تنتشر موضة غرف النوم حول العالم بسرعة، ففي الولاياتالمتحدة مثلا 23% من الأزواج ينامون منفصلين، وبناء على إحصائيات جمعية البنائين الأمريكيين فإنه في عام 2015 سيكون وجود غرفتن منفصلتين شيئا عاديا في 60% من البيوت الجديدة. فما هي الأسباب مراء اتخاذ قرارا الانفصال في النوم؟ وما هي وجهة نظر الشرع في المسألة؟ وكيف يفسر علم الاجتماع هذا الانفصال؟ هناك بعض القواعد التي وضعت على مر العصور، ويقوم الأزواج بتطبيقها ظنا منهم أنها السبيل لحياة سعيدة، ومنها أن يقوم الشريكان بكل شيء معا. فهل الأزواج الذين ينامون بشكل منفصل لا ينعمون بالحميمية والنوم الهادئ؟ وظيفتي حساسة وراجلي مبلي بالشخير سناء زوجة عمرها 38 عاما، تقول إنها سعيدة بزواجها، رغم أنها لا تشارك زوجها غرفة نوم واحدة منذ 7 سنوات. وتصف سناء حياتها قائلة: "بدأ زوجي يبالغ بالشخير. ومع توالي الأيام لم أعد أستطيع التحمل، فكلانا يعمل في وظيفة صعبة وحساسة تتطلب المزيد من التركيز، لذلك اتفقنا في النهاية عل النوم في غرف منفصلة". وترفض سناء مقولة إن النوم في أسرة منفصلة هو بمثابة مقبرة للمعاشرة الزوجية. وتعترف بأن مركز العاطفة ليس هو السرير الدافئ, وتعلق بدعابة وسخرية قائلة: "شيء جميل ورائع أن يتزاور الأزواج في الليل، فذلك يعطيهم إحساسا فريدا". أريد أن أنام مع التقدم في العمر وتزايد المتاعب الصحية، فإن غرف النوم المنفصلة تحظى بمجموعة من المزايا المفيدة والعملية. تقول خديجة ضاحكة وهي تذكر أيام شبابها: "أنا حساسة جدا للأصوات، فيكفي "زنزنة" ذبابة لأستيقظ وأقضي الليل كله وأنا أبحث عنها، ولا يهدأ لي بال حتى أقضي عليها وهذا ما يرفضه زوجي، الذي كان يضطر إلى تغيير الغرفة، وتدريجيا يبدو أنه اعتاد النوم بعيدا عني". تعلق خديجة قائلة: "اليوم مر على زواجي قرابة 37 سنة، قضينا فيها 20سنة منفصلين في النوم، لم أنعم خلالها بالنوم العادي، ولا أستطيع إجبار زوجي على النوم بجانبي، لأنني حساسة جدا في نومي وأدنى حركة تقلق راحتي". لا يستطيع النوم بعيدا عنها قرار النوم في غرف منفصلة يختلف من شخص إلى آخر، فالبعض لا يزال حتى بعد سنوات طويلة يرتاح للنوم بجانب الشريك، ولا يستطيع تصور آخر اليوم بدون الحديث قبل النوم، ولا ينفره حتى لو كان الحبيب يشخر. ويروي زوج كان يشتكي من الأصوات التي كانت تصدرها زوجته أثناء الليل، أنه سجل الشخير على مسجل، لأنها لم تكن تصدقه، وعندما توفيت زوجته بعدها لم يستطع الرجل التعود على الهدوء في الغرفة، وأصبح يستمع لشخير زوجته المسجل". هروب مقنع تقول ليلى وهي سيدة متزوجة منذ فترة طويلة: "إن السيدة التي تلح على زوجها كي ينام بعيدا عنها في غرفة نوم أخرى هي امرأة باردة المشاعر تجاه زوجها، تحاول لا شعوريا عزل نفسها عنه كنوع من الهروب المقنع". غير أن بشرى التي انفصلت عن زوجها أثناء النوم وتنام مع أولادها تعترف قائلة: "أهرب منه لأن مسؤوليات النهار وأعبائه تتعبني، وأنام مع أبنائي حتى أنعم بالسكون والخلوة بعيدا عن تهديد رغبات زوجي ومتطلباته الكثيرة". غرف النوم المنفصلة: مقبرة المعاشرة الزوجية ويشرح المصطفى أحسني، باحث في علم الاجتماع أن الأسباب التي تدفع الزوجين أن يناما منفصلين: "إن النوم في غرف منفصلة يمكن أن يشكل خطوة في طريق تدمير العلاقة الزوجية والصحة في آن واحد، فإذا كان السبب مرضا ما كالشخير مثلا يجب معالجته وليس الهروب منه، واتخاذ غرف منفصلة يعني الهروب من المشكلة، لذا بقاء الزوجين في غرفة واحدة يدفعهما إلى معالجة الأمر وإنقاذ حياتهما الزوجية. كما أن النوم في غرف منفصلة يقلل من فرصة أن يحظى الزوجان بعلاقة حميمة؛ فالنوم لمدة ثماني ساعات في غرف منفصلة تقلل عدد مرات الحصول على علاقة حميمة بين الزوجية، وتضعف من التعاطف بين الزوجين ما يعني موت العلاقة، فالأمر ليس متعلقا بالعلاقة الجنسية وإنما يجب على الزوجين الحصول على فترات من التقارب الجسدي البعيد عن الجنس، بحيث يقتربان من بعض وقد يتحدثان قبل النوم لفترة لتعزيز العلاقة والتحدث بالمستقبل في الساعات الثمينة القليلة التي قد يحصلان عليها قبل النوم." الغاية من الزواج تحقيق الألفة والسكينة ومن جهة أخرى يوضح الباحث والداعية الإسلامي عدنان زهار أن الإسلام حرص على أن تكون المودة والطمأنينة بين الرجل والمرأة، لأن بهذا تستقر البيوت وتنجو من شر النكبات والانكسارات. فأمر الرجل والمرأة أن يحسن كل منهما عشرة الآخر وأن يحترمه ويقدر شأنه ويقوم كل منهما بواجبه جهته وجهة الشركة المقدسة التي تجمع بينهما، ةمن ذلك أنه عظم شأن العلاقة بين الزوجين حتى في أصغر الجزئيات، فهذا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقصد الإناء الذي شربت منه زوجه عائشة يشرب من المكان الذي وضعت عليه فمها زيادة في إدخال الألفة فيما بينهما، وكان يغتسل مع أزواجه في إناء واحد، وكان يلاعب أزواجه ويسابقهن ويعينهن في أعمال بيوتهن ويصبر عليهن، ولا يرد السيئة بمثلها وغير ذلك من أسباب تحقيق المزيد من الألفة والمحبة. وقال الداعية الإسلامي إثناء حديثه ل"لالة فاطمة" إنه مما اعتاده الناس في تاريخ البشرية وكان عليه العرب قبل الإسلام وجاء الإسلام فأقره ووافق على فعله، أن يشترك الزوجان فراشا واحدا ويناما تحت غطاء واحد، لما في ذلك من كمال إدخال المودة بين قلبيهما، وتحقيق الطمأنينة فيما بينهما، مع ما ذلك من تيسير أسباب المعاشرة بينهما، والتي هي أقوى جالب للمودة ومقو لها. والإسلام وإن لم يأت في نصوصه القرآنية والنبوية ما ينص على حكمه بالإيجاب أو الاستحباب أو الكراهة أو التحريم، إلا أن الإشارات القرآنية والإيماءات الحديثة تفيد أنه من مستحسن الأفعال وكريم الخصال في الحياة الزوجية، فالقرآن الكريم يقول (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)، فهذا لا حجة فيه على بيان حكم المسألة ولكنه كالإشارة إليها وبيان فضلها. وقد كان رسول الله صلى اله عليه وسلم ينام مع أزواجه في فراش واحد وتحت لحاف واحد، بل كان يفعل ذلك وزوجته حائض، فقد روى البخاري عن عائشة قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في لحاف واحد، فانسللت، فقال: ما شأنك؟ فقلت: حضت، فقال: شدي عليك إزارك، ثم ادخلي، "رواه البخاري"، وكذا كان يفعل أصحابه رضوان الله عليهم، فعن علي: قالت فاطمة عليهما السلام: يا ابن عم، شق علي العمل والرحى فكلم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قلت لها: نعم. فأتاهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغد وهما نائمان في لحاف واحد فأدخل رجله بينهما فقالت فاطمة: يا نبي الله شق علي العمل فإن أمرت لي بخادم مما أفاء الله عليك؟ قال: "أفلا أعلمك ما هو خير لك من ذلك؟ تسبحين الله ثلاثا وثلاثين واحمدي ثلاثا وثلاثين وكبري أربعا وثلاثين فذلك مائة باللسان وألف في الميزان"، "رواه مسلم". ومع ذلك فإنه لا معنى لمن حرم أن يختار الزوجان الانفصال في الفراش بما أنه لم يقم الدليل على تحريمه، إلا أنه مخالفة للأولى من جهة، وترك لفعل نبوي محمود عظيم أجره وكثيرة فوائده من جهة أخرى. اللهم إن كان فاعله رجلا أو امرأة قصد به الإضرار بالطرف الثاني فلا شك في تحريمه، كما شاع بين بعض النساء أنهن يمتنعن عن تلبية رغبات أزواجهن فلا أخطر على الدين وأضر للآخرة من صنيعهن هذا، أو هجر بعض المستهترين من الرجال لفراش زوجاتهن قصد إذايتهن فما أقبح صنيعهم وأثقل سيئاتهم، كما أنه يرجع إلى دائرة التحريم إذا ما صنعه الطرفان أو أحدهما تقليدا لأهل الكفر، فإن هذه الظاهرة ما دخلت علينا إلا من عادات اليهود والنصارى والمشركين، فمقلدهم في ذلك مذنب آثم. وعليه فمن فرق بينه وبين زوجته الفراش، لا لقصد سيء ولا لنية قبيحة وإنما فعل ذلك اختيارا أو اضطرارا لسبب من الأسباب فلا حرج عليه، وإن كان تاركا لخير عظيم. مع التنبيه على أن بعض الأزواج يفعل ذلك اضطرارا إذا أوذي بمشاركته فراش زوجه بصورة ما، مكن يكون مصابا بمرض يزعج الطرف الآخر أو يخاف منه العدوى، فلا شك في جوازه حينها بل يكون واجبا مهما تعاظم الخوف من الضرر.