"رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجديد "، هو موضوع الدورة الثالثة للمنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية، الذي ستنطلق فعالياته يومي 19و20 فبراير 2018 بمقر مجلس المستشارين. نسجل منذ البداية، أن الوفاء بهذا الموعد السنوي، هو بقدر ما يعبر عن إصرار مجلس المستشارين السير قدما في استكمال مخطط العمل الاستراتيجي الممتد من 2016 إلى 2018،. من زاوية تعزيز حضوره " كفضاء للحوار العمومي والنقاش المجتمعي التعددي "،. وسعيه في تقديرنا إلى تأسيس وظيفة برلمانية نوعية وجديدة، تنضاف إلى الوظائف الدستورية التقليدية للبرلمان بمضمون معرفي وأكاديمي واستشرافي. فإن هذا الوفاء يؤكد بالمقابل الانخراط المؤسساتي والعملي لمجلس المستشارين في " دينامية التفكير الجماعي الرامية إلى المساهمة في صياغة وبلورة براديغم نموذج تنموي بديل من زاوية أسئلة ومتطلبات العدالة في أبعادها الاجتماعية والمجالية "، والتي باتت تشكل ضرورة مجتمعية ملحة، تمليها العديد من التحديات المطروحة على أجندة الدولة والمجتمع، والتي لم تعد تقبل التأجيل. وفِي علاقة بإحدى الأهداف الأساسية التي تقترحها الأرضية التأطيرية للمنتدى، والمتمثلة في تقديم توصيات ومقترحات عملية بشأن النموذج التنموي الجديد من مدخلي العدالة الاجتماعية والمجالية، نرى بأن اللحظات الأساسية الأربعة التي ستتوزع عليها أشغال المنتدى، ستشكل فرصة سانحة لتأسيس مقاربة جديدة تنطلق من طرح الأسئلة الجوهرية التي تضع الأصبع على المعيقات الحقيقية والكوابح البنيوية التي كانت تؤدي دائما إلى غلق كل منافذ التقدم والتطور. في هذا السياق، وتفاعلا مع الإشكاليات العديدة التي يطرحها موضوع هذا المنتدى في دورته الثالثة، نرى أن أية وصفة يمكن اقتراحها في هذا الباب، ستكون مشروطة بتقديم أجوبة واضحة حول مختلف الاشكالات المطروحة، واستحضار مجموعة من المعطيات البارزة من قبيل : - بالرغم من عدم ارتباط الاقتصاد الوطني بالمنظومة المالية العالية، لابد من استحضار السياق الاقتصادي الدولي الذي بدأ يعرف تحولات عميقة مع بداية الأزمة المالية العالمية سنة2008، لأن الاقتصاد الوطني يبقى دائما في حاجة ماسة إلى بناء سياسة اقتصادية قوية ومنفتحة على الاقتصاديات الاقليمية والدولية مع الحرص على عدم التفريط في سيادته على اختياراته الاقتصادية والاجتماعية. - ضرورة الوقوف عند الأسباب الحقيقية المرتبطة بالاختلالات البنيوية للسياسات الاقتصادية المنتهجة، والبحث في العوامل المؤدية إلى العجز الدائم للاستثمار العمومي، والتي تجعله دائما غير قادر على تحقيق المردودية المنتظرة منه ؟ وطرح السؤال المقلق لماذا تتعمق الفوارق الاجتماعية والمجالية وتتوسع باستمرار، رغم الحجم الهائل الموجه لهذا الاستثمار؟ وهذا ما يقود إلى طرح سؤال جوهري، أين يكمن الخلل؟ - من المفيد دراسة وتقييم البيئة التشريعية والمؤسساتية والتنظيمية المعنية بإنتاج وإعداد السياسات المالية والاقتصادية وتنفيذها، ومدى قدرتها على استقطاب الاستثمار والتكنولوجيا والمهارات الإدارية الكفأة والمؤهلة؟ وإلى أي حد تحترم عمليات إعداد وصياغة السياسات المالية والاقتصادية مبادئ الشفافية والانفتاح والمشاركة الفعلية والمؤثرة ؟ وهل تخضع عند تنفيذها إلى التقييم والمساءلة والتدقيق ودراسة الأثر وتحقيق الأهداف المرجوة منها. - إيلاء أهمية قصوى لتحذيرات شركة الاستشارات العالمية " ماكينزي " التي قدرت بأن ما بين 400 إلى 800 مليون شخص سيفقدون وظائفهم بحلول سنة 2030، وهو ما يطرح تحديات جديدة وبالغة التعقيد مرتبطة بمستقبل التشغيل، وكيفية الارتقاء بالعنصر البشري من خلال إعداد المهارات والقدرات المعرفية وتسليحها بأدوات تتلاءم مع متطلبات العصر، وتوجيهها للمساهمة في تطوير الاقتصاد الرقمي الذي سيشكل لا محالة أساس اقتصاد المستقبل، خاصة في ظل الثورة الجذرية التي طرأت على سوق العمل بفعل القفزات التكنولوجية الكبيرة ؟ - تحديات أخرى مرتبطة أساسا بالحماية الاجتماعية، وبكيفية تعزيز النظم الصحية والرفع من قدرات التأهب واليقظة والاستجابة ومواجهة المخاطر والوقاية من الأزمات الوبائية والحد من تداعياتها ؟ - الوقوف عند الفجوة الكبيرة بين الثروة والدخل لدى المغاربة، وكيفية تقليصها حتى لا نقول الحد منها ؟ وكيفية تجويد نوعية الحياة وتعزيز مشاعر الأمان والثقة وترسيخ ثقافة المواطنة وربطها بقيم العطاء والتسامح والانفتاح ؟ هكذا، فبالإضافة إلى الإشكاليات العديدة التي توقفت عندها الأرضية التأطيرية، والمتصلة بوظائف وأدوار الدولة وحجم وأشكال وكيفية تدخلها ؟ وبالاختلالات والمخاطر ذات الطابع الماكرو اقتصادي، وأساسا ما يرتبط بموقع قطاع الصناعة ضمن بنية الاقتصاد الوطني، وبالنموذج الاقتصادي والاجتماعي في أبعاده المبكر اقتصادية، بالإضافة إلى إشكاليات تمويل المقاولات والتجهيزات الأساسية وكيفية تجاوز الاختلالات المتعددة للنموذج التنموي في ميدان الابتكار والبحث العلمي باعتبارهما رافعة لأغنى عنها لاستدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تلكم غيض من فيض الأسئلة والتحديات التي نأمل أن تشكل عناوين لمخرجات المنتدى البرلماني للعدالة الاجتماعية والمجالية في دورته الثالثة. *باحث جامعي