جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين        لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة تسارع الزمن للإفلات من «قنبلة» الشباب
نشر في اليوم 24 يوم 07 - 10 - 2018

منذ خطاب العرش الماضي، تسارعت وتيرة إطلاق الدولة المشاريع والبرامج الهادفة إلى امتصاص غضب الشباب المهمش والعاطل عن العمل. يأتي ذلك بعد سنتين من الاضطرابات بعد حراك الريف واحتجاجات جرادة وغيرهما، والتي وضعت «الدولة في مواجهة الشارع»، بتعبير الباحث الجامعي محمد مصباح. وضع أظهر أن الفراغ السياسي، الذي تبلور في سياق واقعة «البلوكاج» من قبل رافضي نتائج انتخابات 2016، استمر بعدها. بل إن تلك الاحتجاجات أظهرت أن الوضع قابل لأن يصبح خارجا عن السيطرة، ومرشحا للانفلات. ما دعا الدولة إلى مواجهته أمنيا، قبل أن تستدرك، من خلال إطلاق مبادرات وبرامج ذات طبيعة سياسية وتنموية.
هكذا كان خطاب العرش ثم ذكرى 20 غشت مناسبة للإفراج عن جزء من المعتقلين بسبب حراك الريف، في خطوة أعقبها إعلان برامج يبدو أن الرابط بينها واحد؛ امتصاص غضب الشباب المحتج الذي كان المحرك الأساسي للاحتجاجات التي أعقبت الانقلاب الناعم على نتائج انتخابات 2016، كان أولها إعلان العودة إلى نظام التجنيد الإجباري بحجة تأهيل الشباب للاندماج في المجتمع، قبل أن تقدم الدولة، في خطوات أخرى، على إطلاق برنامج للتعليم الأولي، يهدف إلى تشغيل 50 ألف شاب في أفق 2028، مع إعلان الاستمرار في إعمال نظام «التعاقد» في قطاع التعليم، والذي يشغل 20 ألف شاب سنويا من خريجي الجامعات، وإطلاق المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (2019-2023)، باستثمار قدره 18 مليار درهم، وأولويات على رأسها تكوين وتشغيل الشباب، قبل أن يعلَن أخيرا برنامج جديد لتأهيل منظومة التكوين المهني، حيث كلّف الملك محمد السادس الحكومة بإعداده في ظرف ثلاثة أسابيع فقط. فهل تنجح الدولة في نزع فتيل القنبلة الشبابية؟
عمق الأزمة
حمل التقرير الأخير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الشباب وصفا دقيقا لعمق الأزمة التي يعانيها الشباب، وقدم بشكل غير مباشر بعض أسباب الاحتجاجات الاجتماعية التي اندلعت منذ أكتوبر 2016، عقب وفاة محسن فكري في الحسيمة مطحونا في شاحنة للنفايات. التقرير الذي صدر عن مؤسسة دستورية تضمن ما يكفي من المؤشرات والخلاصات التي تبرر حراك الريف وغيره. في التقرير هناك رصد لواقع الحال، وللتحولات الكبرى التي يشهدها المجتمع، حيث يقول: «إذا كان الشباب المغاربة يمتلكون مجموعة من المهارات والقدرات والطاقات الهائلة التي يتعين إبرازها وتحريرها، فإن شريحة كبيرة منهم لاتزال تعاني مظاهر الهشاشة (شباب يعانون الإقصاء، وشباب لا يزاولون عملا، ولا يتلقون تكوينا أو تدريبا، وشباب كُبِحت رغبتهم في ممارسة العمل المقاولاتي، وشباب لم يتمتعوا بحقهم في طفولة سليمة…)». ويضيف أن «غالبية الشباب، المتراوحة أعمارهم بين 15 و34 سنة، وهي الفئة التي تمثل حوالي ثلث ساكنة البلاد (34 في المائة)، على هامش النمو الاقتصادي المطرد الذي شهدته المملكة خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم يستفيدوا بشكل منصف من التقدم الاقتصادي المتأتي من دينامية النمو التي عرفتها البلاد».
هذه الخلاصة المزعجة لواضعي السياسات العمومية أكدها تقرير مؤشر تنمية الشباب العالمي لسنة 2016، والذي صنّف المغرب في المرتبة 120 من أصل 183 بلدا، وجاء خلف غالبية دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ذات الدخل المتوسط، منها الأردن (المرتبة 114) وتونس (المرتبة 110)، ولبنان (المرتبة 76)، وتركيا (المرتبة 62). ويسمح هذا المؤشر بإجراء مقارنات بين البلدان، وقياس التطور المسجل عبر الزمن، ويشمل خمسة مجالات أساسية هي: التعليم، الصحة والرفاهية، التشغيل، والمشاركة المواطِنة والمشاركة السياسية.
إذا أخذنا مؤشر ولوج التعليم/التكوين الجيد، فقد أورد التقرير أن إشكالات الانقطاع عن الدراسة والهدر المدرسي، والفوارق بين التعليم العمومي والخاص، وتوجيه الشباب نحو تخصصات لا تمكنهم من اكتساب المعارف التي تتيح لهم الإعداد الجيد لمستقبلهم، تشكل عوائق تحول دون تمتع الجميع، على امتداد جهات التراب الوطني، بالحق في التعليم.
ولا يختلف مؤشر التشغيل عما سبق ذكره، فبالرغم من تحقيق وتيرة إيجابية في متوسط النمو السنوي للناتج الداخلي الخام الوطني خلال العقد الأخير، فإن انعكاسها على خلق فرص الشغل وإدماج الشباب ظل محدودا. وحسب المؤشر، فإن معدل البطالة في صفوف الشباب بالمغرب يظل مرتفعا (20 في المائة في المتوسط)، بل إن أغلب الشباب المشتغلين يعملون بالقطاع غير المنظم، وفي مناصب شغل تتسم بالهشاشة والأجور الزهيدة، كما أنهم لا يستفيدون من الامتيازات الاجتماعية. فبدون علاقات شخصية أو عائلية، لا يكفي دائما التوفر على شهادة أو امتلاك الكفاءة للحصول على منصب شغل لائق. لذلك، فإن الشباب يشعرون بأنهم لا يتحكمون إلا بشكل نسبي في مستقبلهم الاقتصادي.
تحولات جارفة
وفي الوقت الذي يعاني فيه الشباب أزمة عميقة، فهو يعيش تحولات جارفة، نتيجة توسع نطاق التكنولوجيا الجديدة وشبكات التواصل الاجتماعي، وهو عالم مفتوح يضع الشباب في قلب خيارات وتوجهات تتجاوز كل منظومة للضبط والتحكم. فقد أظهرت دراسة أعدتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات حول تكنولوجيا المعلومات والاتصال انتشارا واسعا للأنترنت، خصوصا وسط الأطفال والشباب بين 5 سنوات و39 سنة، وأكدت أن هناك تحولا جذريا يكشف، حسب سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، حالة «إحباط واقعي يُصرف عبر الانخراط في الشبكات الافتراضية».
الأرقام التي توصلت إليها الدراسة، التي شملت عينة من 12 ألف أسرة وفرد، وجرت ميدانيا خلال الفصل الأول من سنة 2018، وبمشاركة الوكالة ومؤسسات رسمية أخرى مثل المندوبية السامية للتخطيط والهيئة العليا للسمعي البصري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، أبرزت أن ولوج الشبكات الاجتماعية (الفايسبوك، تويتر…) بلغت نسبته، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من سنة 2017، ما يزيد على 94,3 في المائة من المستعملين البالغين 5 سنوات فما فوق.
وسجلت الدراسة أن نسبة الشباب من الفئة العمرية التي تتراوح بين 15 و24 سنة، التي تلج الشبكات الاجتماعية، تزيد على 98,4 في المائة. أكثر من ذلك، توصلت إلى أن 8 من كل 10 أفراد يترددون على الشبكات الاجتماعية يوميا، نصفهم يقضي فيها أكثر من ساعة. سعيد بنّيس، أستاذ العلوم الاجتماعية، علّق على هذه الأرقام، في حديث مع «أخبار اليوم»، بالقول إن الشباب المغربي يعيش «نوعا جديدا من الانتماء»، وأوضح أن «هناك هويات واقعية تُصرف إلى هويات افتراضية، ما يعكس نوعا من الاغتراب أو الانحباس القيمي وسط الشباب»، وأضاف أن هذا الاغتراب يعكس بدوره «درجة معينة من الإحباط الواقعي، يعوّض عبر الانخراط في الشبكات والمجموعات الافتراضية»، مؤكدا: «لقد انتقلنا من الاتصال إلى نوع من الإدمان الإلكتروني». ويعكس الولوج الواسع للشباب للشبكات الاجتماعية مدى انتشار الأنترنت والهواتف الذكية وسط المغاربة. وحسب الدراسة، فإن الهاتف المحمول عم معظم الأسر المغربية تقريبا بنسبة 99,8 في المائة، سواء في الوسط القروي أو الوسط الحضري، وبلغ عدد المتوفرين على هاتف محمول 3,9 أفراد من كل أسرة. وتضيف الدراسة أن 92 في المائة من الأفراد البالغين 5 سنوات فما فوق مجهزون بهاتف محمول، 73 في المائة منهم يتوفرون على هاتف ذكي، ويلاحظ أن انتشار الهاتف الذكي يهم فئة الشباب والأطفال أكثر من غيرهما من الفئات، إذ إن 80 في المائة من الفئة العمرية ما بين 5 سنوات و39 سنة يتوفرون على هاتف ذكي. وتبلغ حظيرة هذا النوع من الهواتف أزيد من 22,6 مليون هاتف.
ويستعمل الهاتف الذكي أساسا لولوج الأنترنت، إذ بيّنت الدراسة أن 86 في المائة من الأفراد البالغين 5 سنوات فما فوق يستعملون الهاتف الذكي لولوج الأنترنت، كما أن 93 في المائة منهم يتوفرون على تطبيقات الهاتف الذكي. ويبقى الدافع الرئيس ل90 في المائة من الأسر لامتلاك الهاتف المحمول هو ولوج الأنترنت.
وحسب سعيد بنّيس، فإن هذه الأرقام تظهر أن «المغاربة أصبحوا جزءا من العالم المعولم»، كما تؤكد حصول «تحول كبير من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال». ونبّه بنّيس إلى الآثار المترتبة على هذا التحول، ومنها أن «الأنترنت أصبح فضاء رئيسا للتنشئة، خصوصا أنه يوفر هامشا واسعا من الحرية لتداول القضايا ذات الأولوية بالنسبة إلى المواطنين»، واعتبر أستاذ العلوم الاجتماعية أن هذا التحول «ينقلنا إلى نوع من الديمقراطية التداولية، المتحررة نسبيا من الرقابة الرسمية»، مؤكدا: «نحن إزاء مواطنة واقعية تتحول إلى افتراضية مفتوحة على جميع الرهانات».
وكشفت الدراسة معطيات أخرى تتعلق بانتشار الحواسيب، ففي سنة 2017 كانت 60 في المائة من الأسر تتوفر على حاسوب/لوحة إلكترونية، بنسبة تقدر ب6 في المائة مقارنة ب2016. وأظهرت المؤشرات أن هناك فردا من كل خمسة أفراد يتوفر على حاسوب أو لوحة إلكترونية، كما سجلت وجود سبع من كل عشر أسر تتوفر على ربط بالأنترنت المتنقل، كما أبرزت أنه في 50 في المائة من الأسر هناك أطفال أقل من 15 سنة يلجون الأنترنت، وصرّح 75 في المائة من الآباء بأن أبناءهم يتحكمون في استعمال الأنترنت، لكن المثير أيضا أن 7 آباء من كل 10 أكدوا أنهم غير مجهزين لمرافقة وتوجيه أبنائهم في ما يخص استخدام الأنترنت.
وقد يصف البعض هذه الوضعية ب«انفلات الشباب»، لكن بنّيس يفضل القول إن هناك «فردانية تكسب لها مساحات إضافية داخل الأسرة»، لكنها قد «تتحول إلى انعزالية للفرد داخل أسرته»، وأوضح أن «هناك تحولا من الأسرة الملتحمة إلى الأسرة الانعزالية، أي التي تعيش بشكل مشترك لكن أفرادها منعزلون عن بعضهم البعض» مؤكدا أننا « إزاء توحد اجتماعي».
ومما يزكي ملاحظات بنّيس أن المغاربة يقضون وقتا أطول على الأنترنت، فقد أكدت الدراسة أن «مستعملي الأنترنت» في المغرب «يفوق المتوسط العالمي ب8 نقاط»، وأن «ثلثي المستعملين يستعملون الأنترنت يوميا، وما يقارب نصفهم يقضون أكثر من ساعة على الأنترنت من خلال الهاتف المحمول».

تحذيرات من الانفجار
مع تفاقم أزمة الشباب دون حل، واستفحال أزمة الثقة في المؤسسات بعد «الانقلاب» الناعم على انتخابات 2016، تتزايد التحذيرات من انفجار الأوضاع. ويبدو أن حراك الريف واحتجاجات جرادة كانا مؤشرين على إمكانية الانفجار. في هذا السياق، كان الباحث الفرنسي «لوران شالار»، من جامعة السوربون، قد تنبأ سنة 2015 بإمكانية حدوث ثورة في المغرب بين 2017 و2020. وعزا ذلك بشكل رئيس إلى التحول الديمغرافي، واعتبر أن هناك ثلاثة عوامل إذا اجتمعت في بلد ما فإنها تحدث ثورة، وهي: النظام السلطوي، وسوء تدبير الاقتصاد، ومرور 25 سنة على بلوغ حالات الولادة ذروتها، وبعبارة أدق، بلوغ الأجيال الجديدة بأعداد كبيرة سن الرشد.
وللتدليل على هذه الفرضية، طبقها على حالة الثورة في كل من تونس ومصر، ولاحظ أن المغرب هو الآخر يستوفي الشرطين الأول والثاني، وسيتحقق الثالث ما بين 2017 و2020، لذلك تنبأ بحدوث ثورة للشباب في المغرب في هذه الفترة. وتساءل شالار قائلا: «هل هناك ثورة أخرى محتملة في باقي دول شمال إفريقيا؟»، وأجاب: «في الواقع، حسب نظرية «الدومينو»، فإن الثورة ستنتقل إلى دول أخرى، وهو ما حدث في ليبيا». وبعدما استبعد حدوث ذلك في الجزائر بسبب مخلفات العشرية السوداء التي أفقدت السكان القدرة على المواجهة، قال إن المغرب هو المرشح لها هذه المرة. وحسب شالار، فإن المغرب صُنف في الرتبة 116 عالميا في مؤشر الديمقراطية، واعتبر أنه في عهد الملك محمد السادس «أصبح النظام أكثر مرونة، ولكنه مازال دكتاتوريا. بيروقراطيته غير فعالة، واستفحل فيه الفساد، كما أن أداءه الاقتصادي يعتبر الأضعف قياسا بالدول المغاربية الأخرى». وفي ما يتعلق بمؤشر النمو والتوزيع العادل للثروة، أشار شالار إلى أن «البؤس لايزال يعم أرجاء المملكة، وتنتشر أحياء الصفيح في ضواحي المدن الكبرى، خصوصا في المدن الأكثر اكتظاظا بالسكان كالدار البيضاء». وإذا كانت السياحة مصدر الدخل الأساسي، فإن القطاع لا يكفي لخلق فرص الشغل، في حين أن الموارد الأخرى، كالفوسفاط والنسيج والصناعة الغذائية، لا تكفي لاستيعاب البطالة المستشرية في صفوف الشباب. وأكد شالار أن «هذا الوضع قد يؤدي إلى حدوث الثورة، لاسيما أن ديمغرافية المغرب توصف بأنها قنبلة موقوتة». وبالرغم من أن البيانات المتعلقة بحالات الولادة في المغرب غير مكتملة، فإنها كافية لتحديد ذروة في حالة الولادات. لقد بدأ الانتقال الديمغرافي في المغرب متأخراً مقارنة بتونس، وبقيت نسبة الخصوبة عالية لفترة طويلة حتى بلغت حالات الولادة ذروتها بين 1992 و1995، ما يرجِّح، حسب شالار، احتمالِ حدوثِ ثورةٍ ما بين 2017 و2020. إلا إذا كانت الهجرة المكثفة للشباب متنفسا كبيرا للقوى المعارضة.
الدراسة الثانية مغربية، أعدتها مؤسسة الرباط للدراسات الاجتماعية ونشرت في أكتوبر 2017، بعدما أنجزت خلال الفترة ما بين 2015 و2016 حول ظاهرة العنف في أوساط الشباب المغربي، وجاء فيها أن غالبية الشباب الذين يقومون بأفعال عنيفة كانوا في الأصل ضحايا للعنف الجسدي والنفسي داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع.
الدراسة، التي شارك فيها 11 باحثا، خلصت، من خلال تحقيق ميداني قاد الباحثين إلى سبع جهات بالمغرب التقوا فيها 220 شابا من خلفيات متعددة تتراوح أعمارهم بين 18 و23 سنة، إلى أن العنف الذي تعرض له هؤلاء الشباب عندما كانوا صغارا كان عاملا حاسما في تحولهم إلى أشخاص يمارسون العنف بدورهم في الفضاء العام. وأبرزت سلوى الزرهوني، رئيسة مركز التفكير، أن تحليل المعلومات كشف أن العنف الذي عبر عنه الشباب «بنيوي»، وتشرح قائلة: «هؤلاء الشباب يتوفرون على قاسم مشترك يتجلى في كونهم تعرضوا للإقصاء الاجتماعي (التشغيل، التعليم، المشاركة السياسية…)، والعنف الذي يمارسونه هو نتيجة تفاعل عدة عوامل مجتمعية، إذن هم ضحايا ومذنبون، لكن يمكن القول إنهم ضحايا». واعتبرت الدراسة أن الشباب المغربي يعاني «عنفا متعدد الأبعاد» مؤكدة أننا «أمام شباب محبط يريد إثبات ذاته عن طريق العنف»، واعتبرت أن «المقاربة الأمنية البحتة لا تكفي من أجل إيجاد حلول للمشكل، بل يجب دراسته في إطار سياسي عمومي تاريخي متعدد القطاعات، وبرامج عمل قادرة على معالجة جميع أشكال التهميش والعنف بالمغرب.

تحركات لنزع الفتيل
هكذا نفهم لماذا تسارع الدولة الخطى لنزع فتيل التوتر الكامن في نفوس الشباب وعائلاتهم. ونفهم لماذا خصّ خطاب الملك محمد السادس، في ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت الماضي، الشباب بخطاب كامل تقريبا، حيث أعلن توجهات وإجراءات عملية تضع الشباب في «صلب النموذج التنموي الجديد»، الذي لم يعلن بعد. واعتبر الخطاب أنه رغم المجهودات المبذولة، فإن النتائج المتحققة «تبقى دون طموحنا في هذا المجال»، داعيا الحكومة إلى «الانكباب على حل إشكالية تشغيل الشباب».
في هذا السياق نفهم المبادرات والبرامج المتوالية، والتي بدأت بإعلان قرار تفعيل نظام التجنيد الإجباري في الجيش، ثم قرار تعميم التعليم الأولي الذي سيشغل 50 ألف مربٍّ ومربية في أفق 2028، فضلا عن برامج أخرى وردت في الخطاب الملكي، مثل «الدعوة إلى القيام بمراجعة شاملة لآليات وبرامج الدعم العمومي لتشغيل الشباب، وفي أفق ذلك، قررنا تنظيم لقاء وطني للتشغيل والتكوين، وذلك قبل نهاية السنة، وإعطاء الأسبقية للتخصصات التي توفر الشغل، واعتماد نظام ناجع للتوجيه المبكر، سنتين أو ثلاث سنوات قبل البكالوريا». كما دعا الملك إلى اعتماد اتفاقية إطار بين الحكومة والقطاع الخاص، لإعطاء دفعة قوية في مجال إعادة تأهيل الطلبة الذين يغادرون الدراسة دون شواهد، وإعادة النظر بشكل شامل في تخصصات التكوين المهني لجعلها تستجيب لحاجيات المقاولات والقطاع العام، على أن يسهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في بناء وتجهيز مراكز جديدة للتكوين المهني، حسب المتطلبات المستجدة، ووضع برنامج إجباري في كل مؤسسة لتأهيل الطلبة والمتدربين في اللغات الأجنبية، لمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وتعزيز إدماج تعليم هذه اللغات في كل مستويات التعليم، خاصة في تدريس المواد التقنية والعلمية. فهل تنجح هذه البرامج والمبادرات في نزع فتيل الأزمة قبل أن تنفجر، أم إن استمرار الفراغ السياسي سيزيد من استفحالها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.