(المأذون الشرعي بلغة المشارقة): أدلة المعارضين والمؤيدين أقر أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله مؤخرا حق المرأة المغربية في تولي خطة العدالة، وقد فتح هذا القرار باب النقاش حول مدى جواز تولي المرأة مهمة "عدل" (أو مأذون شرعي بلغة المشارقة)، ولذلك فقد ارتأيت أن أذكر في هذه المقالة أدلة المعارضين والمؤيدين، لأخلص بعد ذلك إلى السند الشرعي الذي تم اعتماده لإقرار حق المرأة المغربية في تولي خطة العدالة. الفقرة الأولى: أدلة المعارضين لتولي المرأة مهمة العدل (المأذون الشرعي بلغة المشارقة): يقول الشيخ حسام الدين عفانة: "ليس في فقهنا الإسلامي وظيفة مأذون شرعي، وإنما أحدثت هذه الوظيفة بعد القرن الخامس الهجري. إذا تقرر هذا فإن تولي المرأة وظيفة مأذون شرعي، مسألة شرعية مستجدة، حيث لم يرد فيها كلام للفقهاء المتقدمين. إن القول بأن تولي المرأة وظيفة مأذون شرعي، ما هو إلا فرع عن توليها القضاء، قول مردود برد أصله، لأن منصب القضاء الشرعي من الولايات العامة، التي لا يجوز شرعا للمرأة أن تتولاها، كما هو مقرر عند جماهير أهل العلم، قال الله تعالى: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)). سورة النساء، الآية 34. كما روى الإمام البخاري في صحيحه بإسناده عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن أهل فارس قد ملكوا عليهم بنت كسرى قال: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"". (1). وفي فتوى منشورة بموقع : "الإسلام سؤال وجواب"، الذي يشرف عليه الشيخ محمد صالح المنجد، ورد ما يلي: "وتعدُّ "المأذونية" فرعا من فروع القضاء ، بل هو نائب عن القاضي الشرعي ، ولذا لزم أن يكون المأذون الشرعي متصفاً في شخصه ببعض الصفات المشترطة في القاضي، ومن أعظمها أن يكون مسلماً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً، رشيداً. ويجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج من حيث الصداق ورضا الطرفين، وأما أن تباشر عقد الزواج فلا يجوز لها ذلك، وفي ذلك أثر عن عائشة رضي الله عنها :عن ابن جريج قال: "كانت عائشة إذا أرادت نكاح امرأة من نسائها ، دعت رهطا من أهلها ، فتشهدت ، حتى إذا لم يبق إلا النكاح قالت : يا فلان ! أنكح فإن النساء لا يُنْكِحن". مصنف عبد الرزاق 6 / 201، وصححه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " 9 / 186. وعن عائشة قالت : كان الفتى من بني أختها إذا هويَ الفتاة من بني أخيها، ضربت بينهما ستراً وتكلمت، فإذا لم يبق إلا النكاح قالت : يا فلان ! أنكح، فإن النساء لا يُنكِحن". مصنف ابن أبي شيبة 3 / 276. والخلاصة : أنه يجوز للمرأة أن تمهِّد لعقد الزواج ، ولا يجوز لها أن تباشر التزويج بنفسها ؛ لأن هذا من فعل القاضي ومن ينوب عنه ، ومن شروطهما الذكورة. (2). الفقرة الثانية: أسانيد المؤيدين لتولي المرأة خطة العدالة: روى الإمام مالك في الموطأ عَنْ الْقَاسِمِ بنِ محمَّد أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَتْ حَفْصَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ ، فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ : وَمِثْلِي يُصْنَعُ هَذَا بِهِ ؟ وَمِثْلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ ؟ فَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ ، فَقَالَ الْمُنْذِرُ : فَإِنَّ ذَلِكَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : مَا كُنْتُ لأَرُدَّ أَمْرًا قَضَيْتِهِ ، فَقَرَّتْ حَفْصَةُ عِنْدَ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلاقًا .(رواه الإمام مالك في الموطأ ( 1182 ) وإسناده صحيح) .وقد استدل الحنفية بهذا الحديث على جواز عقد المرأة النكاح لنفسها ولغيرها. لكن الإمام أبا الوليد الباجي رد بقوله : "( إن عائشة زوَّجت حفصة ... ) يحتمل أمرين أحدهما : أنها باشرت عقدة النكاح ، ورواه ابن مُزَّين عن عيسى بن دينار ، قال : وليس عليه العمل - يريد : عمل أهل المدينة حين كان بها عيسى - ، لأن مالكا وفقهاء المدينة لا يجوزون نكاحا عقدته امرأة ، ويفسخ قبل البناء وبعده على كل حال .والوجه الثاني : أنها قدَّرت المهر وأحوال النكاح، وتولَّى العقدَ أحدٌ من عصَبتها ، ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها، وقد روي عن عائشة أنها كانت تقرر أمر النكاح ثم تقول: "اعقدوا ؛ فإن النساء لا يعقدن النكاح "، وهذا هو المعروف من أقوال الصحابة أن المرأة لا يصح أن تعقد نكاحا لنفسها ولا لامرأة غيرها" .("المنتقى شرح الموطأ " 3 / 251) .(3). ومن الأدلة التي استدل بها الحنفية على جواز تولي المرأة عقد نكاح نفسها، وعقد نكاح غيرها، ما يلي: عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيم أَحَقُّ بِنَفْسِهَا من وَلِيِّهَا، وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ في نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا". (أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت 2/1037). كما أن العلامة ابن حزم الأندلسي أجاز أن تلي المرأة الحكم، حيث قال في كتابه "المحلى": "يجوز أن تلي المرأة الحكم –وهو قول أبي حنيفة- وقد روي عن عمر بن الخطاب، أنه ولى الشَّفاء (4) امرأة من قومه السوق. فإن قيل: قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة". قلنا: إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمر العام الذي هو الخلافة. وقد أجاز المالكيون أن تكون المرأة وصية ووكيلة ولم يأت نص من منعها أن تلي بعض الأمور وبالله تعالى التوفيق". كما أجاز ابن حزم تولي المرأة القضاء، تماما مثل الرجل، ولا فرق في ذلك بين امرأة ورجل وحر وعبد، إذ ورد في كتاب المحلى للعلامة ابن حزم: "مسألة: وجائز أن يلي العبد القضاء، لأنه مخاطب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبقول الله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل". وهذا متوجه بعمومه إلى الرجل، والمرأة، والحر، والعبد، والدين كله واحد، إلا حيث جاء النص بالفرق بين المرأة والرجل، وبين الحر والعبد، فيستثنى حينئذ من عموم إجمال الدين". انتهت فتوى ابن حزم القرطبي الأندلسي. (5). استنتاج: المذهب الحنفي ومذهب ابن حزم الأندلسي سند إقرار تولي المرأة المغربية خطتي القضاء والعدالة: من خلال ما سبق أستنتج أن الفقهاء قديما وحديثا اختلفوا في مسألة تولية المرأة القضاء وخطة العدالة، بين مانع لذلك (وهم الأكثرية) ومبيح له، واستنتجت أن إقرار تولي المرأة المغربية خطتي القضاء والعدالة سنده المذهب الحنفي ومذهب ابن حزم القرطبي الأندلسي. 1- حسام الدين عفانة، فتوى منشورة بتاريخ 28 شتنبر 2015 بموقع طريق الإسلام www.islamway.net. 2- فتوى منشورة بتاريخ ماي 2006 بموقع: الإسلام سؤال وجواب (المشرف العام على الموقع الشيخ محمد صالح المنجد) https://islamqa.info/ar/83782. 3-موقع الإسلام سؤال وجواب، نفس المرجع. 4-الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية: هي ليلى بنت عبد الله العدوية القرشية، صحابية من المهاجرات الأُول، لقبت بالشفاء إذا أنها كانت ترقي المرضى قبل الإسلام بمكة فغلب عليها هذا اللقب ولم تعد تعرف إلا به، يُزعم في حديث إسناده ضعيف جدًا أن عمر بن الخطاب ولاها على شيء من أمر السوق في عصره (أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني –مسند الشفاء-برقم 3179، وساقه ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق). وكانت الشفاء من عقلاء النساء وفضلائهن وقد هاجرت هى وزوجها إلى أرض الحبشة . وقد علمت نساء المسلمين القراءة والكتابة وبذلك تعتبر أول معلمة في الإسلام. وتوفيت الشفاء رضي الله عنها سنة عشرين للهجرة، في خلافة عمر بن الخطاب. 5- أبو محمد علي بن حزم الأندلسي، "المحلى بالآثار"، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، الجزء الثامن، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2003 م 1425 ه. * باحث بالسنة الخامسة من سلك الدكتوراة، تخصص: القانون الخاص، كلية العلوم القانونية، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط. [email protected]