رغم التحذيرات التي سمعتها من الصديقات والأصدقاء الذين سبقوني إلى زيارة المعرض الدولي للنشر والكتاب بأنني سأتألم وأصدم لمشاهد لا علاقة لها بالثقافة والمعرفة، وأنه معرض يسيء للقراءة والكتاب وعشاقهما، وبعيد عن الرفاه الفكري الذي هو حق من الحقوق الثقافية للإنسان. وبما أنني أملك جينات التفاؤل، ولا أركز على السلبيات، وشعاري دائما "عوض أن تلعن الظلام أوقد شمعة"، قررت زيارة هذا المعرض الذي أسمع عنه صباح مساء... وأن عدد زواره فاق المليون زائر؟ غياب ثقافة المعارض اكتشفت أن تفاؤلي لم يكن صحيحا، وخابت توقعاتي عن هذا المعرض الذي من المفروض أن يشجع على ترسيخ فعل القراءة وحب القراءة ومصاحبة الكتاب، فإذا به يشجع على ترسيخ التصحر الثقافي، كيف ذلك؟ لأنه ليس بمعرض للكتاب؟ إنه سوق كبير أو موسم شعبي للتهريج... ضجيج... ضوضاء... صراخ الأطفال كأنهم في حصة الاستراحة وبدون مراقبة؟ صعوبة المرور بحيث يصبح هاجسك هو البحث عن مخرج لاستنشاق الهواء... الازدحام ليس على شراء الكتب بل لأخذ (سيلفي) معها من طرف المراهقين والمراهقات تنقصهم ثقافة المعارض، وأكثر الزائرين لا يحملون كتبا بل أنواع الأكل. عذرتهم لأنهم ضحايا سياسات عمومية ومدرسة تقليدية متخلفة عن أداء دورها لم يتكونوا على احترام الكتاب وعشق القراءة... صراخ الرضع ومشهد الأم تغير الحفاظات وترج الرضاعة...؟؟ هل هؤلاء جاؤوا للبحث عن المعرفة؟ هل هذا معرض؟؟ هذا سوق شعبي كبير سنوي ينقصه صياح الباعة على البضاعة: (الحب في زمن النفط) لنوال السعداوي ب 100 درهم، (مجموعة الغيطاني) ب 500 درهم، (عشق الأميرات) ب 50 درهما. وبعض الكتب الدينية تحمل عناوين لا علاقة لها بالمكتسبات التي حققها المغرب في مجال حقوق المرأة مثل (ترويض الزوجات)، (نساء من أهل النار). هذه فقط بعض المشاهد التي لا تشجع على إنتاج المعرفة بل على العزوف عن القراءة، خصوصا وبعض الدراسات الميدانية أفادت بأن المغربي لا يصرف إلا 60 سنتيما على الثقافة والمطالعة بسبب ارتفاع أسعار الكتب، حتى وزارة الثقافة ليست عندها إصدارات دورية ولا تنتج ما يغني المعرفة، وفي الإخبارات اليومية عن المعرض لم تدرج عدد الكتب التي بيعت؟ نحو مجتمع المعرفة من المعلوم أن محاربة الهشاشة في المجتمع تتم في أربعة مجالات: المعرفة، الحكامة، سيادة القانون، بلورة السياسة في المجال. والمعرفة مفتاحها القراءة التي على وزارة الثقافة اعتبارها مثل الماء والهواء، والعمل على تشجيعها عبر إجراءات عملية: -تخفيض أثمنة الكتب - إقامة معرض الكتاب في كل مدينة ويكون الدخول مجانا - إنشاء مكتبات في كل حي. لماذا نجد المسجد والحمام والسوق ولا نجد المكتبة... - تخصيص أوقات للأطفال لزيارة معرض الكتاب محليا أو جهويا أو وطنيا ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وهذه الإجراءات المقترحة هي بمثابة بداية مسار مجتمع المعرفة، الذي سيحتفي يوما ما بالدخول الثقافي. أليس كذلك؟