مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    بعد استهدافها بصواريخ باليستية من إيران.. إسرائيل تهدد برد قوي وحازم    بعشرة لاعبين.. اتحاد طنجة يتعادل مع بركان ويتربع على صدارة البطولة الوطنية    اقليم اسفي : انقلاب حافلة للنقل المدرسي واصابة 23 تلميذا    الحبس النافذ لطبيب بتهمة الإساءة للقرآن والدين الإسلامي على وسائل التواصل الاجتماعي    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. منح مساعدات مالية مهمة للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء فيضانات الجنوب الشرقي‏    نقابة مغربية تتضامن مع عمال فلسطين    نتائج اليوم الثاني من جائزة "التبوريدة"    تعنت نظام الكبرانات.. احتجاز فريق مغربي بمطار جزائري ليلة كاملة ومنعهم دخول البلاد    نائلة التازي: الصناعات الثقافية و الإبداعية رهان لخلق فرص الشغل    ملكة هولندا "ماكسيما" تفتتح معرضاً حول "الموضة المغربية" في أوتريخت    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    السياحة المغربية: رافعة أساسية للتشغيل، لكن هناك حاجة ملحة لتعبئة أكبر لجميع المناطق    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    الرئيس الإيراني يتعهد ب"رد أقسى" في حال ردت إسرائيل على الهجوم الصاروخي    في العروق: عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    طقس الخميس .. امطار بالشمال الغربي ورياح قوية بالواجهة المتوسطية    مواجهة أفريقيا الوسطى.. منتخب الأسود يقيم في مدينة السعيدية        عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري البريطاني لمناقشة تعزيز التعاون الأمني    بلينكن يجدد دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء        دريانكور: الجزائر تنسى اتفاق الحدود مع المغرب .. والنظام يعاني من العزلة    أساتذة الطب والصيدلة يتضامنون مع الطلبة ويطالبون ب"نزع فتيل الأزمة"    الودائع لدى البنوك تتجاوز 1.200 مليار درهم    "حزب الله" يعلن تدمير 3 دبابات إسرائيلية    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثمانية من جنوده في معارك مع حزب الله بجنوب لبنان    القاهرة.. الجواهري يستعرض التجربة المغربية في مجال دور المصارف المركزية في التعامل مع قضايا التغير المناخي    إحباط عملية للتهريب الدولي لشحنة من الكوكايين بمعبر الكركرات    الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024: انتهاء مرحلة تجميع المعطيات من لدن الأسر    اعتداء جنسي على قاصر أجنبية بأكادير    فيلم…"الجميع يحب تودا" لنبيل عيوش يتوج بجائزتين    الدنمارك: انفجار قنبلتين قرب سفارة إسرائيل    بسبب "عدم إدانته" لهجوم إيران.. إسرائيل تعلن غوتيريش "شخصا غير مرغوب فيه"    الصويرة بعيون جريدة إسبانية    لقجع: "سننظم كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2028 وسنفوز بها على أراضينا"    نزاع يؤدي إلى طعن النائب البرلماني عزيز اللبار ومدير الفندق    إيران تقصف إسرائيل وتهدد باستهداف "كل البنى التحتية" لها    لهذا السبب تراجعت أسعار الدواجن !    ابتداء من 149 درهما .. رحلات جوية صوب وجهات اوروبية انطلاقا من طنجة    الولايات المتحدة تعيد التأكيد على دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي في الصحراء كحل جاد وموثوق وواقعي    وفاة شاب في الأربعينات متأثراً بجروح خطيرة في طنجة    الولايات المتحدة تثمن الدور الحيوي الذي يضطلع به جلالة الملك في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب        الاعلان عن موسم أصيلة الثقافي الدولي 45 بمشاركة 300 من رجال السياسة والفكر والادب والاعلام والفن    أبطال أوروبا.. أرسنال يحسم القمة أمام سان جرمان وإنتصارات عريضة للفرق الكبيرة    احتفاء بذكرى المسيرة الخضراء.. الداخلة تستعد لاحتضان حدث رياضي دولي في المواي طاي    السيد: مستشرقون دافعوا عن "الجهاد العثماني" لصالح الإمبراطورية الألمانية    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    رجل يشتري غيتاراً من توقيع تايلور سويفت في مزاد… ثم يحطّمه    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    جدري القردة يجتاح 15 دولة إفريقية.. 6603 إصابات و32 وفاة    تناول الكافيين باعتدال يحد من خطر الأمراض القلبية الاستقلابية المتعددة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة تسارع الزمن للإفلات من «قنبلة» الشباب
نشر في اليوم 24 يوم 07 - 10 - 2018

منذ خطاب العرش الماضي، تسارعت وتيرة إطلاق الدولة المشاريع والبرامج الهادفة إلى امتصاص غضب الشباب المهمش والعاطل عن العمل. يأتي ذلك بعد سنتين من الاضطرابات بعد حراك الريف واحتجاجات جرادة وغيرهما، والتي وضعت «الدولة في مواجهة الشارع»، بتعبير الباحث الجامعي محمد مصباح. وضع أظهر أن الفراغ السياسي، الذي تبلور في سياق واقعة «البلوكاج» من قبل رافضي نتائج انتخابات 2016، استمر بعدها. بل إن تلك الاحتجاجات أظهرت أن الوضع قابل لأن يصبح خارجا عن السيطرة، ومرشحا للانفلات. ما دعا الدولة إلى مواجهته أمنيا، قبل أن تستدرك، من خلال إطلاق مبادرات وبرامج ذات طبيعة سياسية وتنموية.
هكذا كان خطاب العرش ثم ذكرى 20 غشت مناسبة للإفراج عن جزء من المعتقلين بسبب حراك الريف، في خطوة أعقبها إعلان برامج يبدو أن الرابط بينها واحد؛ امتصاص غضب الشباب المحتج الذي كان المحرك الأساسي للاحتجاجات التي أعقبت الانقلاب الناعم على نتائج انتخابات 2016، كان أولها إعلان العودة إلى نظام التجنيد الإجباري بحجة تأهيل الشباب للاندماج في المجتمع، قبل أن تقدم الدولة، في خطوات أخرى، على إطلاق برنامج للتعليم الأولي، يهدف إلى تشغيل 50 ألف شاب في أفق 2028، مع إعلان الاستمرار في إعمال نظام «التعاقد» في قطاع التعليم، والذي يشغل 20 ألف شاب سنويا من خريجي الجامعات، وإطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023)، باستثمار قدره 18 مليار درهم، وأولويات على رأسها تكوين وتشغيل الشباب، قبل أن يعلَن أخيرا برنامج جديد لتأهيل منظومة التكوين المهني، حيث كلّف الملك محمد السادس الحكومة بإعداده في ظرف ثلاثة أسابيع فقط. فهل تنجح الدولة في نزع فتيل القنبلة الشبابية؟
عمق الأزمة
حمل التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الشباب وصفا دقيقا لعمق الأزمة التي يعانيها الشباب، وقدم بشكل غير مباشر بعض أسباب الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت منذ أكتوبر 2016، عقب وفاة محسن فكري في الحسيمة مطحونا في شاحنة للنفايات. التقرير الذي صدر عن مؤسسة دستورية تضمن ما يكفي من المؤشرات والخلاصات التي تبرر حراك الريف وغيره. في التقرير هناك رصد لواقع الحال، وللتحولات الكبرى التي يشهدها المجتمع، حيث يقول: «إذا كان الشباب المغاربة يمتلكون مجموعة من المهارات والقدرات والطاقات الهائلة التي يتعين إبرازها وتحريرها، فإن شريحة كبيرة منهم لاتزال تعاني مظاهر الهشاشة (شباب يعانون الإقصاء، وشباب لا يزاولون عملا، ولا يتلقون تكوينا أو تدريبا، وشباب كُبِحت رغبتهم في ممارسة العمل المقاولاتي، وشباب لم يتمتعوا بحقهم في طفولة سليمة…)». ويضيف أن «غالبية الشباب، المتراوحة أعمارهم بين 15 و34 سنة، وهي الفئة التي تمثل حوالي ثلث ساكنة البلاد (34 في المائة)، على هامش النمو الاقتصادي المطرد الذي شهدته المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم يستفيدوا بشكل منصف من التقدم الاقتصادي المتأتي من دينامية النمو التي عرفتها البلاد».
هذه الخلاصة المزعجة لواضعي السياسات العمومية أكدها تقرير مؤشر تنمية الشباب العالمي لسنة 2016، والذي صنّف المغرب في المرتبة 120 من أصل 183 بلدا، وجاء خلف غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الدخل المتوسط، منها الأردن (المرتبة 114) وتونس (المرتبة 110)، ولبنان (المرتبة 76)، وتركيا (المرتبة 62). ويسمح هذا المؤشر بإجراء مقارنات بين البلدان، وقياس التطور المسجل عبر الزمن، ويشمل خمسة مجالات أساسية هي: التعليم، الصحة والرفاهية، التشغيل، والمشاركة المواطِنة والمشاركة السياسية.
إذا أخذنا مؤشر ولوج التعليم/التكوين الجيد، فقد أورد التقرير أن إشكالات الانقطاع عن الدراسة والهدر المدرسي، والفوارق بين التعليم العمومي والخاص، وتوجيه الشباب نحو تخصصات لا تمكنهم من اكتساب المعارف التي تتيح لهم الإعداد الجيد لمستقبلهم، تشكل عوائق تحول دون تمتع الجميع، على امتداد جهات التراب الوطني، بالحق في التعليم.
ولا يختلف مؤشر التشغيل عما سبق ذكره، فبالرغم من تحقيق وتيرة إيجابية في متوسط النمو السنوي للناتج الداخلي الخام الوطني خلال العقد الأخير، فإن انعكاسها على خلق فرص الشغل وإدماج الشباب ظل محدودا. وحسب المؤشر، فإن معدل البطالة في صفوف الشباب بالمغرب يظل مرتفعا (20 في المائة في المتوسط)، بل إن أغلب الشباب المشتغلين يعملون بالقطاع غير المنظم، وفي مناصب شغل تتسم بالهشاشة والأجور الزهيدة، كما أنهم لا يستفيدون من الامتيازات الاجتماعية. فبدون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائما التوفر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على منصب شغل لائق. لذلك، فإن الشباب يشعرون بأنهم لا يتحكمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي.
تحولات جارفة
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشباب أزمة عميقة، فهو يعيش تحولات جارفة، نتيجة توسع نطاق التكنولوجيا الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو عالم مفتوح يضع الشباب في قلب خيارات وتوجهات تتجاوز كل منظومة للضبط والتحكم. فقد أظهرت دراسة أعدتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات حول تكنولوجيا المعلومات والاتصال انتشارا واسعا للأنترنت، خصوصا وسط الأطفال والشباب بين 5 سنوات و39 سنة، وأكدت أن هناك تحولا جذريا يكشف، حسب سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، حالة «إحباط واقعي يُصرف عبر الانخراط في الشبكات الافتراضية».
الأرقام التي توصلت إليها الدراسة، التي شملت عينة من 12 ألف أسرة وفرد، وجرت ميدانيا خلال الفصل الأول من سنة 2018، وبمشاركة الوكالة ومؤسسات رسمية أخرى مثل المندوبية السامية للتخطيط والهيئة العليا للسمعي البصري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، أبرزت أن ولوج الشبكات الاجتماعية (الفايسبوك، تويتر…) بلغت نسبته، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2017، ما يزيد على 94,3 في المائة من المستعملين البالغين 5 سنوات فما فوق.
وسجلت الدراسة أن نسبة الشباب من الفئة العمرية التي تتراوح بين 15 و24 سنة، التي تلج الشبكات الاجتماعية، تزيد على 98,4 في المائة. أكثر من ذلك، توصلت إلى أن 8 من كل 10 أفراد يترددون على الشبكات الاجتماعية يوميا، نصفهم يقضي فيها أكثر من ساعة. سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، علّق على هذه الأرقام، في حديث مع «أخبار اليوم»، بالقول إن الشباب المغربي يعيش «نوعا جديدا من الانتماء»، وأوضح أن «هناك هويات واقعية تُصرف إلى هويات افتراضية، ما يعكس نوعا من الاغتراب أو الانحباس القيمي وسط الشباب»، وأضاف أن هذا الاغتراب يعكس بدوره «درجة معينة من الإحباط الواقعي، يعوّض عبر الانخراط في الشبكات والمجموعات الافتراضية»، مؤكدا: «لقد انتقلنا من الاتصال إلى نوع من الإدمان الإلكتروني». ويعكس الولوج الواسع للشباب للشبكات الاجتماعية مدى انتشار الأنترنت والهواتف الذكية وسط المغاربة. وحسب الدراسة، فإن الهاتف المحمول عم معظم الأسر المغربية تقريبا بنسبة 99,8 في المائة، سواء في الوسط القروي أو الوسط الحضري، وبلغ عدد المتوفرين على هاتف محمول 3,9 أفراد من كل أسرة. وتضيف الدراسة أن 92 في المائة من الأفراد البالغين 5 سنوات فما فوق مجهزون بهاتف محمول، 73 في المائة منهم يتوفرون على هاتف ذكي، ويلاحظ أن انتشار الهاتف الذكي يهم فئة الشباب والأطفال أكثر من غيرهما من الفئات، إذ إن 80 في المائة من الفئة العمرية ما بين 5 سنوات و39 سنة يتوفرون على هاتف ذكي. وتبلغ حظيرة هذا النوع من الهواتف أزيد من 22,6 مليون هاتف.
ويستعمل الهاتف الذكي أساسا لولوج الأنترنت، إذ بيّنت الدراسة أن 86 في المائة من الأفراد البالغين 5 سنوات فما فوق يستعملون الهاتف الذكي لولوج الأنترنت، كما أن 93 في المائة منهم يتوفرون على تطبيقات الهاتف الذكي. ويبقى الدافع الرئيس ل90 في المائة من الأسر لامتلاك الهاتف المحمول هو ولوج الأنترنت.
وحسب سعيد بنّيس، فإن هذه الأرقام تظهر أن «المغاربة أصبحوا جزءا من العالم المعولم»، كما تؤكد حصول «تحول كبير من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال». ونبّه بنّيس إلى الآثار المترتبة على هذا التحول، ومنها أن «الأنترنت أصبح فضاء رئيسا للتنشئة، خصوصا أنه يوفر هامشا واسعا من الحرية لتداول القضايا ذات الأولوية بالنسبة إلى المواطنين»، واعتبر أستاذ العلوم الاجتماعية أن هذا التحول «ينقلنا إلى نوع من الديمقراطية التداولية، المتحررة نسبيا من الرقابة الرسمية»، مؤكدا: «نحن إزاء مواطنة واقعية تتحول إلى افتراضية مفتوحة على جميع الرهانات».
وكشفت الدراسة معطيات أخرى تتعلق بانتشار الحواسيب، ففي سنة 2017 كانت 60 في المائة من الأسر تتوفر على حاسوب/لوحة إلكترونية، بنسبة تقدر ب6 في المائة مقارنة ب2016. وأظهرت المؤشرات أن هناك فردا من كل خمسة أفراد يتوفر على حاسوب أو لوحة إلكترونية، كما سجلت وجود سبع من كل عشر أسر تتوفر على ربط بالأنترنت المتنقل، كما أبرزت أنه في 50 في المائة من الأسر هناك أطفال أقل من 15 سنة يلجون الأنترنت، وصرّح 75 في المائة من الآباء بأن أبناءهم يتحكمون في استعمال الأنترنت، لكن المثير أيضا أن 7 آباء من كل 10 أكدوا أنهم غير مجهزين لمرافقة وتوجيه أبنائهم في ما يخص استخدام الأنترنت.
وقد يصف البعض هذه الوضعية ب«انفلات الشباب»، لكن بنّيس يفضل القول إن هناك «فردانية تكسب لها مساحات إضافية داخل الأسرة»، لكنها قد «تتحول إلى انعزالية للفرد داخل أسرته»، وأوضح أن «هناك تحولا من الأسرة الملتحمة إلى الأسرة الانعزالية، أي التي تعيش بشكل مشترك لكن أفرادها منعزلون عن بعضهم البعض» مؤكدا أننا « إزاء توحد اجتماعي».
ومما يزكي ملاحظات بنّيس أن المغاربة يقضون وقتا أطول على الأنترنت، فقد أكدت الدراسة أن «مستعملي الأنترنت» في المغرب «يفوق المتوسط العالمي ب8 نقاط»، وأن «ثلثي المستعملين يستعملون الأنترنت يوميا، وما يقارب نصفهم يقضون أكثر من ساعة على الأنترنت من خلال الهاتف المحمول».

تحذيرات من الانفجار
مع تفاقم أزمة الشباب دون حل، واستفحال أزمة الثقة في المؤسسات بعد «الانقلاب» الناعم على انتخابات 2016، تتزايد التحذيرات من انفجار الأوضاع. ويبدو أن حراك الريف واحتجاجات جرادة كانا مؤشرين على إمكانية الانفجار. في هذا السياق، كان الباحث الفرنسي «لوران شالار»، من جامعة السوربون، قد تنبأ سنة 2015 بإمكانية حدوث ثورة في المغرب بين 2017 و2020. وعزا ذلك بشكل رئيس إلى التحول الديمغرافي، واعتبر أن هناك ثلاثة عوامل إذا اجتمعت في بلد ما فإنها تحدث ثورة، وهي: النظام السلطوي، وسوء تدبير الاقتصاد، ومرور 25 سنة على بلوغ حالات الولادة ذروتها، وبعبارة أدق، بلوغ الأجيال الجديدة بأعداد كبيرة سن الرشد.
وللتدليل على هذه الفرضية، طبقها على حالة الثورة في كل من تونس ومصر، ولاحظ أن المغرب هو الآخر يستوفي الشرطين الأول والثاني، وسيتحقق الثالث ما بين 2017 و2020، لذلك تنبأ بحدوث ثورة للشباب في المغرب في هذه الفترة. وتساءل شالار قائلا: «هل هناك ثورة أخرى محتملة في باقي دول شمال إفريقيا؟»، وأجاب: «في الواقع، حسب نظرية «الدومينو»، فإن الثورة ستنتقل إلى دول أخرى، وهو ما حدث في ليبيا». وبعدما استبعد حدوث ذلك في الجزائر بسبب مخلفات العشرية السوداء التي أفقدت السكان القدرة على المواجهة، قال إن المغرب هو المرشح لها هذه المرة. وحسب شالار، فإن المغرب صُنف في الرتبة 116 عالميا في مؤشر الديمقراطية، واعتبر أنه في عهد الملك محمد السادس «أصبح النظام أكثر مرونة، ولكنه مازال دكتاتوريا. بيروقراطيته غير فعالة، واستفحل فيه الفساد، كما أن أداءه الاقتصادي يعتبر الأضعف قياسا بالدول المغاربية الأخرى». وفي ما يتعلق بمؤشر النمو والتوزيع العادل للثروة، أشار شالار إلى أن «البؤس لايزال يعم أرجاء المملكة، وتنتشر أحياء الصفيح في ضواحي المدن الكبرى، خصوصا في المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان كالدار البيضاء». وإذا كانت السياحة مصدر الدخل الأساسي، فإن القطاع لا يكفي لخلق فرص الشغل، في حين أن الموارد الأخرى، كالفوسفاط والنسيج والصناعة الغذائية، لا تكفي لاستيعاب البطالة المستشرية في صفوف الشباب. وأكد شالار أن «هذا الوضع قد يؤدي إلى حدوث الثورة، لاسيما أن ديمغرافية المغرب توصف بأنها قنبلة موقوتة». وبالرغم من أن البيانات المتعلقة بحالات الولادة في المغرب غير مكتملة، فإنها كافية لتحديد ذروة في حالة الولادات. لقد بدأ الانتقال الديمغرافي في المغرب متأخراً مقارنة بتونس، وبقيت نسبة الخصوبة عالية لفترة طويلة حتى بلغت حالات الولادة ذروتها بين 1992 و1995، ما يرجِّح، حسب شالار، احتمالِ حدوثِ ثورةٍ ما بين 2017 و2020. إلا إذا كانت الهجرة المكثفة للشباب متنفسا كبيرا للقوى المعارضة.
الدراسة الثانية مغربية، أعدتها مؤسسة الرباط للدراسات الاجتماعية ونشرت في أكتوبر 2017، بعدما أنجزت خلال الفترة ما بين 2015 و2016 حول ظاهرة العنف في أوساط الشباب المغربي، وجاء فيها أن غالبية الشباب الذين يقومون بأفعال عنيفة كانوا في الأصل ضحايا للعنف الجسدي والنفسي داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع.
الدراسة، التي شارك فيها 11 باحثا، خلصت، من خلال تحقيق ميداني قاد الباحثين إلى سبع جهات بالمغرب التقوا فيها 220 شابا من خلفيات متعددة تتراوح أعمارهم بين 18 و23 سنة، إلى أن العنف الذي تعرض له هؤلاء الشباب عندما كانوا صغارا كان عاملا حاسما في تحولهم إلى أشخاص يمارسون العنف بدورهم في الفضاء العام. وأبرزت سلوى الزرهوني، رئيسة مركز التفكير، أن تحليل المعلومات كشف أن العنف الذي عبر عنه الشباب «بنيوي»، وتشرح قائلة: «هؤلاء الشباب يتوفرون على قاسم مشترك يتجلى في كونهم تعرضوا للإقصاء الاجتماعي (التشغيل، التعليم، المشاركة السياسية…)، والعنف الذي يمارسونه هو نتيجة تفاعل عدة عوامل مجتمعية، إذن هم ضحايا ومذنبون، لكن يمكن القول إنهم ضحايا». واعتبرت الدراسة أن الشباب المغربي يعاني «عنفا متعدد الأبعاد» مؤكدة أننا «أمام شباب محبط يريد إثبات ذاته عن طريق العنف»، واعتبرت أن «المقاربة الأمنية البحتة لا تكفي من أجل إيجاد حلول للمشكل، بل يجب دراسته في إطار سياسي عمومي تاريخي متعدد القطاعات، وبرامج عمل قادرة على معالجة جميع أشكال التهميش والعنف بالمغرب.

تحركات لنزع الفتيل
هكذا نفهم لماذا تسارع الدولة الخطى لنزع فتيل التوتر الكامن في نفوس الشباب وعائلاتهم. ونفهم لماذا خصّ خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت الماضي، الشباب بخطاب كامل تقريبا، حيث أعلن توجهات وإجراءات عملية تضع الشباب في «صلب النموذج التنموي الجديد»، الذي لم يعلن بعد. واعتبر الخطاب أنه رغم المجهودات المبذولة، فإن النتائج المتحققة «تبقى دون طموحنا في هذا المجال»، داعيا الحكومة إلى «الانكباب على حل إشكالية تشغيل الشباب».
في هذا السياق نفهم المبادرات والبرامج المتوالية، والتي بدأت بإعلان قرار تفعيل نظام التجنيد الإجباري في الجيش، ثم قرار تعميم التعليم الأولي الذي سيشغل 50 ألف مربٍّ ومربية في أفق 2028، فضلا عن برامج أخرى وردت في الخطاب الملكي، مثل «الدعوة إلى القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب، وفي أفق ذلك، قررنا تنظيم لقاء وطني للتشغيل والتكوين، وذلك قبل نهاية السنة، وإعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر، سنتين أو ثلاث سنوات قبل البكالوريا». كما دعا الملك إلى اعتماد اتفاقية إطار بين الحكومة والقطاع الخاص، لإعطاء دفعة قوية في مجال إعادة تأهيل الطلبة الذين يغادرون الدراسة دون شواهد، وإعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، على أن يسهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بناء وتجهيز مراكز جديدة للتكوين المهني، حسب المتطلبات المستجدة، ووضع برنامج إجباري في كل مؤسسة لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية، لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، خاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية. فهل تنجح هذه البرامج والمبادرات في نزع فتيل الأزمة قبل أن تنفجر، أم إن استمرار الفراغ السياسي سيزيد من استفحالها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.