تمخضت الجلسة العلمية الأولى للجامعة الشتوية لجامعة الحسن الأوّل بسطات، المنطلقة اليوم الثلاثاء، عن إجماع المشاركين فيها على أهمّية الدور الذي يلعبه المجتمع المدني في الدفع بعجلة الديمقراطية والتنمية إلى الأمام، لكنهم أكدوا أنَّ ثمَّة نواقصَ عديدة ينبغي معالجتها من أجل أن تلعب مؤسسة المجتمع المدني دورَها في مجال الديمقراطية التشاركية. نجيب الحجوي، أستاذ التعليم العالي بجامعة الحسن الأول بسطات، استهلَّ عرضه بالإشارة إلى أنَّ المجتمع المدني يشكّل مَدخلا أساسا لقياس مدى ديمقراطية النظام السياسية، فكلما كان المجتمع المدني حيويا ونشيطا، دلّ ذلك على وجود هامش من الديمقراطية والحرية، وكلما غُيّب المجتمع المدني، فإن ذلك يعني "أننا أمام دولة سلطوية"، يقول المتحدث. ودافع الحجوي، الذي تحدث في موضوع "المجتمع المدني والخطاب العمومي"، عن مبدأ أن يكون المجتمع المدني شريكا سياسيا، وألا يكتفي فقط بالأدوار المدنية، قائلا: "أنا ضدّ أن يكون المجتمع المدني في منأى عن ممارسة السياسة، لأننا حين ننزع منه السلطة فإننا نبخس عمله"، غير أنه تساءل حول ما إذا كان المجتمع المدني المغربي قادرا على لعب هذا الدور. في هذا الإطار، أشار الحجوي إلى غياب المجتمع المدني، كطرف وسيط، في الأحداث الاجتماعية التي شهدها المغرب في الآونة الأخيرة، مثل احتجاجات الريف وجرادة، متسائلا "هل لعب المجتمع المدني دوره إبان هذه الأحداث أم توارى إلى الخلف؟". عبد الرحيم العلام، أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض بمراكش، عاد إلى أصول المجتمع المدني لنزع الالتباسات الملتصقة بهذا المفهوم، انطلاقا من تصورات عدد من الفلاسفة الغربيين، معتبرا أنَّ المبدأ الذي يجب أن يُبنى عليه عمل المجتمع المدني هو خدمة المصلحة العامة، بعيدا عن أي سعي إلى تحقيق مصالح شخصية. وفيما عرف عدد جمعيات المجتمع المدني في المغرب تزايدا مُلفتا خلال السنوات الأخيرة، بلغ حوالي 150 ألف جمعية، قال العلام إنّ الجمعيات الحقيقية، التي يعمل المتطوعون المنخرطون بها بتجرّد من الذاتية، ويسهرون على خدمة الآخرين، لا تمثل سوى نسبة عشرة في المائة أو أقلّ من عدد الجمعيات الموجودة بالساحة. وقدّم العلام عددا من الشروط التي يجب أن تؤطّر عمل المجتمع المدني، كتأطير المواطنين وفق رؤية حقوقية مبنية على الواجبات قبل الحقوق، والتشجيع على تنظيم المواطنين ضمن هيئات مدنية قوية يطبعها التجانس والقيَم النبيلة، والتركيز على القيم الحضارية والوطنية ونبذ العنف. وتساءل عبد الجبار عراش، أستاذ القانون العام بجامعة الحسن الأول بسطات، في مستهلّ عرضه، عن مدى توفر المغرب على سياسات عمومية حقيقية، قبل أن يجيب بأن "المغرب لا يتوفر على سياسات عمومية بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم". واعتبر عراش أنَّ المجتمع المدني يعدّ عنصرا فاعلا لخدمة المسلسل التحويلي التحديثي والمسار الديمقراطي، ويلعب دورا في التنشئة السياسية، كما أنه يفرز نخبا جديدة ويهيّئها لتحمّل المسؤولية، مضيفا أن المجتمع المدني قادر على تطويق الإشكالات المجتمعية إذا توفرت له الآليات الكفيلة للعب دوره على النحو المطلوب.