لم يكن مسعود بن محمد يتخيل أنَّ الأرض التي وُلد وترعرع فيها وعمّرها أربعا وثمانين سنة، وعمّرها قبْله أجدادُه قرونا من الزمن، ستُصدِر المحكمة حُكما ضدّه بإفراغها، لصالح شخص يتزعم شبكة متخصصة في السطو على العقارات، فباتَ مسعود، وهو في آخر سنوات عمره، مهدّدا بالتشرد. ليس مسعود بن محمد الوحيد المهدّد بإفراغ الأراضي التي ورثها عن أجداده. ففي جنوب المغرب، توجد مئات العائلات التي صدرت أحكام قضائية بنزع أراضيها منها، لفائدة مافيا العقار، وهناك عائلات نُزعت منها أراضيها بالفعل، فيما تضع عائلات أخرى أياديها على قلوبها، في انتظار ما سيقوله القضاة في باقي مراحل التقاضي. مافيا العقار هي مجموعةُ أشخاص يشكّلون شبكة متشعّبة تسطو على الأملاك العقارية للمواطنين، عن طريق تزوير عقود المِلْكيّة، والاستعانة بشهود الزُّور؛ لكنّ ضحايا هذه المافيا يقولون إنّه ما كان لها أنْ تتجرّأ على تزوير العقود، وتزوير أختام الدولة، ومنازعة المواطنين في أراضيهم، لولا تواطؤ بعض القضاة ومسؤولين إداريّين. منذ سنة 1990، بدأ نشاط مافيا العقار في المغرب، حيث تمكّنت من الاستيلاء على أراضي مجموعة من المواطنين، وتمَّ تسجيلها في المحافظة العقارية، ولم يكتشف المواطنون أنَّ أراضيهم سُلبتْ منهم إلا بعد أن شرعت مافيا العقار في استغلالها، ويتساءل الضحايا كيف أمْكن لهذه المافيا أنْ تَسلبَ منهم أراضيهم، وتسجّلها في اسمها، دون أن يثير ذلك انتباه السلطات المختصّة؟ مُعدّ التحقيق انتقل إلى مدينة تيزنيت، البعيدة عن العاصمة الرباط بحوالي 550 كيلومترا، والتي تُعدّ من أكثر المناطق التي تنشُط فيها مافيا العقار. ومن خلال الاستماع إلى الضحايا والاطلاع على مئات الوثائق ومحاضر الدرك الملكي والمحاكم، تبيّن أنّ أحكام نزْع أراضي المواطنين من لدن مافيا العقار تشوبها اختلالات كثيرة، تفوح منها رائحة الفساد. أحكام قضائية جائرة مُعدّ التحقيق قصَد قرية إفْرض، التابعة لإقليم سيدي إفني. في هذه القرية الصغيرة يعيش محمد بن مسعود. لم يستفق هذا الشيخ الثمانيني بعدُ من صدمة الحُكم الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير، والقاضي بتجريده ومعه كافّة سكان القرية التي تقطنها 200 أسرة، من أملاكهم العقارية التي توارثوها أبا عن جدّ، وتصل مساحتها الإجمالية إلى عشرة كيلومترات مربعة. الحُكم القضائي الصادر ضد سكان قرية إفْرض في الملف رقم 1986/2016، بتاريخ 15 فبراير 2018، تحوم حوله علامات استفهام كثيرة، حسب ما يقول السكان؛ ذلك أنه سبق لهم أن حصلوا على حُكم مُنصف في الابتدائي بتيزنيت والاستئناف بأكادير، وحين وصل الملف إلى محكمة النقض بالرباط أعادته إلى محكمة الاستئناف بأكادير، وتولّت البتَّ فيه هيئة قضائية جديدة، وجاء الحُكم هذه المرة ضد مصلحة السكان. المثير في هذا الملف هو أنَّ زعيم مافيا العقار، الذي يسعى إلى السطو على أملاك سكان قرية إفْرض، قدّم للمحكمة وثيقة ادّعى أنها عقْد كراء أكْرى بموجبه الأملاك العقارية التي يريد الاستيلاء عليها إلى شخصيْن، يُدْعيان أحمد بيروك ومحمد أكشور، لكي يُثبت أنه هو صاحبُها الأصلي، لكنّ السكان اكتشفوا أنّ هذا العقد مزوّر، فمحمد أكشور توفي بتاريخ 12/08/1997، بينما يحمل عقد الكراء تاريخ 27/12/1999، أي أنّه أُبرم بعد عاميْن من وفاة الشخص المَكريّ له! وبالرغم من أنّ محامي السكان المتضررين نبّه المحكمة إلى أنَّ عَقد الكراء الذي أدلى به زعيم مافيا العقار، المُسمّى الحسن الوزاني والملقّب ب"بوتزكيت"، وهو أبرز الوجوه المتزعمة لمافيا العقار بالجنوب، مزوَّر؛ فإنّ المحكمة لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار، وحَكمت ضدّ السكان بإفراغ أراضيهم لفائدة بوتزكيت، بل أكثر من ذلك حكمت عليهم بأداء تعويض لفائدته قيمته 20 ألف درهم. يبْسُط محمد لموش، وهو أحد سكان قرية إفرض، على مكتبٍ داخل مقر جمعية أنشأها سكان القرية عشراتِ الوثائق التي تؤكّد أنّ الوثائق التي قدمها زعيم مافيا العقار الذي يريد تجريدهم من أملاكهم العقارية مزوَّرة، متسائلا باستغراب "كيف يُعقل ألّا ينتبه القاضي الذي حَكم علينا بإفراغ أراضينا إلى هذه الوثائق المزّورة التي بَنى عليها حُكمه؟". يُجيب رجلان من رجال القرية الخمسة، الذين كانوا بمعيّة محمد لموش حين لقائنا معه، عن السؤال الذي طرحه بالقول: "زعيم مافيا العقار لديه شبكة واسعة من العلاقات مع جهات نافذة، سواء في الإدارة أو في المحاكم، يستغلها لإصدار أحكام قضائية لصالحه، بالرغم من أنّ الوثائق التي يُدلي بها أمام المحكمة مزوّرة". سكان قرية إفرض توجهوا إلى محكمة الاستئناف بأكادير، بعد أن حكمت ضدّهم، وخاضوا وقفة احتجاجية أمام مقرّ المحكمة، رفعوا خلالها لافتات تحمل شعارات غاضبة، من قبيل: "ضحايا بوتزكيت يستنكرون تعامُلَ القضاء مع ملفاتهم وشكاياتهم". كما وجه السكان أيضا مراسلة إلى كل من المفتش العام لوزارة العدل والوكيل العام للملك بمحكمة النقض بالرباط يطالبونهما فيها بإيفاد لجنةِ تحقيقٍ في الموضوع، قصد وقف قرار تجريدهم من أراضيهم، بعد الحُكم الصادر ضدهم عن محكمة الاستئناف بأكادير، والذي يصفونه ب"الجائر". منذ شهور، لم يعد محمد لموش وغيرُه من سكان قرية إفرض منشغلين سوى بتتبّع مصير قضيتهم داخل أروقة المحكمة، وعندما يجتمعون في مقر جمعيتهم لا يناقشون سوى موضوع سعْي مافيا العقار إلى تجريدهم من أراضيهم، والذي أضحى كابوسا يقضّ مضجعهم؛ ففي حال أيّدتْ محكمة النقض بالعاصمة الرباط الحُكم الصادر عن محكمة الاستئناف بأكادير، فإنهم سيضطرون إلى الرحيل عن منازلهم وإفراغ أراضيهم التي توارثوها أبا عن جدّ، والتي يمارسون فيها أنشطتهم الزراعية، ولا يملكون مصدرَ عيش آخرَ غيرَها. وفي انتظار ما ستقوله محكمة النقض، يُبدي سكان قرية إفرض تمسّكهم بأراضيهم؛ فهم أصحاب حق، كما يقولون. يشدُّ محمد بن مسعود قبضته المرتعشة على كُوع عُكازه ويقول بتحدٍّ: "منذ اثنيْ عشر عاما وأنا في المحاكم مع بوتزكيت، لقد أثبتنا عليه الإدلاء بعقود ووثائق مزوّرة والسرقة. جاءت لجنة تحقيق إلى قريتنا؛ لكنَّ زيارتها لم تُسفر عن أي نتيجة.. سندافع عن حقنا، ولن نتخلى أبدا عن أرضنا مهما كلّفنا ذلك من ثمن". يقول محمد لموش إنَّ بوتزكيت يريد تجريد سكان قرية إفرض من أراضيهم انتقاما منهم، بعد أن طعنوا في أهليته كرئيس لبلدية سيد احساين أوعلي، نظرا لكونه شخصا أميا ولا يتوفر على شهادة التعليم الابتدائي كما ينص على ذلك القانون، ونجحوا فعلا في عزله، ومنذ ذلك الحين وهو يقود حربا ضدّهم للاستيلاء على أراضيهم. يقول العربي، وهو من رجال قرية إفرض: "بوتزكيت دمّر حياتنا، لم نعد نفعل شيئا سوى التنقل بين المحاكم، ونعيش وسط خوف دائم من أن يتمّ تجريدنا من أراضينا ونصير بدون مأوى". عقود مزوّرة وشهودُ زُور السلاح الذي تستعمله مافيا العقار للاستيلاء على أراضي المواطنين، حسب الشروحات التي قدمها لنا المحامي عمر الداودي، محامي سكان دوار إفرض، هو الوثائق المزوّرة وشهود الزور؛ وهو ما يسهّل عليها عملية الاستيلاء على الأراضي في المناطق القروية، حيث دأب الناس على توارث الأملاك العقارية أبا عن جد، وفْق الأعراف المؤطّرة لعلاقات الناس، دونما حاجة إلى توثيق ذلك في عقود إدارية. داخل مكتب المحامي عمر الداودي في العاصمة الرباط، توجد عشرات ملفات الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّ بوتزكيت، وضدَّ متزعمين آخرين لمافيا العقار بجنوب المغرب. يقول عمر الدوادي، وهو جالس خلف ركام من الملفات الحمراء، إنَّ المنطقة الجنوبية تمّ تقسيمها إلى ثلاث مناطق يسيطر عليها ثلاثة من زعماء مافيا العقار؛ الأول يسيطر على منطقة كلميم، والثاني على سيدي إفني، والثالث يسيطر على اشتوكة أيت باها، ولديهم شبكة مشتركة من شهود الزور، بواسطتهم يسطون على أراضي المواطنين. في مدينة تيزنيت، يجتمع شهود الزور في مكان قرب المحكمة الابتدائية. تستغل مافيا العقار هؤلاء "الشهود" من أجل السطو على أراضي المواطنين، مقابل عمولة. مُعدّ التحقيق حصل على وثائقَ يؤكّد فيها عدد من شهود الزور أمام المحكمة أنهم أدلوْا بشهادتهم لفائدة بوتزكيت مقابل أموال أو قناني خمر تارة، وتارة أخرى تحت تهديدهم بإرسالهم إلى السجن، لتورّطهم في الإدلاء بشهاداتِ الزور. يقول أحد شهود الزور، ويُدعى (م. م)، في محضر استنطاق بعد مثوله أمام نائب وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بتيزنيت، بتاريخ 03/11/2017، "أعترف بأنه لحظة إيقافي كنت في حالة سُكْر..". ويضيف: "لقد سبق لي أن أدليت بالشهادة رفقة المسمى الوهابي لفائدة الحسن الوزاني (متزعم مافيا العقار المعروف ببوتزكيت)، جرّاء الضغط علينا وتهديدنا، كما طلب منا الحضور إلى الجلسة بمحكمة الاستئناف بأكادير لأداء شهادة الزور (...) كما أن المسمى الحسن الوزاني يقوم بشراء الخمر لنا". هذا الشاهد حكمت عليه المحكمة الابتدائية بتيزنيت بخمس سنوات سجْنا نافذة. شاهد آخر يُدعى (ب. و)، اعترف، في إشهاد بالتنازل لأحد ضحايا مافيا العقار عن شهادة زور سبق أن أدلى بها لفائدة بوتزكيت، بأنّ الشهادة التي أدلى بها أمام قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بأكادير، بتاريخ 14/09/2017، تم تلقينها له من طرف زعيم مافيا العقار، مضيفا: "أقول إنني أديت شهادة الزور وأنا في ظروف جد قاهرة، وتحت التهديد والتسلط من طرف المستفيد منها المعروف في المنطقة بجبروته والترامي على أملاك الغير". ويعترف شاهد زور آخر، يُدعى (ك. م)، في محضر حُكْم ابتدائي صادر ضدّه عن المحكمة الابتدائية بكلميم، بأنّه أدلى بشهادتيْ زور لفائدة بوتزكيت، وأدلى بوقائعَ غير صحيحة، مقابل تسلّمه مبلغا ماليا". ويقرّ شاهد الزور هذا بأنّه طلب من المشتكي به، ويدعى ازيكي أحمد، والذي له نزاع مع بوتزكيت، أنْ يسلمه مبلغ 2000 درهم، من أجل التنازل عن الشهادة التي أدلى بها ضده. هذا الشاهد حُكم عليه بدوره، في الطور الابتدائي، بأربع سنوات حبسا نافذة، وغرامة نافذة قدرها 500 درهم، وأداء تعويض لفائدة المشتكي قدره 4000 درهم. وبالرغم من أنَّ عددا من شهود الزور أقرّوا بأنَّ الشهادات التي أدلوا بها لفائدة زعيم مافيا العقار، مزوّرة، وبالرغم من أنّ عددا منهم تمّ سَجنهم، فإنَّ القضاء ما زال يعتمد على شهاداتهم، بالرغم من أنها مزوّرة؛ وهو ما يجعل سكان قرية إفرض، وقرى أخرى نواحي مدينة تيزنيت مثل "تكانت" و"أندجا"، في حيْرة من أمرهم، ويتساءلون: "كيف يُعقل أن يعتمد القضاء على شهادات أشخاص يعترفون بأنفسهم بأنّهم شهودُ زور؟". تراجيديا ملف السطو على أراضي المواطنين في الأقاليم الجنوبية لا تتوقف عند حدّ استعانة مافيا العقار بشهود الزور؛ بل إنّ هذه المافيا متورّطة في تزوير عقود المِلكية وفي تزوير أختام الدولة، حسب ما أكّدته خِبرة معهد علوم الأدلّة الجنائية التابع للدرك الملكي، والتي اطلع مُعدّ التحقيق على مَحاضرها. الخلاصة التي انتهت إليها الخبرة الخطية، التي قام بها معهد علوم الأدلّة الجنائية، هي أنَّ الأختام التي استعملها بوتزكيت، زعيم مافيا العقار بتيزنيت ونواحيها، يوجد اختلاف بينها وبين الأختام الأصلية التي يستعملها المسؤول المكلف بتصحيح الإمضاءات في البلدية. كما خلُصت الخبرة إلى أنّ التوقيع المنسوب إلى المسؤول المكلف بتصحيح الإمضاءات غير صادر بخط يد هذا الأخير، وإنما هو نتيجة لمحاولة تقليد توقيعه الصحيح". محاضر معهد علوم الأدلّة الجنائية، التي اطلع عليها معد التحقيق، تكشف جملة من الخروقات التي قام بها بوتزكيت؛ ومن بينها أنَّ التوقيع ببصمات الأصبع الذي استعمله في أحد عقود البيع غير مطابقة لبصمات الأصابع الخاصة بالشخص الذي ادّعى أنّه باع له قطعة أرضية، والذي كان يسمى قيْد حياته بوراس أحمد؛ بل إنّ هذه البصمات لا يوجد مثيل لها في بنك المعلومات الخاص بالبصمات المخزنة لدى إدارة الدفاع الوطني، حسب ما جاء في محاضر علوم الأدلة الجنائية. أواخر شهر دجنبر الماضي، أصدر قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف بأكادير أمرا بإحالة بوزكيت على غرفة الجنايات، مثقلا بتُهمتيْن ثقيلتيْن، وهما "التزوير في محرَّر رسمي"، و"التزييف والتزوير في الطوابع الوطنية والتوصل بغير حق لها واستعمالها واستخدامها". وتتراوح عقوبة هذه الأفعال بين 5 سنوات إلى 20 سنة، حسب ما ينصّ عليه القانون الجنائي المغربي؛ لكنّ بوتزكيت لم يُعتقل، إذ اكتفى القضاء بمتابعته في حالة سراح، بالرغم من خطورة الأفعال التي اقترفها، وهو ما يطرح سؤال مدى جدّية السلطات في محاربة مافيا العقار. "نحن لا نفهم لماذا لم تأمر النيابة العامة باعتقال بوتزكيت، بالرغم من أنّ الأفعال التي اقترفها خطرة. ولا نفهم كيف يتمّ اعتقال شهود الزور الذين كان يستخدمهم بوتزكيت للسطو على أراضي المواطنين، بسبب الإغراءات تارة، وتحت الضغط تارة أخرى، بينما لم يتمّ اعتقاله هو، بالرغم من أنه هو من يَحْملهم على الإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة"، يتساءل محمد بوطعام، الصحافي المتابع والعارف بخبايا ملفِّ مافيا العقار في الأقاليم الجنوبية. محمد بوطعام كان أوّل صحافي يفتح ملف مافيا العقار، مَطلع شهر يناير سنة 2014، حينَ سجّل مقطع فيديو مع سيّدة طاعنة في السن تُدعى إبا إيجو، اضطرت إلى الاعتصام أمام المحكمة الابتدائية بتيزنيت، بعد أن طردها بوتزكيت من مَسكنها. ومنذ ذلك الحين، يتعرّض محمد بوطعام للانتقام من لدن مافيا العقار، حيث رفع ضده بوتزكيت دعوى قضائية كيْدية ما زالت جارية أمام محكمة الاستئناف بأكادير، يتهمه فيها بالابتزاز، وهي التهمة التي ينفيها بوطعام، ويقول إنّ الهدف منها هو إسكات صوته المزعج لمافيا العقار. محمد بوطعام ليس الضحية الوحيد لمافيا العقار بتيزنيت، بل هناك ضحايا كُثر، سُلبت منهم أراضيهم، عن طريق تزوير العقود والاستعانة بشهود الزور، ومنهم مبارك حافظ. يقول هذا الأخير في محضر الاستماع إليه من طرف الدرك الملكي إنّ بوتزكيت هدّده وعائلتَه بالسطو على جميع أملاكهم العقارية، في حال عدم التصويت لفائدة ابنه المسمى (ب.و) ومساندته في الانتخابات البلدية التي جرت شهر شتنبر 2015. وأمام رفْض وإصرار مبارك حافظ على عدم مساندة ابن بوتزكيت في الانتخابات، بحُكم أنه موظف جماعي، ويلزَمُه أن يكون محايدا، رفع ضده بوتزكيت دعوى قضائية لإفراغه وعائلته من أرضهم التي سكنوها وسكنها قبلهم أبوهم وجدّهم، بداعي أنّ هذه الأرض في ملكيته. وصرّح مبارك حافظ بأنّ بوتزكيت قدّم عَقدا مزورا، كما زوّر توقيع ضابط الحالة المدنية، ويُدعى الحسين أولكان، وكان مسؤولا عن تصحيح الإمضاءات. هذا الأخير أكّد بدوره في محضر الاستماع إليه من لدن الدرك الملكي أن بوتزكيت زوّر توقيعه الذي دَمغ به العقد الذي يريد أن يستولي به على أرض عائلة مبارك حافظ، وكذلك الخاتم الذي مَهَر به العقد. وحسب الوثائق التي اطلع عليه معدّ التحقيق، فإنّ هناك فوارقَ صارخة بين عقود الملكية الأصلية التي يحوز بها السكان أراضيهم، والعقود التي يُدلي بها بوتزكيت. في لقائنا به بمدينة تيزنيت، بَدا مبارك حافظ، والذي يشغل منصب مدير المصالح الجماعية للجماعة الترابية سيدي حساين أوعلي بإقليم سيدي إفني، في حالة نفسية سيّئة. فمنذ سنتيْن وهو في صراع مرير مع زعيم مافيا العقار بوتزكيت. ويضطر إلى ترك عمله وقطع عشرات الكيلومترات متنقلا بين تيزنيت وأكادير لحضور جلسات المحاكمة، وأكثر من ذلك أصبح يعيش في خوف دائم على حياته، بعد أنْ حاولت مافيا العقار اختطافه يوم 16 مارس 2017، وسط مدينة تيزنيت؛ لكنه تمكّن من الإفلات من أيدي ثلاثة أشخاص كلفتهم مافيا العقار باختطافه، حسب الرواية التي أدلى لنا بها. وبقدْر ما يُبدي سكان قرية إفرض وغيرها من القرى في سيدي إفنيوكلميم واشتوكة أيت بها خوفهم من أن يتم تجريدهم من أراضيهم، فإنّهم، في المقابل، يُبدون استعدادا لمواجهة مافيا العقار إلى ما لا نهاية. يقول محمد لموش: "إذا حكمت علينا المحكمة بالإفراغ فإننا سنظلّ بلا مأوى؛ لكننا لن نستسلم، وسنضطر إلى حمل عائلاتنا ونعتصم في مقر البلدية". أما بوتزكيت، الذي يُعدّ أشهر متزعم لمافيا العقار بالجنوب، فقد رفض رفضا باتّا الحديث إلى معد التحقيق، ولم ينفق علينا، حين اتصالنا به سوى كلمة واحدة: "أنا لا أتحدث إلى الصحافة"؛ ثم أقفل الخط. وثائق: