لم تكن قناة الجزيزة مطالبة بأن تصنع لنا في المغرب ثورة على مقاسها، أو أن ترعى لنا مخاض الشارع المغربي، فهذا شأن مغربي خالص و أهل فبراير- نسبة لحركة 20 فبراير - أدرى بشعابها، و لكنه كان من باب اللباقة الإعلامية طالما لا يمكننا الحديث عن المهنية الإعلامية الثورية التي اختلت كثيرا عند القناة القطرية نتيجة التداخل السياسي و الإعلامي في الموضوع، أن تقف الجزيرة على قدم المساواة بين ما يحدث في العالم العربي طالما أن الشعوب هي من تصنع الحدث. سواء أثورة كانت كما هو الشأن في تونس و مصر و ليبيا و سوريا و اليمن، أو ثورة صامتة بموصفات خاصة و هو الشأن في المغرب. اللهم إذا كانت ملايين المغاربة التي خرجت منذ 20 فبراير 2011 و ما تزال تخرج لا يمكن وصفها بالشعوب أو تنقصهما مواصفات الجودة الشعبية إيزو! المشاهد المغربي يفك ارتباطه بالجزيرة إلى ما قبل 20 فبراير 2001 ظلت الجزيرة القناة الإخبارية المفضلة عند المغاربة كما هو الشأن في باقي الوطن العربي، سيما بعد وقفتها البطولية الشجاعة مع ثورتي تونس و التحرير بمصر. بيد أنه و مع بداية الحراك الشعبي المغربي الهادر في 20 فبراير، بدأ المشاهد المغربي يلمس برودا فعليا وغريبا في كيفية التعاطي مع الملف المغربي؟ علما بأنه كان للقناة بالمغرب مكتبا من أكبر مكاتبها بالعالم ضم حولي العشرات من العاملين ما بين صحفيين و فنيين و تقنيين و متعاونين! ما يعني إطلاعها على خبايا تضاريس الخارطة المغربية بامتياز؟بل لهذا السبب أعلن المخزن حربه الشعواء على مكتبها بالرباط متهما إياه بعدم الحياد، و بالتدخل في الشأن الداخلي المغربي، و التدخل في الشأن الداخلي حسب قاموس المخزن، هو القيام بتقارير و تحقيقات إعلامية عن المغرب المهمش، و إبراز النصف المخفي من الوجه الحقيقي لعالم أقل ما يمكن نعته بأنه لا علاقة له بالبشر أو ببشر القرن الواحد ة العشرين! مثل الأطفال الذين يموتون بالبرد بأعالي جبال الأطلس و منطقة أنفكو تحديدا، أو العائلات الفقيرة التي تقطن المراحيض و تحمل وثائق إدراية بهذا العنوان اللا كريم !و غيرها من العورات الإعلامية التي يحاول النظام طمسها و إظهار كل ما هو حسن على غرار كل الأنظمة اللا ديمقراطية التي يكون فيها الإعلام العمومي مكبل من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه لا يتحرك فيها إلا بمنطق بالتعليمات و التلميعات. في البدء تريث المشاهد المغربي على تقييم أداء القناة، سيما و أن الحراك في المغرب كان و ما يزال و سيظل إن شاء الله سليما حضاريا هادئا. و كانت الجزيرة يُهتَف بها في المسيرات على أساس أنها نموذج للإعلام المهني غير المتحيز، في مقابل طرد طواقم القناتين المخزنيتين الأولى وصديقتها الثانية من المسيرات من دون الاعتداء عليهما، حتى أن القناة الثانية أصدرت تعليمات داخلية لطواقمها بحذف علامة القناة من على سيارات الخدمة حتى لا يتعرض العاملون بها لمضايقات الجماهير الغاضبة على أدائها غير المهني و البعيد عن الموضوعية بعد كوكب المريخ عن منطقة عين السبع مقر القناة الثانية!حيث لا تغطي المسيرات المطالبة بالتغيير و التي تصل إلى مئات الآلاف، في مقابل خوضها لحملة أو بوصف أدق لحرب تشويهية على العناصر المساهمة في المسيرات، في حين تفتح أبوابها لكل ناقد أو ناقم على حركة 20 فبراير! بيد أن الأيام و الأشهر الموالية كشفت عن أشياء تحت الحمراء! أي تلك التي لا ترى بالعين المجردة، من قبيل مغازلة المغرب للانضمام لحلف الرياض و العائلات البترولية، و كذا الكرم الحاتمي لوزارة الاتصال المغربية بالسماح للقناة التي كان مغضوبا عليها لتغطية عملية الاستفتاء على الدستور الجدلي الذي ما يزال الشارع الهادر لا يعترف به مطالبا بجمعية تأسيسية غير معينة من أعلى. ما يعني أن الجزيرة تخص المغرب بمعاملة تفضيلية في تغطيتها له، و المعاملة التفضيلية بتعبير الأشقاء هناك هي اعتبار المغرب بلدا خليجيا، لأن دول الخليج تُعامل معاملة تفضيلية استثنائية، بخصم إعلامي قد يصل إلى 100% بالمائة، نموذج تغطية أحداث البحرين التي لا تجد لها همسا و لا حسا على قناة الجزيرة الإخبارية! خديجة بن قنة و الفولكور الثوري ! في نشرتها المغاربية ليوم الأحد 18 سبتمبر و التي كانت تقدمها الإعلامية الجزائرية خديجة بن قنة، المشهور بتحيتها الختامية عند كل نشرة تقدمها :مع أطيب المنى، مستضيفة فيها هاتفيا الناشط في حركة 20 فبراير بالدار البيضاء السيد حمزة محفوظ، وصفت السيدة بن قنة أو السيدة أطيب المنى اختصارا المظاهرات الأسبوعية التي تعم كل مدن و قرى المغرب، بأنها قد تصبح مجرد فولكلور ثوري؟ و للأمانة فلو أن إعلاميا آخرا غير جزائري عامل بالقناة القطرية قال هذا الوصف و الكلام لكان الوضع عاديا، و لا أعتقده يصدر منه بتاتا! و الشاهد هنا التاريخ و المصطلح. فأما التاريخ فقبل يوم من هذا التاريخ أي يوم السبت 17 سبتمبر كانت هناك جهات ما تقوم بدعوة فايسبوكية للخروج و إطلاق ثورة بالجزائر الشقيقة، داعية الشباب الجزائري للانتفاض و الثورة على النظام هناك !الشيء الذي لم يحصل في هذا اليوم الأغر حسب وصف قصر المرادية بالجزائر، و قبل هذا التاريخ أطلقت الصحافة الجزائرية المقربة من السلطة أو المرضي عنها من أعلى مدفعيتها الثقيلة على أطراف و أجهزة استخبارات أجنبية متهمة إياها بالدعوة إلى الفتنة و الثورة بالجزائر. الشيء الذي أكده وزير الداخلية الجزائري دحو ولد قابلية عقب تحقيقات معلوماتية، و بعد الإطلاع على عناوين الحسابات الفايسبوكية، و أكيد بمساعدة لا أظنها مجانية من طرف إدارة الفايس بوك نفسها، و بعد الإطلاع على الحسابات الداعية إلى الثورة، وجد أنها جلها كانت من خارج الجزائر، و أن عددا معتبرا منها كان من دول الجوار. و طبعا المغرب إحدى دول الجوار التي كان يقصدها الوزير ولد قابلية، وربما هي مجرد حلقة من حلقات مسلسل الحرب الاستخباراتية بين البلدين الشقيقين، بل إن بعض الصحف الجزائرية أعلنتها صراحة و البعض الآخر لفها في ثوب غير مباشر.على أن للمخابرات المغربية يد في هذه الحملة؟ و طبعا لا بد من التوقف عند هذه الحادثة على اعتبار أن الفايس بوك الذي كان أحد الأسباب المساهمة في اندلاع الربيع أصبح اليوم لا يتوارى في التعامل مع الحكومات المختلفة و تسريب بيانات المشتركين على الرغم من كل ما يتبجح به من إشهار و دعاية على حمايته للخصوصية والبيانات الشخصية الخاصة بالمشتركين، فهذا كله مجرد كلام فارغ لا يصمد أمام الوقائع و الأحداث المتواترة و الأدلة الدامغة، ناهيك عن سعي الفايس بوك لكي يصبح أكبر بنك للبيانات الشخصية، و طبيعي أن هذا الكم الهائل من البيانات و المعلومات الشخصية عن مئات الملايين من البشر لن تحنطها إدارة الفايس بوك داخل مقره الرئيسي بمدينة ألو آلتو بولاية كاليفورنيا الأمريكية في أهراماته المعلوماتية، لوجه الله و صدقة على الإنسانية؟ثم إن الصناعة السبيرنيتية هي مسألة أمن قومي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالدخول مثلا إلى شركة غوغل أصعب من الدخول إلى مفاعل ننوي أمريكي أو مصنع لصناعة للسلاح! ومن الواضح أن بخس الحراك السلمي الشعبي في المغرب حقه من طرف السيدة بن قنة هو شيء مفهوم حتى لا تنتشر العدوى إلى الشقيقة الجزائر، سيما و أن الجارتين الشقيقتين العربيتين الحدوديتين تونس و ليبيا قد عرفتا ثورة بالتمام و الكمال و ليست مجرد ثورة فولكلورية على حد تعبير بن قنة!و الحال أنه أفضل من يحدثننا عن الفولكلور الثوري هي السيدة خديجة بن قنة نفسها ابنة بلاد المليون و نصف المليون شهيد، و بلاد الثورة الجزائرية المظفرة التي لا يجادل أحد في أنها من أعظم الثورات التحررية في القرن العشرين. و لكن يا خسارة! فقد تحولت الثورة إلى مجرد فولكلور ثوري و سجل تجاري يستثمره الثوار و حتى الخونة الذين كانوا عملاء للمستعمر الفرنسي من أجل التكسب هم و أبناؤهم و حفدتهم و ذريتهم باسم الثورة، و خير مثال على ذلك ما وقع من صراع طاحن بين يوميتي النهار المقربة من الاستخبارات العسكرية و يومية الفجر منذ سنتين تقريبا، حيث اتهمت يومية النهار خالد بونجمة أمين عام التنسيقية الوطنية لأبناء الشهداء على أن والده كان مجرد عميل لفرنسا؟ بينما ردت يومية الفجر التي دخلت على الخط بوثائق أخرى متهمة أنيس رحماني نفسه مدير نشر يومية النهار بأن والده هو الآخر كان حَرْكِي- عميل بتعبير أهل الجزائر- و عميل للاستعمار! ما جعل عورة الثوار تكشف أمام القارئ الجزائري في مشهد أقل ما يمكن وصفه بالفولكلور اللا ثوري الذي يجعل كلمة الثورة نفسها محل علامة استفهام كبيرة؟ هذا، ناهيك عن كتاب الدكتور سعيد سعدي الذي أحدث ضجة منذ ثلاث سنوات حين كشف أن الهواري بومدين و ثلة من كبار الثوار، هم من كانوا وراء مقتل القائد الثوري الكبير آيت عميروش و رفيقه سي الحواس بمنطقة بوسعادة في 29 مارس 1959 في معركة اشتهرت بمعركة جبل تامر، و ذلك عقب عودتهما مباشرة من مؤتمر تنسيقي للمجاهدين بتونس. و أكيد أن السيدة بن قنة المولعة بأدب الفولكلور الثوري ستستمتع كثيرا بقراءة هذا الكتاب الرائع: العقيد عميروش ميتتان و دفن واحد.و إن كنت متأكدا من أنها ستجد صعوبة بالغة لأن الكتاب ما يزال لم يترجم إلى اللغة العربية بعد. ولأن معلوماتي أن الإعلامية بن قنة مستواها اللغوي الفرنسي جد متواضع، و قد ازداد هذا التواضع بعد أن تخلجنت گانَة بن قنة. والحال أنه لأول أمرة أعلم بأن لقناة الجزيرة فضلا عن باقتها المنوعة من جزيرة رياضية و جزيرة انجليزية و جزيرة وثائقية، هناك الجزيرة الفولكلورية! و هي التي أطلت منها يوم الأحد السيدة أطيب المنى. وهو ما جعلنا نتفهم وصفها للمسيرات الاحتجاجية الشعبية لعشرات المدن و القرى المغربية، و التي تضمن لمئات الآلاف من الأمواج البشرية على أنها عبارة عن مهرجانات فولكلورية ثورية! بين رقص لأحيدوس بالجنوب الشرقي، و العلاوي بالشرق، و الطقطقة الجبلية ب200 فنان و فنانة بطنجة العالية، ناهيك عن موشحات سوس، و العيطة الشاوية بالدار البيضاء، و أحواش ...و غيرها من المناطق التي تصر على عرض فولكلورها الثوري كل يوم أحد رغم المنع و القمع و الرقابة الفنية المخزنية الصارمة!فيا ترى لماذا لا تسمح الشقيقة الجزائر مثلا بمثل هذا الفولكور الثوري عندها؟ خاصة و أن الفرقة الفولكلورية الثورية الوحيدة التي كانت تصر على الخروج، و هي تلك المكونة من ثلة من قيادات الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان و حزب التجمع من أجل الثقافة و الديمقراطية و حفنة من المثقفين الجزائريين كفوضيل بومالة و غيره ..في عدد قد لا يتجاوز الألف أو الألفين مشارك! و مع ذلك تصر السلطات على منع هذه الفرجة الفولكلورية حارمة سكان العاصمة منها ؟ لذا و حرصا منا على المحافظة على هذا التراث الإنساني الفولكلور الثوري، نناشد الفاضلة أطيب المنى على مراسلة منظمة اليونسكو في شكاية تظلمية عاجلة حتى تتدخل المنظمة، و تضغط على قصر المرادية لكي يسمح بهذه العروض، طالما لن تهدد استقرار البلد لأنها و بحسب أطيب المنى مجرد عروض فولكلورية الثورية لا غير! مع أطيب المنى وكأن التاريخ الجزائري توقف عند الفولكلور الثوري، و عند نشيد من جبالنا!لأن الجبل الذي احتضن ملحمة الجهاد و التحرير، هو الجبل نفسه الذي احتضن في مطلع التسعينات مأساة الحرب الأهلية، و ما يزال يحتضن ويأوي الإرهاب الدموي. لذا، فالفولكلور الثوري شيء حقيقي عند السيدة بن قنة و لكن في الجزائر و ليس في المغرب. و هذا سهو معرفي جغرافي يمكن تداركه أو نتمنى أن تتداركه السيدة بن قنة في قادم الأيام، محاولة الاجتهاد أكثر في النشرات القادمة. و أن تقف عند المصطلح بدقة و عناية. و أن لا تستهتر بالشارع المغربي و نضاله الحضاري حتى تحقيق مطالبه المشروعة. علما أننا نتفهم الفولكلور الإعلامي الحاصل بالقناة نفسها و التي أدت إلى ربكة كبيرة و استقالات بالجملة، أقواها استقالة مدير عام الجزيرة نفسه السيد وضاح خنفر، علاوة على توقيف برامجها العادية و أشياء جعلت من مسألة الدقة و التحري الإعلاميين تفقد مستواها و بريقها السابق.و صدق الشاعر أبو البقاء الرندي الأندلسي : لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب المنى إنسان. مع اعتذاري للشاعر على تصرفي في استبدال كلمة العيش بكلمة المنى للضرورة الفولكلورية الثورية. و في ختام نشرتنا مع أطيب المنى و مَاتْعَاوْدِيش. [email protected]