أثارت المحاكمة التي يخضع لها في فرنسا بتهمة الاغتصاب الكاتب طارق رمضان السويسري الجنسية والمصري الأصول تباينات في المواقف حتى داخل بلدنا المغرب. فلقد حاول بعض المغاربة إعلان تضامنهم مع طارق رمضان ومساندتهم له، غير أن محاولتهم جوبهت بالتماطل والتسويف من طرف الإدارة، ولم يتم السماح لهم بتنظيم لقاء في قاعة عمومية بينهم والجمهور، لقاء كان سيخصص للإعلان عن موقف متضامن مع المفكر الإسلامي الذي يقبع حاليا في السجن، ومنه أحيل إلى المستشفى، نظرا لتردي حالته الصحية. الإعلان عن التضامن مع طارق رمضان ليس في الحقيقة إلا ممارسة لحرية التعبير. قد أكون شخصيا غير مستعد للتضامن مع رمضان لأسباب تخصني، ولكن لابد من الاعتراف أنه إذا كان هذا التضامن سيتم بطريقة سلمية وحضارية، في إطار ندوة، أو لقاء مفتوح مع الجمهور، يشرح فيه المتضامنون مع الرجل الدوافع والحيثيات التي كانت وراء تضامنهم معه، فهذا تصرف عادي وطبيعي، ولا ضرر فيه، لا للدولة المغربية، ولا للمجتمع. إنه نشاط لا يُلزم إلا الأشخاص الذين يشاركون فيه، فالمؤسسة المغربية الحاكمة غير معنية بما يصدر عن هؤلاء، لأنهم يعبرون عن قناعات خاصة بهم، وعن قراءة ذاتية تهمهم بمفردهم في شأن المحاكمة التي يتعرض لها طارق رمضان. فلماذا تعتبر الدولة المغربية نفسها أنها معنية بموقف هؤلاء المتضامنين مع رمضان وأن عليها منعهم من القيام به؟ ولماذا تسمح لأي جهة كانت بأن تضعها في قفص الاتهام على هذا المستوى؟ ففي المغرب حرية تعبير مصانة طبقا للدستور، وإذا كان بعض الأفراد قد رأوا أن من حقهم التضامن مع مفكر إسلامي يخضع لمحاكمة ليسوا مقتنعين بأنها محاكمة تمر في ظروف عادية، فليس من العدل، وليس من القانون والدستور في شيء منعهم من ممارسة هذا الحق، تحت أي مبرر من المبررات. فالصداقة مع فرنسا التي يحاكم فيها طارق رمضان شيء، وممارسة المواطنين المغاربة لحقوقهم الدستورية شيء آخر. الصداقة بين البلدين، المغرب وفرنسا، لا يجب أن تكون عكازا يتم الاستناد إليه لضرب حق مغاربة في ممارستهم لحرية يضمنها لهم الدستور. لقد شاهدنا مرارا وتكرارا هنا في المغرب متضامنين أمام أبواب المحاكم يرفعون اللافتات، ويرددون الشعارات المطالبة بالعدالة، أو حتى إطلاق سراح بعض المحالين على القضاء، وتسمح أجهزة الأمن لهؤلاء المتضامنين بالتظاهر أمام المحاكم، ولا تستعمل القوة لتفريقهم أو منعهم من التظاهر، فلماذا مَنْعُ ندوة أو لقاء كان سيتم في قاعة بعيدة عن المحاكم للتضامن مع طارق رمضان؟؟ ما هذه الازدواجية في المعايير؟ القانون يجب أن يسري على الجميع وفي كل القضايا بمساواة. فالإشكال لم يعد هنا يتعلق بالتضامن في حد ذاته مع طارق رمضان، وإنما بمغاربة أرادوا ممارسة حقهم في التعبير، فتم منعهم من ذلك. ما هو المبرر القانوني لهذا المنع؟ وما هو الأساس الدستوري الذي جرى اعتماده لتبرير المنع؟ أليس في ذلك تعد وهضم لحقوق مواطنين؟ فهذه هي الأسئلة التي يثيرها المنع، وليس قضية التضامن من عدمه مع متهم سجين. لا أحد منا يستطيع الجزم الآن إن كان طارق رمضان قد اغتصب السيدتين اللتين وجهتا له هذه التهمة أم لا؟ فالرجل ما زال مجرد متهم لا غير، وقرينة البراءة يتعين أن تكون باستمرار سابقة على الإدانة، خصوصا لدى الصحافة وصانعي الرأي العام. قبل إصدار الحكم النهائي ضد الرجل، فإنه، ينبغي أن يُعتبر بريئا، لأنه إذا أدانته الصحافة والرأي العام، ومُنع التضامن معه قبل محاكمته، فهذا يعني أن المتهم أصبح مجرما ومدانا، وأنه حوكم، قبل إصدار القضاء حكمه عليه. وهنا لا تكون الصحافة والمجتمع منصفين للرجل الذي يثير السجال في الغرب بسبب دفاعه عن الإسلام، سيكونان قد سبقا العدالة، وقالا كلمتهما في المتهم وحوَّلاه إلى مذنب، ودمَّرا صورته الاعتبارية. وحتى إن برأه القضاء لاحقا، فإن ما تكبّده قبل المحاكمة، سيكون قد ترك مفعوله السلبي فيه، وفي أسرته وذويه، حالا واستقبالا. وحين نُذكّر بقرينة البراءة ونؤكد عليها، فإن ذلك لا يعني أننا متيقنون أن طارق رمضان بريء وغير مذنب، فالأجواء التي ستمر فيها المحاكمة، والقول الفصل التي سيقوله القضاء في النازلة بعد الاطلاع على الملف وجميع حيثياته، وبعد الاستماع إلى مرافعات المحامين ودفاع المتهم عن نفسه، هو الذي سيحدد مصير طارق رمضان إن كان يستحق الإدانة، وإن كان أهلا للبراءة، وكلام أي أحد منا، في أي تجاه كان، لا قيمة قانونية له. لكن في كل الأحوال، سواء تمت تبرئة الرجل أم إدانته، فإنه سيظل، في البدء والمنتهى، كائنا بشريا، يخطئ ويصيب، وإذا أخطأ وأدانته المحكمة بخطئه، فيتعين عليه تحمل مسؤوليته عما اقترفت نفسه، ولكن علينا، نحن كأفراد أسوياء في المجتمع، عدم ممارسة الشماتة والتشفي فيه، فكما يقول المثل: من كان منكم بلا خطيئة فليرمه بحجر.