فوجئ المشاهد المغربي و العربي بالقرار المباغت القاضي بسماح وزارة الاتصال المغربية لقناة الجزيزة القطرية تغطية الاستفتاء على الدستور والذي جرى يوم فاتح يوليوز/ تموز 2011! وبقبول القناة القطرية لهذا العرض وهي التي أغلق مكتبها بالرباط وشرد طاقمها العامل هناك و الذي ضم العشرات ما بين الصحفيين و الفنيين و التقنيين و المتعاونين قبل ثمانية أشهر من هذا التاريخ! فما الذي الحدث؟ و هل يتعلق الأمر بصفقة بين الجانبين؟ في نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2010 و على حين غرة قررت السلطات المغربية إغلاق مكتب الجزيرة بالرباط في بيان صادر عن وزارة الاتصال مفاده بان القناة غير مهنية و تسيء إلى صورة المغرب و وحدته الترابية على الرغم من النداءات المتكررة للوزارة الموجهة إلى قناة السيد وضاح خنفر علها تعود إلى رشدها لكنها لم تلق آذانا صاغية !أما الشطر الثاني فتمثل و بعد التخلص من مكتب القناة بالرباط في الهجوم الكاسح لوسائل الإعلام العمومية من قنوات تلفزية و جرائد رسمية و حزبية ، حيث الكل بارك القرار وهلل له و صوب نيران مدفعيته الخفيفة اتجاه القناة لأنه لا توجد مدفعية إعلامية ثقيلة بالمغرب نتيجة التردي الإعلامي سواء المرئي منه و المكتوب في مقابل الهجرة المتزايدة نحن القنوات الإخبارية العربية و الأجنبية و المواقع الإلكترونية و الشبكات الاجتماعية. وهكذا نصبت المشانق للقناة لدرجة أن أشهر برنامج حواري سياسي مغربي تبثه القناة الأولى ويستضاف فيه علية القوم من الوزراء و الأمناء العامين للأحزاب والنقابات والشخصيات السياسية غير المعارضة طبعا، جعل من فقرة ما تعليقكم على إغلاق مكتب قناة الجزيرة فقرة ثابتة في البرنامج الحواري طيلة الثلاثة الأشهر التي أعقبت إغلاق القناة ؟ و طبعا لكم أن تتأملوا كيف كانت أجوبة السادة المدعويين حيث كلما ارتفع الهجاء كلما كان ذلك دليلا على صدق المواطنة و كأن هجاء القناة وسبها من حب الأوطان! لكن الثورة العربية و تألق القناة في تغطية الثورتين التونسية و المصرية بعد ذلك جعل القناة لا تأبه للمغرب في مقابل اشتعال مناطق من العالم العربي بما فيها منطقة الخليج العربي نفسه مما جعل القناة تنكفئ على نفسها،علما أن الحراك في المغرب لم يتوقف منذ 20 فبراير/شباط إذ خرجت المسيرات بمئات الآلاف مطالبة بالتغيير الحقيقي و الشامل و بدستور من الشعب و إليه يقطع مع زمن المنح الدستورية، مع التركيز على محاسبة ناهبي المال العام. وهكذا فتح الباب على مصراعيه و تناسلت الأسئلة والاستفسارات عن الذي حدث حتى تعود وزارة الاتصال المغربية عن قراراتها و أيمانها الغليظة التي قطعتها،وعلى أنه طلاق بائن بيونة كبرى بين الوزارة و القناة! الجواب أو جزء منه يكمن في الدوحة و جزء آخر في الرباط؟ أما المتعلق بالدوحة فالجزيرة و بعد اشتعال الثورة العربية في عدد الدول العربية كسوريا و ليبيا و اليمن علاوة على الثورتين المصرية و التونسية، وجدت نفسها بين طوفان الثورة العربية الهادر و بين دوامة المشاكل الداخلية مما جعلها تهمل عددا من المناطق شبه المشتعلة أو التي تعرف حراكا شعبيا حقيقيا و لكنه سلمي و منه المغرب، و بمتابعة تغطية الجزيرة للحراك في المغربي يلاحظ أنه لم تعطه حقه و حجمه الحقيقي، علما أن حركية الشارع المغربي على امتداد كل ربوع البلد لم تتوقف منذ 20 فبراير/شباط، الشيء الذي جعل من يعنيهم الأمر بالرباط يعتبرون هذا التغطية"لايت" للمغرب شيء إيجابي و مشجع على الانفتاح على القناة، أما الشق المتعلق بالرباط فإن القائمين على الاستفتاء قد راهنوا على الصورة الإصلاحية و العملية التي ستمر فيها الأجواء الاستفتائية في هدوء تام، و هذا صحيح لأن عدد من حضر العملية كان جد متواضع مما جعل اليوم فعلا هادئا و جميلا، و على تقديم صورة مشرقة على أن الأمور على ما يرام و أن المغرب فعلا يعد استثناءا عربيا ! طالما أن الحضور الإعلامي للقناة سوف يقتصر على يوم الاستفتاء و وربما يوم أو يومين بعد ذلك ثم "شرفتم ونورتم و مع ألف سلامة" بيد أن سؤالا مهما يفرض نفسه و يتعلق الأمر بالطاقم الصحفي الذي أرسلته القناة و المكون من الصحفي الطاهر المرضي وزميل صحفي أخر رفقة الطاقم التقني؟ و بصيغة أخرى لماذا غاب أو تم تغييب الطاقم الصحفي العامل في المغرب سابقا المكون من أمثال محمد البقالي و أنس بن صالح و حسن الرشيدي ألم يكن من الأجدى أن يشرف هؤلاء الصحفيون المغاربة العالمون ببواطن الأمور و تفاصيل و خبايا الخارطة السياسية المغربية ؟ فهل أصرت وزارة الاتصال المغربية على استبعاد الطاقم المغربي؟ أم هو خطأ مهني إعلامي لقناة الجزيرة التي بعثت إلى المغرب طاقما ربما لأول مرة يحط الرحال بالرباط؟ طبعا لا أظن أن قناة كالجزيزة سوف ترتكب هذه الحماقة الإعلامية التي لا يرتكبها حتى الهواة؟ مما يرجح كفة فرضية أن تكون الرباط قد أصرت على استبعاد الطاقم المغربي كشرط أساسي لحضور الكرنفال الاستفتائي. أما عن طبيعة التغطية الخاصة بالاستفتاء، فعلاوة على كون القناة قد حضرت في آخر لحظة لتغطية يوم الاستفتاء على عكس حضورها المبكر بأسابيع ذوات العدد في السودان بجيوش من الصحفيين و التقنيين الذي مسحوا جنوب السودان مسحا إعلاميا شاملا من أجل تغطية أجواء الاستفتاء الذي دار بالجنوب مكرسا انفصال الجنوب السوداني عن الشمال.و الأكيد أنه لا مجال للمقارنة بين المغرب و السودان حيث يحظى السودان بمكانة خاصة عند الأشقاء القطريين، يزكي هذا أن الجنسية السودانية هي أكبر جنسية للقاطنين بقطر علاوة على عدم وجود تأشيرة على الإخوة السودانيين لدخولهم قطر، فضلا على الاهتمام القطري الكبير بما يحدث بالسودان. والخلاصة أن تغطية الجزيرة لم تختلف كثيرا عن تغطية القنوات الرسمية المغربية مع فتحها لكوة صغيرة للمعارضة التي أدلت بتصريح مقتضب هنا أو هناك بين الفينة و الأخرى ما يعني أنه طالما التغطية كانت مواكبة تقريبا للتغطية الرسمية فهذا يعني حسب القائمين بالرباط فالتغطية كانت مهنية و القناة قد بدأت تعود فعلا إلى رشدها الإعلامي غي التعاطي مع الشأن المغربي !و الحال أن عددا كبيرا من الشباب المغاربة على الشبكة الاجتماعية كالفايس بوك لم يخفوا استياءهم من التغطية الباردة لقناة الجزيرة التي حاكت التغطية الرسمية و لم تتميز عنها في كثير.ما فتح المجال أمام التأويلات بين قائل أن الجزيرة كانت في نزهة نهاية أسبوع لا غير و إلا لأعدت لتغطية الاستفتاء منذ أسابيع قبلية، و بين من رأى أن التغطية لها علاقة بالخارطة السياسية العربية الجديدة المرتكزة على المحاور الجديدة، محور الديمقراطيات في مقابل محور الأسر الحاكمة، و عليه فالبلد لم يعد دولة مغاربية بل أصبح ينحو إلى المنظومة الخليجية مما يعني أن القناة ستعامله معاملة خاصة و تضيق كثيرا على المعارضة في محاكاة لتغطية أحداث البحرين التي غابت عنها الجزيرة جملة و تفصيلا! وعليه، فإن تغطية الجزيرة للحراك المغربي سيما الحدث الدستوري كان في أجمل صوره تغطية باردة لطاقم صحفي جيء به للقيام بنزهة نهاية أسبوع لا غير!و هو ما يؤشر على أن الرباط ستفتح أبوابها لعودة القناة مستقبلا طالما القناة اتسمت بالمهنية المطلوبة، و التي أبان عنها تمرين تغطية الاستفتاء الدستوري الذي كان مجرد تمرين أولي ربما ستعقبه عدد من التمارين على أمل أن تنال القناة سيرة السلوك الحسن، و التي أكيد ستنالها إن هي واضبطت في هذا المسار.بيد أن السؤال الذي يفرض نفسه و هو في حالة إذا ما سمحت السلطات المغربية لعودة القناة من جديد، فماذا عن تشكيلة الطاقم الجديد؟ و التي من المؤكد انه سيكون من غير الصحفيين المغاربة لأن التجارب السابقة أثبتت بأن الصحفيين العرب أكثر حنوا على الرباط من أشقائهم المغاربة، ربما لأنهم مجرد ضيوف او ربما لأن اللهجة المغربية و تفاصيل الحياة المغربية تجعل من الصحفي الأجنبي يحتاج لسنة او سنتين ليتمرس على الخبايا و المسالك السياسية و حينما يقف على رجليه، ربما قد تستدعيه الدوحة لمهمة جديدة في بلد عربي آخر! هذا علاوة على معطى آخر في غاية الأهمية و هو ان الرباط لم تعد تخشى من تغطية الجزيرة لأن الحراك الإعلامي المغربي كله قد انتقل إلى الشبكة العنكبوتية و شبكة الفايس بوك تحديدا التي أضحت أكبر قاعدة إعلامية معارضة تقلق مضاجع من يهم الأمر في المغرب! [email protected] القدس العربي