هو فنان تشكيلي بالفطرة، لم يدرس في المعاهد الخاصة بالرسم؛ بل وَرِث الشغف من والده حين كان يعمل بالزاوية الناصرية في قرية تامكروت الصغيرة، الواقعة بإقليم زاكورة، في بداية الصحراء الكبرى. يحمل اسم زكي الناصري، ورأى النور سنة 1968، حينها كانت قريته معبراً مهماً للقوافل المتوجهة نحو عمق الصحراء، وكان له بعض الحظ في ولوج المدرسة؛ لكنه غادرها في مرحلة "الشهادة" سنة 1976. يعانق زكي هوايته كل يوم وبدون كلل وبدون وقت محدد بشغف طفولي وسط فضاء شاسع في قلب قرية تامكروت، هو المكان الذي كان قبل عقود عبارة عن دار للضيافة يستقبل فيه والده عبد الرحمن بن عبد السلام الناصري زوار الزاوية الناصرية، أشهر الزوايا الصوفية في المغرب. كانت أنامل زكي تتلمس الألوان لأول مرة، حين كان والده محافظاً في الخزانة الناصرية ما بين 1958 إلى حدود 1992. وكان يلاحظ براعته في الخطوط العربية والكوفية والعثمانية، حينها بدأت أولى المَلَكات التشكيلية في عروق يديه. حين تقاعد والد زكي سنة 1992، توصل بوسام من الملك الراحل الحسن الثاني عرفاناً بالخدمات التي قدمها لزوار الزاوية الصوفية، ولا يزال يحتفظ بصورة للوسام وسط لوحاته الفنية المعلقة على الجدران. أغلب لوحات زكي تُعالج قضايا المرأة، لأنها بالنسبة إليه موضوع دائم ومتجدد وجدير بالاهتمام اليومي.. يرسم المرأة دائماً ويحتفل بها بشكل مستمر؛ لأنها الأم والابنة والأخت والخالة والزوجة وكل شيء. يقول زكي، في حديث لهسبريس، إن "الرسم موهبة صَقَلها بنفسه، يجد فيها الراحة وسط الروتين الذي يطبع حياة قريته الصغيرة تامكروت"، وكثيراً ما يمضي الليل بأكمله من أجل رسم معالم لوحة فنية جديدة، وأحياناً تحت ضوء خافت ليكتشف سر الألوان بنظرة أخرى. زبناء زكي هم في الغالب أجانب، من سويسرا وألمانيا وبريطانيا وأمريكا، واللافت هو أن أغلبهم فنانون تشكيليون يأتون لاكتشاف ما خطته يداه في أكثر من مائة لوحة منذ سبعينيات القرن الماضي؛ لكن منذ تلك الفترة كانت مسيرة زكي تتوقف من حين إلى آخر ليعاود العودة من جديد إلى شغفه. يرسم ابن تامكروت لوحاته من أجل السلام والتعايش ومحاربة العنف ضد النساء والفتيات، ويرسم أيضاً من أجل زرع القيم الجميلة لدى الناشئة، ويحرص على عرض بعضها على قارعة الطريق لكي تصل إلى أعين التلاميذ والتلميذات. لوحة "زهرة" هي من بين أفضل اللوحات لديه، تحكي قصة فتاة أحبها زكي منذ عقود، ولوحة تحمل عنوان "من طنجة لكويرة" عبارة عن خريطة للمغرب، ولوحة "الماء أحسن من الذهب" تحكي مشكلة ندرة الماء التي يعاني منها سكان الإقليم، وفيما تحكي لوحة عريضة "مريدي الزاوية الناصرية في يوم عاشوراء". أهم لوحة بالنسبة إلى زكي هي تلك التي تحكي قصة زوجات جده الأربع، وأخرى تحكي طقس الخطوبة التي تسبق الزواج بتقاليد المنطقة وأزياء نسائها، إضافة إلى الطوارق، ولوحة أخرى تُشخص السلطان مولاي عبد الرحمن ابن هشام. يرسم زكي من أجل الفن وليس من أجل المال؛ فبالكاد باع أول لوحة له ب400 درهم، فيما بيعت أغلى واحدة ب2000 درهم لفائدة سائح أجنبي من بريطانيا. وبالرغم ذلك، يمنح برضا كبير عدداً من لوحات بشكل مجاني لزواره ولفائدة الجمعيات ويهدي بعضها للتلاميذ والتلميذات.