بعد 15 سنة على اعتماد المغرب لمدونة الأسرة سنة 2003، والتي اعتبرت "ثورة هادئة" لحماية حقوق النساء والطفولة ووضعية الأسرة، أعطى الملك محمد السادس إشارات واضحة لتعديل المدونة في ظل مطالب الحركة الحقوقية والنسائية بملاءمة مضامينها مع دستور البلاد الجديد، من جهة، والالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة، من جهة إضافية. ودعا الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة الذي افتتحت أشغاله أمس بالرباط، تحت شعار: "نحو طفولة آمنة"، إلى "مواكبة هذه المدونة بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة"؛ وهي الإشارات التي أثنى عليها عدد من الفاعلين "لتصحيح مجموعة من التناقضات التي بات المجتمع المغربي يتخبط فيها، ومن ضمنها إقرار المساواة في الإرث"، بتعبير فوزية العسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة. ويثير موضوع المساواة في الإرث جدلاً واسعا في المملكة بين صف حداثي وآخر محافظ، يقوده حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة، إذ سبق لمصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المنتمي إلى الحزب نفسه، أن عارض ذلك معتبرا "الوصول إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة سيسبب الفتنة والتكفير والإرهاب والقلاقل في دول العالم الإسلامي، ودعا إلى احترام مشاعر الناس ومعتقداتهم". وقالت العسولي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "مدونة الأسرة حققت فعلاً طفرة مهمة في ظرف كان فيه المجتمع يعيش صراعاً بين القوى المحافظة والحداثية، وحاولت أن توافق بين الاتجاهين؛ ولكنها اليوم أظهرت عن مجموعة من التناقضات وجب تغييرها، لأنها تعرقل التطور المنشود". وأوضحت المتحدثة ذاتها أن "إقرار المساواة في الإرث في التعديلات المرتقبة يعد أولوية ملحة، بالنظر إلى التطور الذي حققته المرأة المغربية"، وتابعت أن "دراسات رسمية تُشير إلى أن أسرة واحدة من كل خمس أسر تعيلها نساء، ما يعني وقوع تغيرات اجتماعية في هياكل وبنيات البلد". وحول معارضة التيار الإسلامي لمثل هذه الدعوات، اعتبرت الناشطة الحقوقية العسولي أن "هناك فهما خاطئا للنص الديني، وأن أساس الإسلام هو العدل، وليس التشبث بالقشور والميز الذي لا تقبله الإنسانية". واتهمت العسولي هذا التيار ب"تشويه صورة الإسلام ومحاولته لعرقلة تطور المغرب، في وقت تعيش فيه الأمم والشعوب ثورات تكنولوجية"، كما شددت على ضرورة أن تنص التعديلات المرتقبة على منع تعدد الزوجات. من جانبها، دعت لطيفة البوحسيني، الناشطة النسائية، إلى إعادة النظر في الحالات الاستثنائية التي تركتها المدونة للقاضي بخصوص سن زواج الفتاة القاصر، وقالت الحقوقية ذاتها إن "قضاة يتحايلون على القانون بتزويج الفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة بداعي وجود حالة استثنائية؛ وهو الأمر الذي يُهدد مسار طفلات في التعليم والتنمية"، بتعبيرها. وأضافت البوحسيني، في تصريح لهسبريس، أن المدونة أبانت أيضا عن عيوب في تطبيق البند المتعلق بتقسيم الممتلكات بين الزوجين بعد الطلاق، بالإضافة إلى تحقيق فعلي في المساواة بين الرجل والمرأة في مسألة الولاية على الأطفال. وأيدت الناشطة إعادة النظر في تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة، وقالت: "لم يعد مكننا التعامل مع نصوص تم إقراراها في سياق آخر، كانت فيه المرأة تحت وصية الرجل"، واعتبرت أن "هذا القانون غير منصف، ويجب تغييره على أساس المساواة والإنصاف والعدل".