حين تَقدَّم حزب الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب بمشروع قانون يطالب فيه بتغيير اسم وكالة المغرب العربي للأنباء إلى "الوكالة المغربية للأنباء" أو "وكالة المغرب الكبير للأنباء" فإنه برَّرَ مطلبه هذا بضرورة التلاؤم مع مقتضيات دستور 2011 الذي استبدل اسم المغرب العربي، بالمغرب الكبير، ولقد رفض السيد محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال تغيير هذا الاسم، " لأن وكالة المغرب العربي للأنباء علامة تجارية دولية في مجال الإعلام ومعروفة باسم لاماب، وهي حاضرة بهذا الاسم منذ أكثر من 60 سنة"، كما أن الوزير لم يقتنع بالمبررات الدستورية التي تم الاستناد إليها لطرح مشروع القانون المذكور، لأن الأحكام العامة للدستور المغربي، " لا تزال متشبثة بالهوية العربية للمغرب، وبالتالي ليس هناك داع لتغييره". أي اسم الوكالة، كما قال السيد الأعرج. وفي الواقع فإن الأمر يتجاوز حدود اسم الوكالة إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فالذين كانوا يطالبون بتغيير اسم وكالة المغرب العربي، بسبب صفة العربي التي تلازم اسم المغرب في الوكالة، كانوا سيفتحون على المغرب باب جهنم، وكانوا سيجرُّون البلد إلى مطالب أخرى لا عدَّ ولا حصر لها، ويمكن للمطالب على هذا المستوى أن تتناسل الواحدة تلو الأخرى، ولا تنتهي على الإطلاق، في ما لو تمت الاستجابة لمطلبهم ذلك. البداية كانت هي الوكالة، ولو تم قبول تغيير اسمها بقانون، فإن هذا النص القانوني كان سيتحول إلى مرجعية لتقديم مطالب بإحداث تغييرات في أسماء كل شيء بالمغرب. سيصبح بإمكان الناشط الأمازيغي أن يطالب، بناء على النص القانوني السابق، بتغيير أسماء جميع الشوارع، وكل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تحمل في المغرب أسماء لرموز عربية، واستبدالها بأسماء غير عربية، وتحديدا أسماء أمازيغية، فبالنسبة لأعضاء الجمعيات الأمازيغية التي سعى حزب الأصالة والمعاصرة لجبر خاطرها واسترضائها وسايرها في رغبتها في تغيير اسم وكالة المغرب العربي للأنباء، فإن كل شيء في المغرب أمازيغي خالص، والعربي الموجود في البلد، ليس سوى كائنا غازيا في القرن السابع الميلادي لبلد اسمه تمازغا وغريبا عنه، ولقد مكنه المستعمر الفرنسي من السيطرة على الأمازيغي والأمازيغية وتهميشهما وقهرهما في وطنهما المغرب. فكل من يقرأ مقالات المنظرين الإيديولوجيين للحركة الأمازيغية، ويقرأ تعليقات مريديهم على ما يكتبون، وكذلك تغريداتهم في الفايسبوك وتويتر سيتبين من ذلك. ليس فقط الأسماء وجميع ما يرمز لكل ما هو عربي في المغرب يتعين في نظر هؤلاء اجتثاثه واستئصاله من جذوره، اللغة العربية بدورها يعتبرونها لغة عنصرية وعرقية لأنها مرتبطة بالعرب، وقد يطالبون بإزاحتها من الساحة، فالمستعمر في نظرهم هو الذي فرضها على الأمازيغ، وأجبرهم على تعلمها، وجعل منها اللغة الرسمية للدولة، وهي غير صالحة، ولا تنتج سوى البداوة والتخلف والتطرف والإرهاب، ولا تساهم بأي شيء في المجال المعرفي الإنساني، وحتى المغرب، كاسم للبلد، يتعين مراجعته، فهذا الاسم أطلقه المشارقة العرب على المغرب لربطه بهم ولجعله جزءا منهم، الأمر الذي يضرب هويته الوطنية ويجعل منه تابعا للمشرق. الاسم الحقيقي للبلد هو أموروكوش، أو بلاد تمازغا، كما يعتقد النشطاء الأمازيغ. التاريخ ينبغي أن يُراجَعَ وأن يتم التركيز فيه على أن العرب غزوا بلاد تمازغا وارتكبوا المجازر المروعة فيها، واغتصبوا نساءها وقاموا بسبيهن وبعثهن للسلاطين الأمويين لاسترقاقهن وتحويلهن إلى جواري، وعلى حفدة العرب في المغرب تحمُّلُ تبعات ما فعله أجدادهم، وينبغي التأكيد على أن العرب حوربوا وهُزموا في بلاد تمازغا، وأن وجودهم اللاحق بها كان هامشيا جدا، وتمَّ برغبة من السلالات الأمازيغية التي كانت حاكمة، وأن الأرض ظلت للأمازيغ الذي كانوا يحكمونها في الماضي، وهم الذين يتعين أن يحكموها حاليا، وأن يجعلوا كل شيء فيها أمازيغيا خالصا، كما كان في السابق. فالمقاومة في الجبال كانت أمازيغية في وجه المستعمر، والحركة الوطنية ليست سوى نخبة مدينية انتهازية ركبت على نضالات الأمازيغ، وفاوضت الاستعمار من وراء ظهرهم، وتواطأت معه ضدهم بالظهير البربري، ولذلك يتعين مراجعة هذا التاريخ، وقراءته قراءة تُؤثّم الحركة الوطنية وتجعل منها حركة لطيفية خائنة وعميلة للاستعمار، وأنها كانت إلى جانبه ضد أهل البلد الحقيقيين الذين هم الأمازيغ. حتى الدولة المغربية يتعين تمزيغها كلها، من رأسها إلى أخمس قدميها، فيجب أن تصبح بكل رموزها السيادية أمازيغية صرفة، فاللغة التي يجب أن تسود في كل المؤسسات هي الأمازيغية، والخطب الرسمية للملك، ورؤساء الحكومات، والوزراء، والبرلمانيين.. يجب أن تكون بالأمازيغية، وليس العربية، وإذا تم التساهل مع العربية فمن الجائز القبول بها كلغة في المسجد وفي المنزل لأداء فريضة الصلاة، هذا إن لم يتم التضييق على الإسلام نفسه، لأنه مقترن بالعرب، وبغزوهم لبلاد تمازغا وسيطرتهم عليها. والعلمُ الوطني الذي يتعين أن يُرفعَ ويُرفرف فوق مؤسسات الدولة هو العلم الأمازيغي الذي يتكون من ثلاثة خطوط أفقية بنفس العرض بثلاثة ألوان: الأزرق، الأخضر، والأصفر، يتوسطه حرف الزاي بأبجدية تيفيناغ باللون الأحمر، وليس العلم الأحمر الذي تتوسطه النجمة الخضراء. والنشيد المغربي الذي ينبغي أن يُردَّد في كل المناسبات ليس النشيد الحالي الذي يجب رميه في صندوق القمامة، بل يتعين أن يكون النشيد الوطني نشيدا جديدا مكتوبا باللغة الأمازيغية، وليس بالعربية، فالنشيد المغربي المعمول به الآن، ومعه العلم الوطني الراهن، هما من صنع المقيم االفرنسي الأول ليوطي، وهما معا مرفوضان من طرف النشطاء الأمازيغ، ويتعين استبدالهما، من وجهة نظرهم. وعلى المغرب، كما يطالب بذلك النشطاء الأمازيغ، الانسحاب فورا من جامعة الدول العربية، وأن يتخلى حالا عن رئاسة لجنة القدس، وأن يقيم أحسن العلاقات وأجودها مع إسرائيل، وأن يتعاون مع الدولة العبرية في كافة المجالات بما يضمن أمنها واستقرارها، ولا حرج في إن تم ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، بل سيكون في نظرهم من الأفضل للمغرب، لو أنه أعلن صراحة عن حقده وكراهيته للعرب والمسلمين عموما، والفلسطينيين على وجه الخصوص، وافتعل معارك وهمية وخصاما حاميا معهم، فهذه هي الوصفة السحرية للحصول على رضاء اللوبي الصهيوني المتحكم في دوائر صنع القرار بواشنطن وباريس، وهنا تكمن مصلحة الشعب الأمازيغي، كما يتصورونها.. وحين رفض السيد محمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال مقترح القانون هذا، وهو وزير من الحركة الشعبية، الحزب الذي أنشئ أساسا كما يقول أعضاؤه للدفاع عن الأمازيغية، فإنه كان يستحضر في ذهنه، ومعه وقبله، الدولة المغربية، خلفيات طرح هذا المشروع وأبعاده، والنتائج الكارثية التي قد تترتب عنه ويشكل مقدمة لها، فحزب الأصالة والمعاصرة كان يريد أن يغازل بالمشروع إياه الحركة الأمازيغية، دون أن يفكر في ما قد ينجم من تداعيات عن ذلك، ولكن الدولة التي يهمها مصير البلد ولا تقبل التلاعب به، خصوصا في هذا الجانب الحساس والخطير جدا، رفضت مشروع القانون هذا، ولم تتجاوب معه، وذلك من منطلق تحصين أمن المغرب وتأمين استمرار استقراره. لكن الأمر العجيب والغريب هو أن يحكم الأستاذ أحمد عصيد المثقف المعروف، على عبارة "المغرب العربي" المقرونة باسم الوكالة بأنها عبارة عنصرية مخالفة للدستور، والأستاذ عصيد ذاته لا يُعرّف نفسه إلا بالناشط الأمازيغي، فهل حلال عليه، وهو المثقف الذي لديه أتباع ومريدون كثر، وأصبح، ما شاء الله، في حكم المثقف" المؤسسة" أن يُقرن نفسه بالأمازيغي، وحرام على وكالة وطنية أن يكون اسمها مقترنا بالمغرب العربي؟ إذا كان تصرف الوكالة عنصريا ومخالفا للدستور، فهل تصرف عصيد هذا غير عنصري؟ هل يراعي مقتضيات الدستور ويحترمها؟ لو أن الأستاذ عصيد يحرص على أن يُقدّم نفسه للجمهور بصفته ناشطا حقوقيا وكفى، دون كلمة أمازيغي، لكان يحقُّ له أن يطالب وكالة المغرب العربي للأنباء بأن تغير اسمها إلى الوكالة المغربية للأنباء، على أساس أنه اسم محايد وموضوعي. أما والعكس هو الحاصل، فإن مطلبه في هذا الاتجاه، ومعه كل من على شاكلته من النشطاء الأمازيغ، يفتقد إلى المصداقية، وليس الغرض منه مواجهة ما يسميه عنصرية عربية، إنه، للأسف، يريد، من حيث يدري أو لا يدري، إرساء عنصرية أمازيغية فعلية في بلدنا، تجيز له، ولمن هم معه في نفس الخط، تمزيغ أنفسهم وكل شيء في المغرب، ولكن ممنوع على العرب المغاربة، وحتى على الدولة بجلال قدرها، إطلاق وصف عربي على أي شيء في البلد الذي تحكمه. إذا لم تكن هذه هي العنصرية فماذا تكون إذن يا إلهي؟ وفي الختام لا نملك إلا أن نوجه دعواتنا لله العلي القدير مبتهلين منه أن يحفظ بلدنا خال معافى من مرض العنصرية الخبيث، كما كان منذ أن آخى فيه الإسلام، بين العرب والأمازيغ، وجعل منهم ذاتا واحدة متضامنة بين مكوناتها في السراء والضراء، ولقرون ممتدة في التاريخ القريب والبعيد جدا.