قطب الريسوني ورشيدة الشانك ومحمد العناز يفتتحون سنة 2025 في دار الشعر بتطوان    "مقتصدو التعليم" يحتجون بالرباط    بورصة البيضاء تفتتح التداولات بارتفاع    بشار الأسد يتعرض لمحاولة اغتيال    مالي: الجزائر تدعم "مجموعات إرهابية"    وفاة أغنيش كيليتي أكبر بطلة أولمبية في العالم عن 103 أعوام    إدارة سجن واد زم توضح بشأن وفاة    تسجيل هزة أرضية خفيفة بإقليم أزيلال    سيارة تصدم شرطيًا أثناء أداء مهامه بطنجة    "جرائم الأموال" تؤجل محاكمة مبديع .. ومنظمة حقوقية تدخل على الخط    حموشي ينوه بنجاح تأمين ليلة رأس السنة    فيفا: رحلة دياز تعيد المغرب إلى القمة    تفاصيل جديدة عن هجوم "نيو أورليانز" الدموي    المعارضة بورزازات تطعن في انتخابات رئيس المجلس وتصفها ب"المذبحة القانونية"    ّ"البذخ مقابل الجوع".. زعيم البوليساريو يبني قصرًا فاخرًا بتندوف الجزائرية    قطر تعلن احتضان كأس العرب في دجنبر المقبل    تفاقم البطالة والفساد والمديونية.. منظمة نقابية تستعرض إخفاقات الحكومة في 2024    السلطات الفلسطينية تقرر توقيف بث قناة الجزيرة القطرية و"تجميد" كافة أنشطتها    شرطة كوريا الجنوبية تداهم مطارا في إطار الكارثة الجوية    مقتل شخص وإصابة عدة أشخاص في انفجار سيارة كهربائية بلاس فيغاس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    خطر الدوغمائية على مآل "الميثاق الغليظ" في المغرب!    مالطا.. استنفار أمني بعد هروب مسافرين مغاربة من طائرة تركية هبطت اضطراريا بالمطار    تأجيل محاكمة مبديع إلى 9 يناير الجاري    صن داونز يصل إلى المغرب لمواجهة الرجاء    صفرو: ثلاث مجموعات شركات رائدة عالميا في إنجاز محطات نقل الطاقة بواسطة الضخ تتنافس لنيل مشروع "محطة المنزل" للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب    صيدليات الانترنيت… مامدى خطورتها على صحة المواطن المغربي    ضحايا زلزال الحوز .. لفتيت يكشف تفاصيل عمليات النصب    تقرير يصنف المغرب ضمن أكثر الدول استهلاكًا للبن    إختتام الدورة السادسة للمهرجان الدولي للسينما و التراث    مجموعة من التعديلات الضريبية تدخل حيز التنفيذ مع حلول السنة الجديدة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    شركة "مايكروسوفت" تطور نموذجا لذكاء اصطناعي جديد لتنفيذ المهام بنحو مستقل    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية: 2024 الأكثر دفئا على الإطلاق    تنظيم الدورة الأولى لمهرجان أفلام الصحراء    كلشي بالمكتاب .. الدوزي يختتم 2024 بإصدار جديد    مليلية المحتلة تسجل انخفاضًا غير مسبوق في الهجرة السرية منذ التسعينات    دولي مغربي على رادار برشلونة    مسار استقلال السلطة القضائية في السياسات العمومية كتاب جديد للقاضي عبد الله كرجي    وفد سوري برئاسة وزير الخارجية يحل بالرياض في أول زيارة رسمية خارج البلاد    تتويج رحيمي بجائزة أفضل لاعب عربي محلي    مشروع الغاز المشترك بين موريتانيا والسنغال.. نموذج للتعاون الإقليمي    صدمة جديدة .. الليغا تزيد أوجاع برشلونة    زياش يلتقي بمعجبين مغاربة في دبي    أحكام ‬قضائية ‬‮‬ضد ‬‮"صناع ‬التفاهة" وارتياح ‬كبير ‬لدى ‬للرأي ‬العام    وفاة الكاتب الفرنسي باسكال لينيه الحائز جائزة غونكور عام 1974    دراسة: الصيام المتقطع يساعد في علاج اضطراب التمثيل الغذائي    باحثون يطورون علاجا آمنا وغير مسبب للإدمان لتسكين الآلام    الطهي يتجاوز الفواكه والخضروات باستخدام أجزاء الأشجار    تنبيه من خطورة عودة انتشار "بوحمرون" بالمغرب ودعوة إلى ضرورة التلقيح للقضاء عليه    دراسة: هذه المشروبات قد تحد من مخاطر الإصابة بالسرطان    الدكتور فؤاد بوعلي ضيفا في حلقة اليوم من "مدارات" بالإذاعة الوطنية    باسل خياط يخالف مبادئه ويقع في الحب ضمن الدراما الاجتماعية الرومانسية "الثمن" على "5MBC"    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لعنة المصالح" تصيب الفوسفاط المغربي داخل أروقة الاتحاد الأوروبي
نشر في هسبريس يوم 07 - 03 - 2018

يستعد الاتحاد الأوروبي لتوجيه ضربة موجعة جديدة للمغرب، من خلال تبني قرار جديد يهم هذه المرة استيراد الفوسفاط المغربي ومشتقاته من المخصبات والأسمدة الفلاحية. السبب؟ مادة الكادميوم.
الصراعات والخلافات بين المغرب والاتحاد الأوروبي لا تنتهي فصولها، وتكاد تصبح حربا مفتوحة غير معلنة على مصالح المملكة.
واجهات عدة يتضارب فيها المغرب مع مؤسسات القارة العجوز. من البرلمان الأوروبي ولجانه، إلى المفوضية، وأخيرا مع الواجهة القضائية لهذا التكتل الإقليمي والحيوي. لعنة المصالح تضرب هذه المرة الفوسفاط المغربي وجميع مشتقاته من أسمدة فلاحية وغيرها. مواد أصبحت هدفا جديدا للوبيات القوية داخل وخارج القارة بعد تصويت البرلمان الأوروبي على مشروع قرار يقضي بمنع استيرادها مستقبلا، لعدم توفرها على معايير بيئية وصحية محددة.
قريبا قد يصعب دخول الفوسفاط المغربي إلى أوروبا. هذه المرة ليس بسبب الصحراء وفوسفاطها، بل بسبب معدن طبيعي في جوفه هو الكادميوم، الذي يعتقد أنه يخترق التربة ويلوث الماء والنبات. وقد صادق البرلمان الأوروبي بالفعل في أكتوبر 2017 على خطة المفوضية الأوروبية للحد من كمية الكادميوم المسموح به في الأسمدة المعدنية التي تباع في السوق الأوروبية. وتم التصويت في الجلسة العامة من طرف أعضاء البرلمان الأوروبي لصالح اقتراح اللجنة بخفض مستويات الكادميوم في الأسمدة إلى 20 ملغ / كلغ لفترة تدرجية تصل إلى 16 سنة، وليس 12 عاما كما اقترحتها اللجنة في الصيغة الأولية.
والأمر يتعلق، بحسب الأوروبيين، بقرار يمنع استيراد واستعمال الأسمدة السامة الغنية بالمعادن الثقيلة المسرطنة. وبهذا قد يتعرض المغرب إلى فقدان سوق كبيرة على المستوى العالمي. أوروبا تستورد من المملكة حوالي 6 ملايين طن من الفوسفاط بنسبة تصل إلى 30% من صادرات المغرب من هذه الثروة إلى كل أنحاء العالم، لتشكل بذلك موردا رئيسيا لخزينة الدولة.
وسيصبح هذا القرار ذا أثر نافذ بعد مصادقة اللجنة الأوروبية لوزراء الفلاحة للدول الأعضاء عليه. غير أن الأمور لا تسير كما يريد رواد القرار بسبب رفض وزيرة فلاحة إسبانيا التصويت عليه، لتعارضه مع مصالح المزارعين ومنتجي الأسمدة في إسبانيا، بحسب تصريح سابق لها في وسائل إعلام أوروبية بتاريخ 21 فبراير الماضي.
للقضية جذور قديمة
في عام 2002، طلبت المفوضية الأوروبية من اللجنة العلمية المعنية بالتسمم والسمية الإيكولوجية والبيئة (CSTEE) إعطاء رأي علمي حول احتمال تراكم الكادميوم في التربة بسبب استخدام الأسمدة الفوسفاطية. واستنادا إلى عدة دراسات تقييم المخاطر أجرتها ثماني دول أعضاء في مختبرات بالولايات المتحدة الأمريكية مع تحليلات إضافية، قدرت اللجنة أن الأسمدة الفوسفاطية التي تحتوي على mg/kg60 من الكادميوم أو أكثر يمكن أن تؤدي إلى تراكم هذا المعدن في معظم أنواع التربة في الاتحاد الأوروبي. في حين الأسمدة الفوسفاطية التي تحتوي على أقل من 20 ملغ من الكادميوم، ليس من المرجح علميا أن تؤدي إلى تراكم طويل الأجل في التربة.
وكانت منابر إعلامية أوروبية قد أرجعت أسباب إصرار النواب الأوروبيين على تمرير قرار منع استيراد المنتوجات الفوسفاطية العالية نسبة الكادميوم في الفوسفاط إلى ضغوطات يمارسها اللوبي الروسي في بروكسيل، وأيضا إلى منظمات حماية البيئة والمستهلكين.
واعتبرت أن المستفيد الأول من هذا القرار هو روسيا التي يتوفر فوسفاطها على أقل نسبة من الكادميوم، غير أن عددا من المهتمين الأوروبيين متخوفون من تبعية الاقتصاد الأوروبي لروسيا، لذلك يفضلون مزيدا من الاهتمام باستعمال تحويل وتدوير المواد العضوية لاستعمالها كسماد مخصب فلاحي من أجل تفادي التبعية، وفي نفس الوقت مادة الكادميوم حسب بعض الإعلام الأوروبي المختص في البيئة والفلاحة.
وكانت جريدة الغارديان البريطانية، قد نشرت تقريرا صحفيا منشور على موقعها الإلكتروني بتاريخ 16دجنبر من سنة 2015، تحت عنوان الخيال السام Toxic shadow: phosphate miners in Morocco fear they pay a high price.
وتطرقت الصحيفة في هذا التقرير إلى وجود حالات مرضية خطيرة مرتبطة بأمراض تنفس وسرطان وحالات وفاة، نجمت عن وجود مادة الكاديوم مستشهدة بدراسات دولية صادرة عن البنك الدولي، وأخرى عن مؤسسات بحثية مغربية تفيد لوجود تلوث في المياه البحرية على الواجهة الأطلسية المغربية.
ولتقصي هذا الموضوع كان لا بد من معالجته من زوايا عدة مرتبطة بالتعرف على مادة الكادميوم، ثم المعالجة الإجرائية والسياسية للتعاطي مع الملف برمته.
في البداية كان البحث عن التعريف العلمي ضروريا. ومن أجل توصيف علمي مختص لمادة الكادميوم الموجودة بكثرة في الأحجار الفوسفاطية، كان لزاما اللجوء إلى أهل الاختصاص للتعرف على خصائص هذا المعدن ومعرفة مدى خطورته أو عدمها على حياة وصحة الإنسان.
كانت البداية مع أستاذ البيولوجيا باحث متخصص في التغذية والاقتيات بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، الدكتور محمد الديوري.
بعدما تناول التعريف العلمي للمادة مصدر النزاع بكونها من المعادن الثقيلة التي توجد في الطبيعة على شكل آثار بتركيز منخفض، متوفرة بكثرة في المركبات الصناعية والمخصبات الفوسفاطية، أكد أن "الكاديوم يعتبر من المواد السامة الملوثة حتى وإن كان بتركيز منخفض".
وعن دوره في حياة الإنسان، أكد خبير التغذية أن "الكادميوم ليس له أي دور بنائي في جسم الإنسان، وأنه يتراكم خاصة في بعض الأعضاء كالكبد والكليتين ويصنف من المواد المسرطنة، يؤدي تواجده إلى التسمم وإلى وهن العظام والفشل الكلوي وفقر الدم".
وأثار الانتباه إلى أن "تركيزه ما فتئ يزداد في التربة في العقود الأخيرة بسبب استعمال السماد الفوسفاطي، خاصة في الزراعات المكثفة، الشيء الذي يفضي إلى تلوث التربة ووصول أثره إلى الماء". ونظرا لامتصاصه من قبل النباتات التي تتحمل وجوده، فإنه بالضرورة "ينقل إلى جسم الإنسان والحيوان".
وعن سؤال إمكانية تفاديه، أكد الديوري أنه "فعلا توجد بعض الطرق الكيميائية والبيولوجية لإزالته أو التقليل منه، غير أنها مكلفة".
تقودنا رحلة البحث الدقيق عن الوصف العلمي لهذه المادة البيضاء الفضية القاتمة علميا، وعن آثارها المحتملة على الصحة البشرية والحيوانية وعلى البيئة عموما، إلى جامعة محمد الأول بوجدة، وتحديدا إلى كلية العلوم.
من هناك اتصلنا بالدكتور كمال بكوش، أستاذ بالكلية في شعبة الكيمياء مسؤول ماستر كيمياء الماء بها. لم يكن رأيه وتوصيفه العلمي بعيدا عن الأستاذ الديوري، غير أنه أضاف إلى ذلك، بحكم التخصص وحضور المؤتمرات الدولية المتخصصة، أن هذه المادة "موجودة أيضا في نبتة التبغ بنسبة مهمة، وقد تسبب ضررا كبيرا عن طريق الاستنشاق وتحدث ضغط الدم".
وأضاف أن دراسات عديدة انطلقت منذ الثمانينات حول أكدت "تأثير مادة الكادميوم على الأعضاء البشرية وتسببها في السرطان في حالات كثيرة حسب نسب استهلاكها"، وأن آثارها على صحة الإنسان قد تسبب تشوها خلقيا باعتبارها "تحدث خللا في البنية العضلية والعظمية للإنسان، وخصوصا على الأجنة لدى الحوامل المتعرضات للمادة وإن بنسب ضعيفة".
وفي نظر أستاذ كيمياء الماء، فقد "أصبح من الضروري العمل على تخفيض نسب الكادميوم إلى أدنى درجاتها في المخصبات الفوسفاطية الفلاحية، والقبول بنسب منخفضة من معدن الزنك تفاديا لأي تلوث للتربة والمياه بشكل يؤدي إلى نتائج خطرة مع التراكم في الأرض"، خاتما تصريحه بكون "منظمة الصحة العالمية أيضا تعتبر الكادميوم من الملوثات المعدنية الخطيرة على صحة الإنسان داخل السلسلة الغذائية، سواء الموجودة في التربة أو الماء عبر المخصبات الفوسفاطية".
وفي مسير البحث هذا، وحتى ترسخ الفكرة وتكون القناعة مبدئيا، عدنا إلى جامعة محمد الخامس بالرباط للنظر من زاوية أخرى، هي زاوية الفيزياء.
اتصلنا بالدكتور مكاوي عبد الحميد، دكتوراه في الفيزياء النووية، لمزيد من التعمق في معرفة هذه المادة المحيطة بالإنسان.
في البداية وضح الباحث أن الكادميوم موجود في الطبيعة، ويعد إحدى عناصر قشرة الأرض. يكون ملمسه ناعما ولونه أزرق يميل إلى الأبيض الفضي، وهو لا يوجد غالبا في صورته النقية في الطبيعة، بل يشكل مركبا مع عناصر أخرى كالأكاسيد الكبريتيد، الكبريتات، الكربونات، الأكسجين والكلور، وفي خامات معادن أخرى كالنحاس والزنك والرصاص، وهو يذوب في الأحماض.
وأبرز أن الكادميوم المغلي تنتج عنه أبخرة صفراء سامة مضرة بالرئتين تحديدا. وله 38 من النظائر (isotpes) "بعضها مشع (radioactif) والآخر قار (stable)، غير أن إشعاعاته عادية كباقي المواد المشعة بسيطة الإشعاع في حياتنا"، حسب أبحاث كان له الاطلاع عليها في تخصصه.
وبعد أن تطرق إلى كون العقد الأخير تميز بنقاشات كثيرة حول محتويات الأسمدة الكيميائية الفلاحية، وخصوصا الفوسفاطية منها، تم تحديد العناصر المعدنية الثقيلة (métaux lourds)، كالكادميوم والزرنيخ والكروم والرصاص والزئبق والنيكل، رأى أن "الأضواء سلطت بشكل أكثر على الكادميوم الذي يعرف تركيزات (teneur) مهمة في تربة الفوسفاط لأكبر الدول المنتجة".
وبحسب مكاوي، فقد أفضت الدراسة التي أجراها الباحثان Javied سنة 2009 و Okazakiسنة 2012، إلى أن الكادميوم تتراوح بنسب مختلفة ومهمة في الدول التي كانت عينة للاختبار. في الولايات المتحدة تتراوح نسبة الكادميوم ما بين mg/kg3 و186، في تونس ما بين 38 و173، في روسيا أقل نسبة تتمثل في mg/kg13، أما في المغرب فهي تتراوح ما بين 3 و165.
وفي معرض جوابه عن الشكوك حول خطورة الكادميوم على صحة الإنسان، قال: "فعلا هناك باحثون يشكون في أن تراكمه في التربة ربما يؤدي إلى انتقاله إلى النبات ومن ثم إلى الحيوان والإنسان، وبذلك يصل إلى السلسلة الغذائية للإنسان".
لهذا السبب، يرى المتحدث أن بعض الدول وبعض التكتلات، كالاتحاد الأوروبي، وضعت حدودا قصوى لتركيزه في الأسمدة لا يمكن السماح بمرورها إلى الأسواق عندها. وأثار مكاوي مسألة عدم الاتفاق العلمي الكلي حول الخطورة الكبيرة للكادميوم على حياة الإنسان. ولخص الرأي المختلف لعدد من الخبراء بأنه "على الرغم من أن تركيز هذا المعدن في النبات يزيد بزيادة إضافات منه إلى التربة عن طريق الأسمدة، إلا أن امتصاصه بواسطة النبات يظل محدودا، وتظل إمكانية تراكمه في النبات للدرجة التي تحدث خطرا صحيا محدودة للغاية".
وأكد أن الكادميوم من أكثر العناصر الثقيلة تراكما في التربة نتيجة لإضافة الأسمدة بشكل مستمر، إلا أن هناك تفاوتا في امتصاصه من طرف النباتات المختلفة، مضيفا أن أكثر النباتات التي يمكن أن يؤثر تراكم الكادميوم فيها، "هي الخس والسبانخ والكرفس، على العكس من البطاطس والبقوليات".
واستشهد خريج جامعة محمد الخامس بما جاء في المحفل الحكومي الدولي المعني بالسلامة الكيميائية من أن المعادن الثقيلة، وهي: الزئبق والكادميوم والرصاص، "لم تول ما تستحقه من اهتمام في هذه الدراسات، على الرغم من آثارها السلبية المعروفة جيدا على الإنسان". ليخلص إلى كون الحالات التي كانت موضوع دراسات على هذا المعدن "لم تتسم بالرصانة العلمية المطلوبة وتميزت بانعدام الموثوقية بسبب تدني مستوى تطور المعدات والتقنيات المستخدمة في تحليلها".
وقد سبق للمجمع الشريف للفوسفاط أن أماط اللثام عن موقفه مقللا من المشكل. وخلال ندوة صحافية في شهر أكتوبر من سنة 2016 بالدار البيضاء، تحدث مصطفى التراب، الرئيس المدير العام للمجمع، عن وجود مناورات داخل دهاليز الاتحاد الأوروبي سببها المنافسة مع منتجين آخرين، معتبرا أن المشكل مطروح منذ 20 عاما، وأن القضية هي تعبير عن ضغوطات منافسة وأخرى صادرة عن تنظيمات مهتمة بالبيئة تشتغل في بروكسيل للتأثير على صناع القرار.
كما أن المجمع يصر على أن دراسات الأوروبيين غير دقيقة، ويعمل على كسر الحجة العلمية الأوروبية محاولا إظهار كون الخطر الذي يطرحه الكادميوم لن يكون إلا في محتوى يتجاوز 80 ملغ/كغ، في مقابل ذلك لا تتجاوز نسبة الكادميوم في الفوسفاط المغربي نسبة mg/kg72، فجاء الرد من الاتحاد الأوروبي على ضغوط ونظرة المجمع بعد مرور حوالي سنة على ندوة التراب في اتجاه معاكس.
هذه المعطيات المتعلقة برأي المجمع استقتها هسبريس من بيانات وتقارير إعلامية صادرة عن إدارة الفوسفاط، رغم اتصالنا بمسؤولي التواصل لديه مرات عدة عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني، غير أنهم لم يردوا على رسائلها رغم تأكيدهم التوصل بها مع إبلاغنا بأن الأسئلة قيد الدرس لأزيد من أسبوعين.
في الشق السياسي المؤسساتي، حاولت هسبريس تقصي آراء السياسيين، من برلمانيين ومسؤولين حكوميين، عن دورهم في الترافع في القضية أمام الاتحاد الأوروبي، وأمام الفرق الحزبية الأوروبية، غير أن النتيجة كانت صادمة.
نواب الأمة الذين تواصلنا معهم عبر الهاتف لم يتمكنوا من السؤال جيدا، ببساطة لكونهم لا يتوفرون على معلومات بسبب عدم علمهم بتواصل المجمع الشريف للفوسفاط مع مؤسستهم. العينات النيابية التي تحدثنا إليها تمثل أكبر الأحزاب الممثلة في البرلمان المغربي بغرفتيه، ومنهم رؤساء فرق ولجان برلمانية، كلهم فضلوا عدم ذكر أسمائهم في هذا التقرير، الشيء الذي لبيناه رغم أهمية الموضوع وطنيا وسياديا واقتصاديا تفاديا لأي إحراج ونظرا لكوننا نبحث عن الحقيقة، وليس عن التشهير أو الإثارة.
البداية كانت مع نائب بالغرفة الأولى عن حزب العدالة والتنمية. عبر النائب الشاب عن عدم اطلاعه على أي معطيات متعلقة بالموضوع بمجلس النواب، وأرجع الأمر إلى عدم وجود تواصل داخلي في الموضوع، محملا المسؤولية لرئيس المجلس، الحبيب المالكي، لكونه هو رئيس المؤسسة وهو من يجب أن يوجه إليه سؤال وجود تواصل مع المكتب الشريف للفوسفاط في الموضوع.
في التوجه نفسه تقريبا، سار رئيس فريق حزب معارض بمجلس المستشارين، نافيا أن يكون هناك أي تواصل كيفما كان في هذا الموضوع بين مكتب الفوسفاط والمستشارين. بل وزاد أنه لم يسبق له أن شاهد مصطفى التراب، الرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، في غرفته لتقديم أي معطيات كيفما كان نوعها.
الخلاصة أن مصطفى التراب، الذي يظهر من حين إلى آخر في ندوات صحافية وطنية، لا يتردد على المؤسسة التشريعية للتنسيق معها في هذا الملف المهم جدا للمغرب.
"أعتذر، لا يمكنني أن أجيبكم على سؤال علاقة التواصل بين المجمع الشريف للفوسفاط مع مجلس النواب لأنني لا أتوفر على أي معلومات دقيقة في الموضوع"، هكذا كان جواب رئيس فريق حزب معارض في الغرفة الأولى للبرلمان.
نواب ومستشارون آخرون تفادوا الإجابة عن سؤال حول معلوماتهم عن خلافات الأوروبيين مع المغرب حول الفوسفاط، فتوافقوا جميعهم على جواب واحد وموحد، أنهم لا يتوفرون على أي عناصر رسمية أو مؤسساتية للإجابة، وأن كل ما يعرفون عن القضية هو مستخلص من قصاصات الأخبار ومن الصحافة الوطنية والدولية كأي مواطن مغربي عاد.
حاولنا بكل الطرق التواصل مع الحبيب المالكي لأخذ رأيه في النازلة الوطنية، غير أننا فشلنا في الوصول إليه رغم مهاتفتنا له مرات عدة وإرسال رسائل قصيرة عدة إلى رقم هاتفه. ومع ذلك حاولنا المرور عبر مساعديه وديوانه لكن لم تكن هناك أي متابعة رغم أننا شرحنا لهم موضوع هذا التقرير الإخباري، وطلبوا منا الانتظار. ورغم مرور أزيد من أسبوعين، لم نتوصل بأي جواب أمام حجم القضية وظرفيتها الموسومة بتوتر مرتفع مع الاتحاد الأوروبي وما يقتضيه ذلك من ضرورة توضيح المواقف والآراء.
أعضاء الحكومة الذين تواصلنا معهم عبر مكالمات هاتفية وعبر رسائل قصيرة، لم يتابعوا معنا الموضوع وأحالونا على مساعديهم الذين ظلت هواتفهم ترن دون إجابات، بل إن بعضهم ظل هاتفه مشغولا بشكل دائم رغم توصله بطلبنا.
في الشق الدبلوماسي لم يسعفنا الحظ في التواصل مع الدبلوماسيين الرسميين، خصوصا في أوروبا، ولم يكن أمامنا سوى التواصل مع نشطاء الدبلوماسية الموازية المطلعين على الملف.
هشام رحيل، أحد النشطاء في هذا المجال، صرح لهسبريس بأنه على دراية بمشكل كادميوم فوسفاط المغرب، وأن القضية هي مسألة لوبيات قوية في بروكسيل. وحكى كيف أنه شاهد بأم العين كيف "يصول ويجول دبلوماسيو الجزائر رفقة لوبيات قوية في دهاليز بروكسيل". وأخذ يروي تفاصيل لقاء متعلق بالاقتصاد نظم في فندق فاخر وسط العاصمة البلجيكية على مرمى المفوضية الأوروبية، "حضرته شخصيات حكومية برلمانية وحزبية أوروبية لها تأثير في القرارات القطاعية داخل مختلف لجان البرلمان الأوروبي".
هذا اللقاء الذي حضره رحيل كمغربي وحيد ضمن الحضور، " كان من تنظيم مؤسسة تشتغل في الضغط lobbying وبتمويل مباشر من الجزائر"، بحسب ما عاين من تواجد "عنصر جزائري دبلوماسي يتحرك في الكواليس، خارج قاعات الورشات وسط الحضور ووسط المؤسسة المنظمة بدون أي عائق رغم أنه لم يكن ضمن المتدخلين المحاضرين في اللقاء".
من خلال تجربته، لاحظ رحيل غياب الدور التأطيري والتواصلي للمغرب لمثل هذه اللقاءات وللشخصيات المؤثرة هناك، وقال: "تواصلت مع عدد من المسؤولين داخل الفرق البرلمانية، فصدمت بكون المملكة غائبة عن كواليس المؤسسات الأوروبية وسيطرة الجزائر وخصوم الوحدة الترابية، ناهيك عن غياب شبه مطلق وتام عن الإعلام البلجيكي والأوروبي واكتفاء المسؤولين الدبلوماسيين المغاربة بنشر أنشطتهم في المواقع الوطنية، عكس خصومنا المستعدين دائما للهجوم علينا إعلاميا هناك"، بحسب تعبيره.
واستخلص رحيل أن ملف الفوسفاط يتعرض لضغوط شديدة من عدة لوبيات روسية جزائرية، يتعين التصدي له "بخلق فريق عمل ذي رؤية سياسية قانونية، مكون ومدرب لهذه الغاية للتعاطي مع الإعلام الأوروبي ومع مختلف المتدخلين في القرارات الأوروبية في جميع المؤسسات".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.