في غمرة تصاعُد احتجاجات فئات من المغاربة، وخاصة الشباب، ضدّ أوضاعهم الاجتماعية، مطالبين ببدائل اقتصادية وتنموية تُنقذهم من براثن البطالة والهشاشة الاجتماعية، يرى سعيد بنيس، أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أنَّ ثمّة ضرورة إلى حوار وطني حول النموذج التنموي الكفيل باحتضان تطلعات الشباب المغربي. وبسَط بنيس في عَرْض قدمه خلال ندوة وطنية حول "الشباب المغربي وإشكالية التشغيل"، نظمتْه الشبيبة الاستقلالية بالقنيطرة، تداعيات بطالة الشباب على الاستقرار والسِّلْم الاجتماعي، خاصّة مع تنامي الأشكال الاحتجاجية التي ينخرط فيها الشباب مع ضيْق الأفق، مثل الاحتجاج في الشارع، وإضرام النار في الجسد، والانتحار... واعتَبر بنيس أنّ لجوء الشباب إلى هذه التعابير الاحتجاجية الفردية والجماعية يُحوِّل بطالة الشباب من "مُعضلة اقتصادية إلى ظلم اجتماعي يُصْرف من خلال الشعور بالحكرة الاجتماعية التي من تداعياتها الانتقال إلى احتباس قيمي بمتغيرات قارة من قبيل تهديد الأمن والسلم الاجتماعي، وأخرى مستقلة من قبيل الانسداد الاجتماعي والارتباك القيمي". وتوقّف أستاذ علْم الاجتماع عند أهمّ أسباب الإحباط الاجتماعي لدى الشباب المغربي، مركّزا على ثلاثة أسباب هي خوْصصة القطاع العام، وازدهار الساحل وتهميش الهامش، والتفاوُتات المجالية، أو ما سمّاه "الإحباط المجالي"، الذي يتمخّض عنه فقدان الثقة بين "شباب الهامش" والدولة، معتبرا أنَّ الاحتجاجات المتصاعدة للشباب تُظهر حدود النموذج التنموي الحالي "الذي كرّس التفاوت الجهوي وتفاقُم البطالة". احتجاج الشباب لا يعني فقط التعبير عن مشاعر الغضب إزاء الوضعية المعاشة، بل يحملُ كذلك نقدا إلى الجهات التي من المفترض أن تكون وسيطا بينه وبين الدولة. وأوضح بنيس أنَّ ثقافة الاحتجاج تقدم نفسَها بديلا عن مفهوم "الديمقراطية التمثيلية"، وإعلان إفلاسها وعجزها عن الاستجابة للمطالب وتحقيق التغيير. وأضاف أنّ رفض الشباب الانخراط في شكل التنظيم السياسي نابع من فقدان الثقة في الهيئات السياسية، والبحث عن الاستقلالية، في الوقت الذي يحتاج فيه الشباب المغربي إلى مَعبر سياسي حقيقي لمعالجة آفة البطالة، مشيرا إلى أنّ احتجاجات الشباب المغربي تستمد مشروعيتها من "الحرمان الممنهج من الحق في التشغيل التي يراها هؤلاء غير قابلة في تحقيقها للتسويف والمماطلة التي دأب عليها مدبرو الشأن العام". بنيس اعتبر أنَّ خروج الشباب المغربي إلى الشارع ليس وليد الصدفة، بل له دوافعُ متعددة، منها على الخصوص التحول الهَرمي للساكنة في المغرب، حيث تمثل فئة الشباب نسبة 50%، حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014، موضحا أنه "من البديهي أن تكون الدولة مستقبلا أمام أشكال وأصناف من الاحتجاجات الشبابية". وللخروج من الوضعية الراهنة، يرى بنيس أنّه لا مناص من ملاءمة التنمية الترابية وانتظارات الشباب، على اعتبار أنّ الاندماج المحلي هو أساس الاندماج الوطني، لافتا إلى أنّ الاحتجاجات ستبقى قائمة في المغرب ما دامت السياسات العمومية لم تُلبِّ ولم تستجبْ لمنظومة القيَم المادية المنشودة من طرف الشباب، لاسيَما منها التشغيل. بنيس دعا إلى فتح حوار وطني حول النموذج التنموي الكفيل باحتضان تطلعات الشباب، يكون قائما على قاعدة التوزيع العادل للخيرات والثروات على كافة جهات البلاد، وخاصة المناطق الفقيرة، مُبرزا أنّ الاحتجاج الشبابي "هو تعبير عن انسداد بنيوي لأفق الدولة قد يُسقط عقدة الخوف من ناحية، وإمكانية انفلات المجتمع في أية لحظة من ناحية أخرى".