(1) منذ الشروع في محاكمته، والرئيس المخلوع ممدد على سرير، يغط في نوم ، ليس بعميق، لكنه بالأحرى سينمائي. لو توفر الريس على نسبة من الوسامة، لصار بالإمكان أيضا منحه لقب الأمير النائم، تيمنا بالسندريلا النائمة، إلى جانب ما اشتهر به من نعت البقرة الضاحكة. بوسع الديكتاتور أن ينام حاليا، وقد حرم أجيال المصريين من نعمة النوم ، لمدة ثلاثين سنة. قضى، الليالي الطوال، يدبر وزبانيته الفاسدة المكائد، وينسجون خيوط المحاكمات الصورية، كي يزجوا بالآلاف في الزنازن والمعتقلات. ربما، يحق للعالم أن يشهد على نومه، لقد ظلمناه !؟ فلم يكن يغمض له جفن، هوسا، ببناء مصر وعزة مصر وتطور مصر ، ألا تلاحظون النتائج ؟ فقر وبغاء وغباء. يخاطب الحاكم العربي شعبه : نم، يا حبيبي قرير العين، واسترح هنيئا مريئا، فأنا حارسك، ونفسك وأنفاسك. نم، فما فاز إلا النوم. بعد حين، سيجعل من البلد صحراء مقفرة، لقد سرق كل شيء واختفى . ثم، Wanted ! حيا أو ميتا. يحدثنا، نوم مبارك : طزْ، فيكم واللي خلفوكم، جوابي لكم نوم، فنوم، ليس لديكم عندي حاجة. من أنتم ؟ ألا تعرفونني، أنا الريس مبارك أبوكم جميعا، و زعيم العرب الأوحد. ألا تذكرون ؟، في مثل هذا الشهر من السنة الفارطة، ولأني شخصية ثقيلة، من ثقل وزني، بفضل عشاءات وليالي الأنس في شرم الشيخ، والعمولات التي كانت تسقط علي يمينا وشمالا : إيش عراق ! إيش فلسطين ! وإيش كرامة مصرية ! كان لابد، أن أتقدم أوباما ونتنياهو وعباس والملك عبد الله، فجميعهم صبايا عندي، أنا الحكيم. لكن حبل الكذب قصير. شهور قليلة، ثم تهاوت قصور الرمال. حاليا، أنا عايز أنام، أنا غلبان. نم، يا خويا، فنوم الظالم عبادة. (2) الإسلاميون يريدون من العلمانية السيارات الفخمة، والهواتف المحمولة آخر موديل ، والفيلات الراقية، والأرصدة في البنوك، بل والشقراوات الجميلات، نتذكر جميعا الهجرات الجماعية السابقة صوب البوسنة والهرسك، من أجل العودة بغنائم النساء. الإسلاميون يتوخون من العلمانية الحاسوب، والفيسبوك، والمناصب، والوظائف، والمدرسة الخصوصية لأبنائهم، والأسفار، والطائرات والفنادق وأشياء كثيرة حلوة وجميلة، عند هذا الحد يكفي. الإسلاميون ذاتهم، ستجري الأسود في دمهم، ويقسمون بحلق لحاهم وشواربهم، إذا حاولت الانتقال بهم إلى مصدر وأصل كل تلك النعم، أي العلمانية كاختيار مجتمعي متكامل، ذلك ما حصل، لأردوغان خلال زيارته الأخيرة لمصر. الرجل معروف بصراحته وصفاء سريرته، أدلى ببساطة عما يشعر به. الإخوان المسلمون، الذين اشتهروا برفضهم للسياقات، انتشلوا كلامه عن موضعه، فانقلبت المحبة إلى عداوة. حقيقة تؤكد، بأن الأفق السياسي العربي، لا زال في حاجة ماسة إلى عقول أكثر نضجا كي تتعامل مع المفاهيم والوقائع. (3) لا أعرف من سبب وجيه، وراء كره الديكتاتوريين للشعْر الطويل، مسألة تجلت بوضوح، عبر صورة لبعض جلادي بشار، وهم يمارسون مختلف أشكال الإهانة على شبان سوريين وقعوا في الأسر. بعد الركل والرفس والصفع والشتم وتقييد الأيدي بالأرجل، أسرع جلاد إلى مقص وبدأ يقص شَعْر شاب معتقل. بالمناسبة، صاحب المبادرة أصلع تماما، تظهر على ملامحه القسوة الزائدة، يشبه شخصية "شقيف" في إحدى المسلسلات السورية الشهيرة. استحضرت مشهدا من وقفات حركات 20 فبراير في مدينة الدارالبيضاء. استفرد رجال الشرطة بصبي لا يتعدى عقده الثاني، كان شَعْره كثيفا، شرع شرطي يضربه، صارخا بهستيرية : "اتاّ يحرق بوك وامك ، شوف بن الزّا مْل لاخُرْ ، كيف داير لي لشعرو..." الشعر الطويل، كان دائما معيقا للديكتاتورية في سعيها لتعضيد ثوابت المجتمع الأبيسي الذكوري. إذن شعر، بهذه الكيفية، سيخصب كل معاني ومعالم الحرية ويدحض قواعد التنميط العقائدي التوتاليتاري، حيث الجميع يخضع لقالب واحد. يرسم رؤية حالمة للعالم، نذكر هنا حركات الهيبيين سنوات الستينات والسبعينات والغيفاريين.... (4) ما معنى أن يصب جنود سوريون، بجنون منقطع النظير، كل نيران بنادقهم على قطيع وديع من الحمير ؟ هو الذهان الهدياني إذن، والبارانويا، حيث الديكتاتور يصرخ في وجوههم، مرددا على لسان ستالين : " لا أثق في أي كائن، حتى نفسي"، و "القتل، يحسم كل المشاكل". كانت الحمير بغير ذنب، تتساقط الواحد بعد الثاني. بدت أرقى وأنبل من قاتليها، وقد استحمرهم واستغباهم رؤساؤهم. ربما قصدوا الأمر، بقوة كي يقتلوا رمزيا ما يسمى بالنزوع الحماري عند البشر، مع الاعتذار الشديد لأخينا الحمار. حينما يغزو البرابرة والهمج حاضرة ما، يأتون على البشر والحجروالشجر. أتمنى، أن تلعب الصدفة دورها، وتصل صورة الحمير السورية وهي تُعدم، إلى أعين الممثلة الفرنسية بريجيت باردو، فتقيم الدنيا ولا تقعدها، ثم لابد لسلطتها المعنوية أن تحرك المساطر والمتابعة القانونية وأصوات الاحتجاج. (5) بالنسبة للعالم العربي، أن تكون وزير الداخلية أو الخارجية أو الثقافة، فالوضع لا ينزاح على أنك مأمور بأمر الحاكم. في أحسن حالاتك تستحق منه إهانة ، ولا يحق لك أن تقلص عضلات وجهك، وإلا قطعوا رأسك. بالتالي، لا يتوفر تراثنا على ثقافة استقالة المسؤولين، ولا نقد ذاتي للسياسيين، ولا تصادم الرؤى، ولا سجالات سياسية من الطراز المفهومي الرفيع. المهم، أن تنبطح ، وفقط. إذن ماذا يفعل وليد المعلم إلى جانب بشار، وقد بلغ بطنه من التكرش والانتفاخ، شأنا ؟ هذا الديبلوماسي الذي محا أوروبا عن بكرة أبيها بكلمة منه، يصلح أكثر، بقيمته البطنية وشراهته الابتلاعية، ما دام ابتلع كل أوروبا بسرعة رفة جفن، إلى أن يشتغل طباخا. دبلوماسيته الاستئسادية، يلزمها مرق وبهارات وتذوق. أتساءل، على سبيل المعجزة، ماذا لو استطاع نظام الأسد القضاء على الثورة الشعبية ، واستعاد زمام المبادرة ثانية ؟ كيف، به أن يحيي أوروبا من جديد ؟ لاشك، سيتكفل المعلم ، ببعثها ثانية من بطنه، كما وقع ليونس مع الحوت. لكن التاريخ، لا يرجع إلى الوراء. (6) لم يخطر، ببال المرحوم فوكو ، وهو يصنف أهم وسائل التعذيب التي سادت القرون الغابرة ،أن يلتجئ ذات يوم، ساديون سيكوباتيون إلى ما بات يعرف بجز الحنجرة. أو ما كنا نسخر به، بالدارجة عندما نريد زرع الرعب في قلب شخص ، لسبب من الأسباب : "والله، تايْ حيد ليك بلحوحتك". أحاول، بكل حواسي ومشاعري، تمثل لحظة المعاناة الشديدة، كما يقاسيها من لفظوا أنفاسهم الأخيرة، على أيادي أفراد الاستخبارات السورية، جراء استئصال حناجرهم. (7) بقدر، الدور الريادي الكبير، الذي لعبته قناة الجزيرة من أجل تحرير الليبيين، فاستمرت صوتا إعلاميا متميزا للثوار. قدر ظني، بأنها ستعيد الكرة بنفس المستوى، ودون قصد لإشعال حرب أهلية، وتفكيك وحدة الثوار. فمنذ الساعات الأولى لتحرير طرابلس، شرع إعلاميوها يهيؤون مواضيع بهذا الخصوص، تدس الأصابع في عش الزنابير، حينما حولوا النقاش صوب الانتماء الجهادي لعدد من الثوار، وتسرب عناصر القاعدة إلى ليبيا ما بعد القذافي، من ثمة، النموذج الطالباني والصراع مع الليبراليين والدولة المدنية، إلخ. نقاش، تنطبق عليه القولة العامية : "تيْفيق الحمق، بضريب الحجر". صحيح، هي قضايا شائكة ومطروحة، لكن لا ينبغي النفخ فيها عبر المواجهات الفضائية، وصب الوقود على النار، و در الملح فوق الجرح الغائر. الوضع انتقالي، استثنائي، يسعى إلى الخروج من ماض مظلم. لذلك ينبغي، أن يركز الليبيون، أساسا على البناء والتحديث والرقي والتعليم والتنمية وتشكيل جيش وطني...، ثم تجاوز النقاشات السوفسطائية. ولعل الاختيار، قد حسمته تصريحات جل أعضاء المجلس الانتقالي، بأن الليبيين شعب متدين، إسلامه وسطي معتدل. بالتالي، لا داعي لمزيد من إدخال اليد في أعماق ظلمات الجحر، فقد تتلقى لسعة ثعبان، مميتة. (8) هناك، شيء عظيم جدا، اسمه الحفاظ على الكرامة، وهو إحساس لايوزن بماء الذهب. لذلك، أضحك ملء فمي، حينما يتوجه السوريون واليمنيون إلى حكامهم، بطلب وحيد لا غير،ارحلوا. فيردوا عليهم، بأن يبقوهم على الكرسي إلى غاية كذا؟ أو المواجهة، ثم تتشبث الشعوب بحقها، فيكون الجواب مرة أخرى، اتركونا فقط حتى موعد ؟ قمة الذل والإهانة. لعل من شروط الحكم، أن يحبك شعبك، بقدر اعتزازك بنفسك. هنا، تكمن القوة الحقيقية. (9) صاحبنا الشريف، الذي ظل سنوات الاحتقان السياسي، ينعت من من طرف صحف المعارضة اليسارية بمسقط الطائرات، صار الجميع يتودد إليه حاليا ب : مولاي، وسيدي، وسيدْ الشريف. أغلب ضيوفه، ممن أضحوا قياديين للشعب، بين عشية وضحاها. يضفي، صاحبنا الشريف، عليهم هالة من الأوصاف، تشعرك بزلزال يسري تحت قدميك. هكذا يغدو، الضيف مناضلا ابن مناضل، يفطر نضالا، ويتعشى نضالا. أدخله أبوه الحاج المقاوم، إلى الكُتّاب. لكن الطفل، عبقريته طافحة وينغل نضالا، فارتقت به وزارة التعليم مباشرة إلى الأقسام الثانوية ثم البولتيكنيك. الضيف، لم يبدأ اسمه في اللمعان و لم نسمع عنه، إلا عندما نقلته طائرة، مباشرة من حجراته الباريسية إلى مكتبه الوزاري في الرباط ، فجمع ما لم يجتمع لغيره، وزير محنك وقائد حزبي صلب، وفاعل جمعوي لا يشق له غبار. ينتفخ الضيف كالديك الرومي، محركا رأسه بتؤدة الرضا والإيجاب، لكنه يعترض على شيء واحد في التقديم : "الله يعطيك، الخير، أمولاي، اسم زوجتي"لمياء" وليس "ندى" ...".ثم،تبدا حكايا ،الحداثة و الهشاشة و البشاشة.... حقا، في كثير من الأحيان، يعجبني "مولاي"، حينما ينقلب بغتة على "المناضل، شكارة"، فيتقن جيدا دور الناطق المخزني باسم الشعب. يحصره في زاوية، وهو يلكمه بسلسلة تناقضات : "قلتم، فعلتم، ذهبتم، اعترفتم...". (10) أن يسكر البرلماني أو غير البرلماني، فذاك شأنه، ولا يحق لأي كان محاسبته. لكن، أن يعربد داخل مؤسسة برلمانية، إن استحق فعلا برلماننا هذا الاسم، فالموقف مختلف. .في هدا الإطار، تواردت إلى مسامعي، بعض تعاليق المراكشيين، لما ا كتشفوا الخبر : "شرابي، خرابي"، "حاميها حراميها"، سكران وسايق تران "أي قطار" ، "طوبّة سكرانة، ولابسة مغانة (ساعة يدوية)...". بالنسبة إليّ، أريد أن أعبر عن تأويل مغاير، مفاده، بما أن الخمر مشروب روحي، فغالبا ما يزيل عن الفرد كل الأقنعة ويجعله واضحا صادقا مع نفسه. لذلك، إذا سكر البرلمانيون وهذا من باب الكاريكاتور فقط، أو الذم بما يشبه المدح، فلربما سيتوقفون عن الكذب والنفاق والتمثيل الممل والمقرف . بهذه المناسبة، أذكر حكاية أستاذ جامعي، كثير الهرطقة واللغط، ظاهرة صوتية بامتياز لا يتوقف عن النفخ في ذاته، فقد جالس كبار الأدمغة وقارعهم الحجة بالحجة، فاعترفوا له بريادته العلمية، كما أنه مشهور في الغرب أكثر من المشرق...، ذات يوم شرب حتى شرب، رفع سماعة هاتفه، واتصل بأحد خصومه وهو يبكي "أنا لست بمثقف ولا عشرة حمص، أنا مجرد مهرج فارغ، وهماز مشّاء بنميم" استمع الطرف الثاني بانتباه ، حتى أنهى مكالمته، بعد أن أدرك جيدا بأن الخمرة من فعلت فعلتها، وحتما في اليوم الموالي سيعود المشتكي إلى عاداته القديمة. [email protected]