَّ هذه المواد تُباع ب"الجُملة" من طرف جهات معينة. "هناك لوبي كبير يتلاعب في هذه المساعدات"، يقول فاعل جمعوي بمدينة بوجدور في حديث لهسبريس، مضيفا: "هناك مهرِّبون يحصلون على المواد الغذائية المخصصة لسكان مخيم الوحدة، ويعيدون بيعها لأصحاب محلات البيع بالجملة في بوجدور وفي مدن أخرى، والفقراء الذين يعيشون في المخيم لا يصلهم إلا الفتات".