بسم الله الرحمن الرحيم مراجعات الشيخ الفزازي: الجزء الثاني لا أذيع سرا إذا قلت إن التغيير واقع وقادم بما هو نافع إن شاء الله تعالى. وإن أدوات التغيير وآلياته وشروطه متاحة بما يكفي لولوج العمل السياسي بقوة حسب ما أشرت إليه آنفا... وأقول بما يكفي لأن عيوبا تطفو بين حين وآخر على سطح التحضير للانتقال الديموقراطي الحر والنزيه... ولكن ليس إلى درجة التيئيس والقنوط والرفض الكلي... الشروط المطروحة الآن كافية للسيطرة المطلقة على نتائج الانتخابات والفوز بها بالنسبة ل(الإسلاميين) بشرط نزول العلماء ومن في مقامهم إلى الساحة الشعبية للتدافع السياسي بين كل الفرقاء... وقل لي بعدها من يمكن أن يوقف زحف التغيير على هدى من الله تعالى وهدي من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مجتمع يحب الله ورسوله والذين آمنوا...؟ ذلك لأن أقوى ورقة مربحة لدى (الإسلاميين) هي الشعب المسلم. أقول الآن لمن يوصفون بالسلفيين الجهاديين وللرافضين أي مشاركة من قريب أو من بعيد في العمل السياسي...وللذين يكفرون الديموقراطية ويلعنونها ويلعنون أباها وجدها... وكل من ينتسب إليها أو يقول بها... أقول: الواقع قد تغير، والتغيير واقع. وفي ظل هذا التغيير ننشد التغيير نحو الأفق الإسلامي الوضيئ. إنه ليس بدعا من علماء الأمة عبر التاريخ الإسلامي الخالد أن نتغير. فقد كان الأئمة أحمد ومالك والشافعي وأبو حنيفة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم يفتون بفتوى معينة في زمن معين ومكان معين ثم يفتون بخلاف ما أفتوا به إذا تغير الزمان أو المكان وتغير الظرف، وفي نفس النازلة... ولا عجب أن تجد عند أحدهم قولان أو أكثر في مسألة واحدة. لا بل إن الصحابة رضي الله عنهم فعلوا ذلك كذلك، وهذا سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه يعطل حد السرقة عام المجاعة إذا سرق السارق ما يسد به جوعته. وحد السرقة ليس فتوى فقط بل هو شرع الله تعالى، لكن الظرف المتغير غيَر الحكم الثابت. وعندما عادت الأحوال إلى طبيعتها عاد حد السرقة إلى جريانه. فما الذي جعلني أتغير فيما تغيرت فيه؟ دعوني أتكلم بصراحة وبدون لغة الخشب كما يقال. نحن جميعا نعيش في هذا المجتمع، نؤثر فيه ونتأثر، وكل منا له من الانتقاد والرفض، أو القبول والرضا بقدر ما له من علم ومعرفة بالواقع. فالسياسات المتبعة في الاقتصاد والتعليم والإعلام وغيرها... علينا جميعا تقع تبعاتها سلبا وإيجابا. أي أننا لسنا في منأى عما يخطط للأمة ويشرع لها في البرلمان وغيره. فنحن نذهب إلى مستشفيات الدولة ونرسل أولادنا إلى مدارسها ونحرز على كل الوثائق الضرورية من تعريف وتوثيق من الإدارة من لدن الشرطة والدرك والداخلية والخارجية... إلخ، بل نحن مرتبطون ارتباطا لا ينفصم شئنا أم أبينا مع كل أجهزة هذه الدولة بما في ذلك محاكمها التي قد نجد أنفسنا يوما في إحدى غرفها، أو فصول مرافعاتها أو دهاليز زنازنها... وبما أن ل(السلفيين) أنفسهم التجربة الكبرى مع القضاء والمحاكم والمحاكمات أكثر من أي فصيل آخر – ربما – فقد رأينا جميعا كيف لجأنا جميعنا، وأنا أحدهم في هذا، إلى توكيل المحامين بالأثمان الخيالية حيث هناك من الأهالي من باع أثاث البيت لعله يستطيع توفير (أتعاب) المحامي... ومنهم من لجأ إلى القروض... ومنهم من أتى على كل مدخراته وقد كان يجمعها لشأن آخر... كل هذا مع علمنا جميعا بأن المحامين لا يترافعون إلا بالقوانين الوضعية. وجل (السلفيين) طالبوا بالنقض أو بالمراجعة أو بإعادة المحاكمة أو بالعفو حتى وهم أبرياء... مع يقينهم بأن شريعة الله غير حاضرة فيما يريدون الترافع به والتحاكم إليه. كل هذا لأذكْر من تنفعه الذكرى أنه ليس صحيحا أننا مع شرع الله وشرع الله فقط في المكره والمنشط... كما ندعي ونزعم، في الوقت الذي نلجأ لكل شيء ولأي أحد من صالح وطالح عند حاجتنا إلى ذلك. هذه الحاجة إلى الحكم والتحاكم، كما هي الحاجة إلى التعليم والتطبيب والتوثيق والمتاجرة وغير ذلك من نشاطات الحياة وضرورياتها لا تتوارى في حالة الاطمئنان والأمان كذلك بل هي ضرورة مستقرة ومستمرة لا ينفعنا في شيء الإحجام عن المشاركة السياسية بمزاحمة الفاعلين على مختلف مشاربهم. إن الأمر يعنينا في الصميم. وعدم الاهتمام بما يعنينا لا يعيننا على شيء بل هو يردينا ويهلكنا. وعلى هذا الأساس، إما أن نهجر إلى رؤوس الجبال والشعاب النائية ونتخذ من الكهوف بيوتا ونعيش على الرعي والصيد بالرماح والنبال... أي العودة إلى العصر الحجري، (وحتى هذه لا يمكن أن تقع إلا إذا سمح لها النظام بذلك) وإما أن نخالط الناس كل الناس مؤثرين ومتأثرين بالخير، وغير مؤثرين ولا متأثرين بالشر. إن في ديننا وشريعتنا أشياء من قبيل فقه المقاصد، والتعاون على البر والتقوى، والإصلاح ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، والدفع بالتي هي أحسن، وتكثير الخير وتقليل الشر، والموازنة بين المصالح والمفاسد، ودفع أكبر المفاسد إذا تعذر دفعها كلها، وجلب أكبر المصالح إذا تعذر جلبها كلها... إلى غير ذلك من الممارسات الفقهية والأصولية التي تزخر بها العلوم الإسلامية. من هنا أستطيع القول: إن المشاركة السياسية بشكل "ديموقراطي" على أساس الشفافية والنزاهة والمساواة في الفرص والعدل في الاستفادة من الدعاية أو الدعوة على وسائل الإعلام العمومية... وما إلى ذلك من ضمانات تمكن كل طرف من بسط برنامجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وغير ذلك...وهذا لا يمكن أن يكون إلا في صالحنا. فأستطيع القول بأن التخلف عن هذه المشاركة هو من قبيل التولي يوم الزحف، ومن باب الخيانة العظمى لمصالح الأمة، ومن باب مساعدة المفسدين على التمادي في الفساد وتحصين حصونهم... أستطيع القول: إن كل مسلم كان قادرا على دفع شر ولم يفعل فهو شريك في ذلك الشر ومسؤول أمام الله على وقوعه، تماما كمن هو قادر على إنقاذ غريق ولم يفعل، فهو مسؤول أمام الله تعالى على غرقه. وعلى هذا الأساس أصل بكم معشر القراء إلى أن هذه المعاني في جملتها تؤخذ على قدر وسع المرء ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. هنا أتوقع أن يسألني سائل: أين كانت هذه المعاني والمفاهيم يوم كتبت ما كتبت من تحريم وتجريم للديموقراطية وأهلها؟ أين كان هذا التأصيل المفصل والتفصيل المؤصل يوم كنت أقول: الديموقراطية ذلك الصنم ..؟ وكلها أسئلة مشروعة تستدعي أجوبة واضحة. أقول، إن النصوص هي النصوص، والقواعد هي القواعد... بل إن الفهم نفسه هو الفهم لم يتغير منه شيء، أو يكاد. والمتغير الأكيد هو في واقع الدول العربية السياسي المجبر بهذا الحراك الهادر وهذه الثورات المتواصلة أن يطأطئ الرأس وأن يخضع لرغبات الشعوب طوعا أو كرها. المغرب ليس استثناء، ولا يمكن أن يكون استثناء، اللهم إلا في فطنة الملك الذي سارع إلى الإصلاح وسابق المحتجين في حلبة السباق نحو إسقاط الفساد... فسبقهم إلى الإعلان المدهش في خطاب 9 مارس بأنه هو أول من يعمل على إسقاط الفساد.. والبقية تعرفونها. بصراحة الأنظمة العربية هي من قلبت معطفها. والتي رفضت قلب المعطف قلب الثوار عليها الطاولة وأسقطوها ورموا بها إلى مزبلة التاريخ تأكلها الجرذان. هذا في حالة فرار، وذاك في حالة اعتقال، والآخر محروق... وبشار يترنح آيلا للسقوط... وآخرون على الطريق. وتحية إلى ملك البلاد الذي عرف كيف يكون واقعيا ويتعامل بواقعية بكل شجاعة مما جعلني شخصيا أغير رأيي القديم في السياسة والسياسيين وأدعو إلى مواصلة التغيير من داخل المؤسسات والمشاركة في تطهيرها من الفساد... وليس من خارجها. هنا القضية ببساطة. إذا لم يكن في مقدور أي شخص أو جماعة أو أي حزب أن يطبق شرع الله تعالى بالحرف والتمام والكمال وعلى الوجه الأمثل – وهذا هو واقعنا جميعا حكاما ومحكومين – فهو معذور بالعجز. وإذا كان قادرا على فعل شيء ما لصالح دينه أو أمته ولم يفعل، فهو مؤاخذ على تركه وتخلفه مع قدرته تلك. فماذا نجني من وراء القعود والعزلة والعزوف ورفض تأسيس تكتل قوي نزاحم به الفاعلين الآخرين؟ ماذا نجني غير تحمل نتائج الفساد والإفساد التي يراها المفسدون إصلاحا ويضعون لتنفيذها البرامج التي زكاها من زكاها بسبب ترك الحبل على الغارب وتمكينهم بإحجامنا عن التدافع معهم من فرض أفكارهم وسياساتهم ومخططاتهم ضدا على مصالحنا وديننا وأخلاقنا وعفتنا وعفافنا وكرامتنا...؟ ونكون نحن من فعلنا ذلك بأنفسنا فلا يمكن بعدها أن نلوم غيرنا {قل هو من عند أنفسكم} {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (يتبع) الموقع الرسمي: www.elfazazi.com البريد الإلكتروني: [email protected]