لا شك أن المرأة المغربية تتفوق على مثيلتها في معظم الدول العربية في الحقوق التي اكتسبتها بعد سنوات من النضال والحضور الفاعل للحركة النسائية، ويعد خروج مدونة الأسرة للوجود سنة 2003 أول انتصارا للمرأة المغربية و لنضالاتها الطويلة من أجل فرض المساواة في الحقوق.... كما حققت المرأة مكتسبات أخرى تمثلت في إقرار قانون الجنسية سنة 2008 وإقرار الفصل19 من الدستور الجديد بالمساواة بين الجنسين في الحقوق المدنية، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية... وكذا تعديل القانون الجنائي وتضمينه قوانين جديدة تهم المرأة، كتجريم التحرش الجنسي وإصلاح مدونة الشغل، كل هذه المكتسبات تترجم الرغبة الواضحة في الرقي بوضع المرأة اجتماعيا واقتصاديا وقانونيا... لست هنا لأطبل لمنجزات الماضي فقط، بل استحضرت ما تم تحقيقه قصد الوقوف عليه بغية تحقيق المزيد، لأن الثامن من مارس مناسبة لمراجعة الأوراق والتفكير في سبُل تحقيق ما لم يتحقق بعد، إذ لا يجب أن ننسى أن كل التعديلات التي أجراها المغرب في النصوص القانونية المتعلقة بالمرأة لم تكن إلا خطوة خطاها المغرب قبل تسع ستوات في اتجاه العدل والمساواة بين الجنسين، ولابد من خطوات أخرى للاقتراب أكثر. لقد عرف المجتمع المغربي في السنوات الأخيرة تغيرات كثيرة وأصبح الشعب المغربي أكثر وعيا بأهمية المساواة، كما أن الواقع المغربي أصبح يتجاوز بعض نصوص تلك المدونة، نظرا لارتفاع منسوب الوعي لديه بأهمية المساواة التي تغيب بشكل جلي في كثير من مواد المدونة، كالتمييز بين الأم والأب في الولاية على أبنائها في المادة 231، والتمييز بين البنت والولد في النفقة في حالة كون الملزم لا يستطيع الإنفاق على جميع الأولاد (المادة 193)، وغيرها من المواد التي تميز بين الذكر والأنثى لا لشيء إلا لاختلافاتهما البيولوجية. كل تلك النصوص القانونية التي تميز بين الجنسين تجاوزها الزمن، بل حتى الناس أصبحوا يتحايلون على كثير منها، فنجد مثلا فيما يخص الإرث أن أغلب من يملكون الثروات يقسمونها على أبنائهم وهم على قيد الحياة حتى لا تضيع حقوق البنت بسبب قانون " للذكر مثل حظ الأنثيين" وقد يقوم الإخوة في حالات أخرى بعد تقسيم الإرث بإرجاع المال للبنات حتى يكون هناك تساوي مع الذكور، ويجب علينا أن نعرف أن من يفعلون هذا مسلمون ولا يقصدون بفعلتهم تحليل ما حرم الله وإنما يخشون أن تضيع حقوق ابنتهم التي يرون فرقا بينها وبين أشقائها بل كلهم متساوين كأسنان المشط . لا أحد ينكر أن تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 2004 حرر المرأة من قوانين متسلطة كانت تشل نصف المجتمع بسبب الحيف والدونية والإقصاء والتهميش الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ثم الثقافي، ولاشك أن هذا التحرير لم يكن سهلا بل استدعى تحدي التيارات الدينية المتزمتة التي كانت تناهض المطالبة بتعديلها لمواكبة العصر وإنصاف المرأة. إن المرأة المغربية وحسب منطق القوانين الجارية تجد نفسها مقيدة بالمحيط الاجتماعي والديني الذي تعيش فيه، والذي يصعب فيه عليها أن تتعدى حدوده، بل يستحيل ذلك بدون إقرار للعلمانية، التي مازال بعض المواطنين لقلة وعيهم بماهيتها، يعتقدونها نقيضا للدين وخروجا عن الإيمان. إن التحولات التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة تفرض علينا إعادة صياغة جل مواد المدونة التي مازالت تطرح إشكالات مرتبطة أساسا باحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي أصبحت بموجب التعديل الدستوري لفاتح يوليوز الأخير مرجعا أساسيا من مراجع التشريع، كما لا يعقل ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نرى بنات في سن الطفولة يزج بهن للزواج بالفاتحة والإنجاب وأجسادهن لم يشتد عودها بعد، وغيرها من الحالات التي لا يسعنا المقام لعدها.