عَاد مجدّدا وهو حامل لمعدن البرونز، ليرصّع به صدر ألعاب القوى المغربية الذي لم يعد يتّسع لأكثر من مجرد ميدالية يتيمة مع كل محفل عالمي.. أبى العداء المغربي عبد العاطي إيكيدير إلا أن يواصل حفظ أمانة سلفه، ليلج الخط النهائي لمطار محمد الخامس في مدينة الدارالبيضاء، وهو متوّج في خامس مشاركاته ضمن بطولة العالم داخل القاعة. "مازال العاطي يعطي"..مثل قد ينطبق على عبد العاطي إيكيدير، وهو في خريفه الثلاثين، يمضي بذات الروح والعزيمة اللتين أظهرهما قبل 14 سنة من الآن، حينها توّج ببطولة العالم للشباب في مسافة 1500 متر، أياما قليلة بعد أن انفصل "الأسطورة" هشام الكروج عن "عروس" المسافات بعد أن أهداها ذهب أثينا الأولمبي.. حينئذ، كان فتى الرشيدية يعلم أن الحمل وضع على عاتقه، والإرث ثقيل على كاهله ليصونه في قادم المناسبات.. مسافة "1500 متر" أصبحت في قبضة أخرى، والعالم لم يتعود بعد على سماع نشيد غير "منبت الأحرار.. مشرق الأنوار" في منصات تتويج بطولات العالم.. دق ناقوس الخطر وأصبح الجميع يستنجد بالشاب عبد العاطي الذي فشل في تخطي الدور الأول خلال أول بطولة عالم مع "الكبار" في دورة "أوساكا2007"، كما فشلت "القوى" المغربية في الحفاظ ولو على مكان ضمن "البوديوم" كما فعل الكوش في الدورة السابقة. قبل سنة من أولمبياد "بيكين 2008"، زاد الترقّب داخل الأوساط الرياضية المغربية، مخافة عدم رفرفة العلم الوطني في المحفل العالمي، وهي التي اعتادت على ذلك في مسافة 1500 متر، من برشلونة، سيدني إلى أثينا.. تعلّق الكينيين بعروس المسافات أضحى واضحا للعيان، أمام عجز محمد مستاوي ويوسف بابا في مواكبة الركب، فيما خيّم تشاؤم البعض حول مستقبل "القوى" المغربية في غياب للخلف.. لكن، سرعان ما بدأت الشكوك تنجلي مع كل لفة لعبد العاطي حول ملعب "عش الطائر" وهو يدخل ثانيا في سباق نصف نهائي المسافة خلف الكيني أسبيل كيبروب، الذي توّج بفضية الأولمبياد حينها؛ فيما اكتفى اكيدير بمركز خامس. لم نتسلق سور الخيبات في الصين، ولم يتكسّر جدار الإخفاق في بريلن، وأنهكت قوانا في العودة إلى منصات التتويج، رغم مشاركة الثلاثي، إيكيدير، مستاوي وأمين لعلو في نهائي بطولة العالم 2009.. حينها، تأكّد الجميع أن مواطن أسبيل كيبروب بسط هيمنته على لفات مضمار ألعاب القوى الثلاث، وأصبح لمسافة 1500 متر عريس قادم من نايروبي. حينها، زاد إيكيدير من "السبرينت" الأقصى، وعيناه تلحظ هرم ألعاب القوى المغربي يهوي مع كل محفل عالمي، فارتأى عبد العاطي إلا أن ينفض غبار الأزمة بميدالية فضية في بطولة العالم داخل القاعة في الدوحة سنة 2010، كأن به يداوي "القوى المغربية" من مرض عضال بدأت علامته الأولى تظهر رويدا رويدا.. لكن، سرعان ما تواصلت العقدة "الآسيوية"، بعد الصينواليابان، إذ حط إيكيدير في محطة مونديال "دايغو" في كوريا الجنوبية سنة 2011، لكنه لم يقو مجدّدا على بلوغ أعلى درجات المجد، فزاد الشرخ الحاصل بين المتتبع الرياضي المغربي ورياضة "أم الألعاب"، بعد حلوله خامسا وزميله محمد المستاوي سادسا، فيما آل الذهب والفضة، تواليا إلى كيبروب وكيبلاغات. علاقة إيكيدير بمضامير "القاعة" كعلاقة المغرم بحبيبته، عاش فيها عبد العاطي أحلامه الوردية ووجد وسط "الصالات" المغلقة مجدا ضاع في الهواء الطلق، وذلك في مسافته المفضّلة والغالية عند المغاربة.. استطاع البطل المغربي أن يصعد أخيرا أعلى أدراج منصة تتويج بطولة العالم في "إسطنبول" التركية.. عشت في الأوطان يا إيكيدير، للعلا عنوان..هنيئا لك بثاني ذهبية بعد 8 سنوات عن ميدالية "غروزيتو" الإيطالية وأنت في ريعان الشباب.. شهور قليلة بعدها، حقّق إيكيدير حلمه "الأولمبي" وهو يصعد "بوديوم" أولمبياد لندن 2012، متوّجا بالبرونزية على يد هشام الكروج، في مشهد تسليم "المشعل" من بطل وطني إلى خليفته..هنا ظن الجميع أنها بداية تاريخ آخر مع بطل قادم بقوة في سماء الرياضة الوطنية، إلا أن الرياح ذهبت بما لا تشتهيه السفن وكان القادم بطعم المرارة. "مونديال 2013" في موسكو كان من المفترض أن يحمل معه النبأ السار لألعاب القوى المغربية، إلا أن إيكيدير "قصف" صناع القرار في جامعة "أم الألعاب" في تصريح على قناة "الجزيرة الرياضية" القطرية، وذلك بعد دقائق من إقصاء العداء المغربي من سباق نصف النهائي.. "أحسست بالغبن وأنا الرياضي الوحيد الذي حصل على ميدالية للرياضة المغربية في أولمبياد لندن..لم أحصل على المستحقات المادية ولا التحفيز المطلوب لمواصلة تحقيق الإنجازات"، يقول عبد العاطي إيكيدير. عانى العداء كثيرا خلال مساره الرياضي من تهميش طاله من الإعلام الوطني والعلاقة المتشنّجة مع مسؤولي ألعاب القوى المغربية..إلى أن بلغ ذلك حد الشرخ الكبير الحاصل بين إيكيدير والمسؤولين عن الرياضة الوطنية، لكن ذلك لم يثنه عن العودة إلى تشريف الرياضة الوطنية من خلال مشاركته في بطولة العالم "بيكين 2015"، لما حصل على برونزية مسافة 1500 متر وقبلها بسنة في "مونديال الصالات" حين حصل على ثلاث ميداليات من المعدن ذاته. مع متم الشهر الجاري، سيطفئ عبد العاطي إيكيدير شمعته الواحدة والثلاثين، وتتبقى أمام العداء المغربي محطتان أخيرتان قبل تعليق الحذاء..بطولة العالم السنة المقبلة في الدوحة، حيث توّج بأولى ألقابه العالمية، وعودة إلى اليابان في السنة الموالية من خلال "أولمبياد 2020"، هناك حيث شق طريقه في بطولات العالم للكبار قبل 11 سنة.