تبقى مدينة بومالن دادس، الواقعة بإقليم تنغير، مثلها مثل باقي مدن عديدة بجهة درعة تافيلالت، تعاني من مختلف مظاهر الحرمان والعزلة بجميع أشكالها، خاصة في الجانب الاجتماعي، رغم كونها تحتل موقعا جغرافيا مهما، وتزخر بمؤهلات بشرية وطبيعية وفلاحية لم تلق أي اهتمام من طرف المسؤولين. تبعد المدينة عن مقر عمالة إقليم تنغير بحوالي 45 كيلومترا، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 12322 نسمة، حسب إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط لسنة 2014، تمتهن غالبيتها الفلاحة التضامنية أو ما يسمى بالفلاحة المعيشية، والتجارة غير المنظمة، فيما الباقي يهاجرون نحو مدن الداخل من أجل كسب قوت يومهم نظرا إلى غياب فرص العمل بمدينتهم. كانت مدينة بومالن دادس ومازالت مركزا مهما، نظرا إلى موقعها الجغرافي، كونها تتواجد بالطريق الوطنية رقم 10، بين الرشيدية وورززات، عبر قلعة مكونة، وتنغير، وتنجداد وكلميمة، وسكورة، إلا أن غياب مشاريع تنموية واقتصادية واجتماعية بها جعلها مركزا للعبور فقط، ولا تستفيد الساكنة من موقعها إلا الغبار وضجيج العربات، وهو ما تعتبره تهميشا وإقصاء ممنهجا لمدينة كان بإمكانها أن تتبوأ مكانة مهمة في الإقليم لاعتبارات عدة، وفق تصريحات متطابقة لمجموعة من الشباب ممن التقت بهم جريدة هسبريس الإلكترونية. مشاريع غائبة وبطالة خانقة خلال الزيارة التي قامت بها هسبريس إلى مدينة بومالن دادس، بداية الأسبوع الجاري، التقت مع مجموعة من المواطنين، أغلبهم شباب، كلهم أمل في أن تتحرك الجهات المنتخبة محليا، والسلطات الإقليمية، والحكومة المركزية، من أجل تجسيد مشاريع تنموية، اقتصادية واجتماعية، والتدخل لانتشالهم من المشاكل اليومية التي ظلت تؤرق حياتهم بهذه المدنية التي وصفوها ب "المقرة المنسية". وأكد مواطنون أن مجموعة من البنايات التابعة لمؤسسات الدولة أصبحت اليوم مجرد أطلال يسكنها أشباح، بعد فترة قصيرة من الاشتغال داخلها، نظرا إلى قلة الموارد البشرية وعدم تحفيزها للعمل بهذه المناطق، في إشارة إلى المستشفى المحلي لبومالن دادس، الذي يعاني خصاصا مهولا في الأطر الطبية وشبه الطبية، رغم أنه يستقبل ساكنة أزيد من خمس جماعات ترابية. سعيد الهادي، أحد هؤلاء الشباب ممن تحدثوا لجريدة هسبريس، قال إن الساكنة بهذه المدينة تعيش معاناة يومية نتيجة أزمة البطالة الخانقة التي نخرت أجسادهم ولا مفر منها، مرجعا ذلك إلى ما سماه "غياب المرافق الضرورية والمشاريع التنموية ذات البعد الاقتصادي والاجتماعي، التي من شأنها أن تخفف من معاناتهم". وتابع أن "الشباب هنا على وشك الانفجار أمام الوضع التنموي الحالي، ونطالب الجهات المسؤولة التي وضع فيها ملك البلاد الثقة أن تعمل على توفير ظروف العيش الكريم للساكنة وإلا ففي الأيام أو الشهور القادمة ستكون الكلمة لحراك للشباب"، وفق تعبيره. بدوره، اتهم كريم اسكلا، رئيس مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، ما سماه ب "لوبي اخطوبوطي" بأنه المسؤول عن عرقلة التنمية ببومالن دادس، وقال: "تعاني منطقة بومالن دادس من هيمنة لوبي أخطبوطي ينتفع من الوضع القائم، بحكم احتكاره للتجارة والسياحة وأهم المشاريع والصفقات العمومية والخاصة، ويهيمن على تدبير الوعاء العقاري وأراضي الجموع بطريقة لا تخدم التنمية المستدامة، ويخنق كل المبادرات والطاقات الصاعدة التي تواجه بتعقيدات إدارية وتسويفات تجعلها في آخر المطاف تفضل الرحيل والهجرة". وأضاف: "لدينا معطيات تفصيلية عن مجموعة من المواطنين، سواء من أبناء المنطقة أو مناطق أخرى، قدموا للاستثمار داخل تراب المدينة على شكل مشاريع ومبادرات ثمينة، لكن ووجهوا بالرفض والعرقلة لينصرفوا إلى وجهات قريبة وفرت لهم كل الظروف المواتية للنجاح، ونجحت مشاريعهم فعلا، في حين استقدمت مشاريع ريعية لا تسمن ولا تغني من جوع فقط لأنها تخدم اللوبي المتحكم"، وفق تعبيره. واسترسل الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، قائلا: "إن قدر لمشاريع أن تدشن فينطبق عليها القول بأسلوب توفيق الحكيم إنها أمست ك "بيتنا الذي لم يتم"، فقد أصبح البناء والهدم والحفر في مدينتا شيئا طبيعيا مستمرا، كالأكل والشرب، يشقون هنا دهليزا، ويزيلون من هناك جدارا، ويسدون هنا شباكا، ويفتحون هناك بابا، وعوض أن يفتحوا الباب على الصحن يفتحونه على المرحاض، فيبدؤون من جديد بسد ما فتحوا وإقامة ما أزالوا". وزاد: "إذا كان تأخر هذه المشاريع راجع إلى بلوكاج هناك في المركز، فعلى المسؤولين أن يصرحوا بذلك، كي نفكر في آليات للترافع الجماعي مثلا، أما أن ننهج سياسة الصمت ورفض حتى مجرد النقد والتعليق، أو أن يكون من المفترض في المجتمع المدني أن يكون مطبلا ومزمرا، فهذا لا نعتقد أنه يخدم المنطقة في شيء". الانتخابات ترفع من وتيرة الأشغال مازال الصغير والكبير ممن يقطنون في مدينة بومالن دادس، التي توصف لدى العديد من أبنائها ب"المقبرة المنسية" ومدينة "الصم البكم"، يتذكر أحداث يوم 6 يناير 2008، حينما نشبت مظاهرات شعبية احتجاجية ضد السلطات، بسبب عدم تدخلها آنذاك في بعض القرى المجاورة التي ظلت لأيام عدة عالقة في الثلوج، وانعدام التنمية المحلية، وتحولت هذه المظاهرات إلى مواجهات مع قوات الأمن، تسببت في اعتقال العشرات، من بينهم عشرة طلاب من المؤسسات التعليمية الثانوية. ذلك ما ترى فاطمة بنت حمو ضرورة أخذه بعين الاعتبار من أجل تفادي وقوع مثل هذه المواجهات مستقبلا بسبب تزايد مطالب الساكنة بتوفير ضروريات الحياة، قائلة: "بمدينة بومالن دادس توجد مشاريع كبرى وهامة ومهمة، لكن المشكل أن وتيرة أشغالها ترتفع فقط قبيل الانتخابات". وأردفت بأن مشاريع تأهيل المدينة لم تكتمل بعد، ومشروع الصرف الصحي ما زال لم يبرح مكانه، والمستشفى المحلي مازال ورشا مفتوحا، والممرضون والأطباء الذين كانوا يشتغلون في المدينة رحلوا إلى مناطق أخرى، وكذا مشروع الحي الحرفي، رغم تقدم أعماله لكنه عرف خروقات عدة وتجاوزات ستجعله لن يحقق هدفه الأساس المتجلي في القضاء على المحلات الحرفية في الأحياء السكنية". وتساءلت: "ما الغاية من إقامة مشروع الحي الحرفي إذا كان أغلب الحرفيين الحقيقيين لم يستفيدوا منه؟ ثم لماذا كان في الأصل حيا صناعيا وحول بقدرة قادر إلى حي حرفي؟". وعاد كريم اسكلا، رئيس مرصد دادس للتنمية والحكامة الجيدة، ليؤكد أن "أغلب المشاريع المحدثة تكون عبارة عن إنشاءات وبنايات ومضاربات عقارية، حتى تكاد تتحول المجالس المنتخبة إلى طاشرونات بناء ووكالات عقار، فمن بين النقط التي نعيبها على المجلس المسير للجماعة كونه لم يضع تصورا يجعل من الأراضي السلالية رافعة للتنمية المجالية وضامنا للحقوق". وختم كريم تصريحه لهسبريس بالقول: "نعتقد في مرصد دادس أن الإشكال العميق ليس فقط في تعثر إنجاز المشاريع، ولكن إضافة إلى ذلك هناك إشكال في جودتها واحترامها لمعايير ودفاتر تحملات مواطنة، إضافة إلى بعد آخر يتعلق بالرؤية التنموية الاستراتيجية للمدينة ككل". وتساءل مستغربا: "ما هي الرؤية التي يمتلكها المسيرون للتنمية بالمنطقة على المدى البعيد عوض تسطير مشاريع تغذي النزعة الانتخابوية الضيقة ومنطق توزيع المنافع ومكافأة الأتباع ومعاقبة المختلفين والمعارضين؟"، ليرد: "نحن كمجتمع مدني نقول إن تنمية المنطقة تحتاج إلى جميع الأطراف والقوى ولا يجب أن يكون اختلاف الآراء والرؤى مبررا للإقصاء والاستعداء والانتقام". مسؤول: البلدية تشتغل وفق إمكانياتها المحدودة في الوقت الذي اتصلنا فيه بمحمد قشا، رئيس المجلس الجماعي لمدينة تنغير، وتعذر علينا التواصل معه نظرا إلى كون هاتفه ظل خارج التغطية، اتصلنا بأحد نوابه الذي فضل عدم الكشف عن هويته للعموم، وأكد أن "المجلس الجماعي، بأغلبيته ومعارضته، يتشغل وفق الإمكانيات التي يتوفر عليها، رغم ضعفها"، مشيرا إلى أن "الجماعة وحدها لا يمكنها أن تنزل مشاريع كبرى بالمنطقة، ويجب تضافر الجهود من المجلس الجماعي والمجلس الإقليمي والسلطات الإقليمية والمجلس الجهوي والولاية وجميع القطاعات الوزارية، من أجل تنزيل رؤية تنموية ذات بعد استراتيجي بالمدينة". وأضاف المسؤول ذاته أن أغلب المشاريع المنجزة بالمدينة هي بفضل مجهودات رئيس المجلس الجماعي وجميع أعضاء المجلس، بالإضافة إلى بعض المتدخلين من سلطات إقليمية وجهات منتخبة أخرى، موضحا أن بومالن دادس مازالت في أمسّ الحاجة إلى اعتمادات مالية كبيرة لإحداث مشاريع تنموية بها، وقال: "رغم الإمكانيات الضعيفة للجماعة الترابية لبومالن دادس، فإننا نقوم بمجهود من أجل البحث عن شركاء في تنزيل برامج تنموية واقتصادية". واتهم المسؤول ذاته من سماهم ب"النقاد وراء الشاشة" بتوجيه "سهام الانتقاد إلى المجلس الجماعي دون تكليف أنفسهم عناء البحث والتقصي فيما ينشرونه"، معتبرا أن "على الجميع أن يشارك في التنمية المحلية، والجميع مسؤول عن حالة الجمود التي تعرفها مختلف المشاريع التنموية ليس فقط في بومالن دادس بل في مختلف مناطق إقليم تنغير والجهة ككل"، مضيفا: "رغم أننا نتلقى طعونا في ظهورنا يوميا، فإننا سنستمر في تحمل مسؤوليتنا ونسير بنفس الخطى من أجل تحقيق انتظارات الساكنة".