في خضمّ النقاش الدائر حوله، بعد الإقرار بفشله من لدن رئيس الدولة شخصيا، في افتتاح السنة التشريعية الجارية، وضع فاعلون سياسيون واقتصاديون النموذج التنموي المغربي تحت مجهر التشريح، في ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية، مساء أمس الخميس، أجمع المتدخلون فيها على أن النموذج التنموي المغربي بحاجة الى تشخيص معمّق لإيجاد الحلول القمينة بإصلاح أعطابه. عبد العالي دومو، خبير اقتصادي، دعا في مستهلّ مداخلته إلى تصحيح مفهوم "النموذج التنموي"، قائلا إن "المغرب لا يتوفر على نموذج تنموي له إطار فكري منسجم يؤطّره، بل يتوفر على نمط للتنمية الاقتصادية والاجتماعية"، معتبرا أنّ هذا النمط هو "خليط مركّب، يهيمن عليه اقتصاد الريع الذي يتغذى من السياسة"، عَلى حدّ تعبيره. منطق الريع المتحكّم في مفاصل الاقتصاد المغربي، قال عنه عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وزير التشغيل السابق، إنه "نتاج الصراعات السياسية التي شهدها المغرب بعد الاستقلال، حيث جيء بأشخاص لم يكونوا يملكون شيئا، وفُسح لهم المجال حتى أصبحوا من أصحاب الثروات، بغرض تكوين طبقة سياسية مُشكَّلة من أشخاص طيّعين". وأجمع المشاركون في الندوة على أنّ المدخل الأساس لإخراج النموذج التنموي، أو النمط التنموي المغربي، من أزمته، هو تشخيصه تشخيصا دقيقا، وقال محمد الشيگر، رئيس مركز عزيز بلال للدراسات والأبحاث، في هذا الإطار، "علينا أن نناقش هذا الموضوع بموضوعية وبشكل علمي، لأنّ التشخيص الذي ظللنا نقوم به تشخيص مغلوط". وذهب إدريس الأزمي، عمدة مدينة فاس الوزير المكلف بالميزانية السابق، إلى القول إن النموذج التنموي المغربي "وصل إلى السقف"، سواء من ناحية النمو الاقتصادي أو من ناحية إمكانيات الاستثمار، معتبرا أن هذا الوضع يتطلب تشخيصا دقيقا ونقاشا وطنيا موسعا. واعتبر الأزمي أنّ السبب الذي أغرق النموذج التنموي المغربي في أزمته الراهنة راجع، بالأساس، إلى عطب ضعف إنتاجية المغرب، وربط ذلك بضعف الطاقات بسبب عدم تحريرها لأسباب سياسية أساسا، واستطرد موضحا: "كنبغيو نزيدو للقدام وكنتراجعو إلى الوراء، لأن المبادرة غير محررة في المغرب؛ لذلك فإن النموذج التنموي يعيش على وقع تناقض الإرادة على المستوى السياسي، وعلى المستوى الاجتماعي". وفيما أجمع المتدخلون خلال الندوة على أنّ ثمّة حاجة ماسة إلى تشخيص دقيق وعلمي للنموذج الاقتصادي المغربي، قال عبد الواحد سهيل إنّ "المغرب بحاجة إلى تخطيط قائم على تصور واحد لمستقبله، على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية"، داعيا إلى أن يكون هذا التخطيط قائما على مقاربة تشاركية. وأضاف سهيل: "يجب القطع مع سياسة أنّ الاقتصاد بزّاف عليكم انتوما السياسيين والفاعلين الاجتماعيين واحتكاره فقط من طرف الخبراء"، بينما قال عبد العالي دومو إن "المغرب يحتاج، إن هو أراد تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلى اقتصاد ليبرالي، يرتكز على اقتصاد السوق والمنافسة والابتكار والتوزيع العادل للثروة".