من "معركة تطوان" إلى "معاهدة الراس" رحلة عبر الزّمان والمكان، وثّقها الفنان ماريانو فورتوني، لتشهد على جزء من الذاكرة التراثية الأورو مغاربية. الإقامات المختلفة لماريانو خلال القرن التاسع عشر، وإبّان اندلاع الحرب الإسبانية المغربية، أثّرت تأثيرا كبيرا على مساره الفني، وتميزت لوحاته بالزخارف المغربية والألوان المائية والنقش، وصُنِّف ضمن الرّسامين المستشرقين، عبر لوحاته التي أدْلى بها بعد رِحلته من المغرب، يقول الناقد خابيير بارون تِينديسمان، في حديثه عن مساره التشكيلي ماريانو فورتوني. وأبرز، خلال ندوة عقدها معهد ثيرفانتيس بالعاصمة الرباط، أنّ المغرب ظلّ حاضراً في لوحاته، سواء تلك المتعلقة بالذاكرة التاريخية المتجسدة في لوحة معركة تطوان ومعاهدة الراس، أو من خلال الفضاء واللون والزخرفة المغربية، وتابع: "هذه اللوحات تعكس جزءاً من الثقافة العربية الإسلامية، التي عاشها وواكبها من خلال زياراته المتكررة إلى المغرب". وأورد خَابيير، ضمن مُداخلته، أنّ "فورتوني قدم إلى المغرب عند اندلاع الحرب بين إسبانيا والمغرب عام 1860، حيث طُلب منه مرافقة الجيش العسكري الإسباني، لأخذ صور الأحداث والمعارك، واندهش حينها الفنان بتقاليد وعادات المغرب، والأضواء والألوان المشرقة، ورسَم كثير من اللوحات حول المجتمع المغربي وظروف الحرب، ومن أشهر أعماله هي لوحة (معركة تطوان)". من جهته، قال خابيير كالفان، مدير معهد ثيرفانتيس بالرباط، إن لقاء "فورتوني والمغرب" يعد إبحارا في الذّاكرة الفنية خلال القرن التاسع عشر، من خلال لوحات هذا الفنان الذي يعد من بين الفنانين الإسبان الكبار، وهي مناسبة للإطلاع على العلاقة التاريخية التي تجمع المغرب وإسبانيا"، مشيراً إلى أنّ تنظيم هذا اللقاء الفكري ينعقد بالتوازي مع عرض لوحات فورتوني بإسبانيا. وسَجل التاريخ أنّ فورتوني، بعد عودته من المغرب، سافر عام 1870 إلى باريس وإيطاليا ثم لندن، وتعاقد عام 1866 مع تاجر اللوحات الباريسي أدولف گوپيل حيث تضمن الاتفاق أن يرسم الفنان حصرا لهذا التاجر ولا يرسم لغيره وقد نال شهرة عالمية كبيرة من خلال ذلك، ولكن في الوقت نفسه كانت شروط تجار اللوحات قد عملت على الحد من طموح وحرية الفنان وتحقيق أمنياته كفنان ثائر ومبدع. وفي عام 1874، سافر الفنان إلى باريس بنية قطع علاقته مع تاجر اللوحات المذكور سابقاً، ثم سافر إلى روما وتوفي هناك عام 1874 نتيجة لنزيف دموي أصابه بفعل قرحة في المعدة. وبعد وفاته، عرضت أعماله عام 1875 في المزاد العلني في باريس وبلغت أسعارا خيالية لم تبلغها أعمال فنان أوروبي آخر إبان تلك المرحلة.