على بُعد نحو 70 كيلومترا عن مدينة أكادير تقع قرية الكناسيس، التابعة للجماعة الترابية سيدي بورجا، قيادة تازمورت، بالدائرة الجنوبية لإقليم تارودانت. ويعيش سكان هذه القرية مشاكل عديدة في مختلف مناحي الحياة، يُلخصها واقع التهميش والعزلة المفروضة على المنطقة، وهو ما جعل تنميتها تُؤجّل إلى أجل غير مسمّى. وحسب سكان هذه القرية، فالإهمال والتهميش والإقصاء كلها عوامل اجتمعت من أجل صنع بؤس حياتهم اليومية، خاصة فئة الشباب والنساء والأطفال. نساء الكناسيس تبدو عليهن إرادة قوية في تحسين مستوى عيش أهالي الدوار، حيث لخصن أبرز ما يُعيق تنمية منطقتهن في الحالة المأساوية للأزقة، ومحدودية خدمات المركز الصحي والمؤسسات التعليمية، بالإضافة إلى انقطاعات الماء عن المنازل، وغياب الإنارة العمومية، وهو ما يجعل المخاطر تحدق بالأهالي ليلا، خاصة في الفترات المطيرة. آراء استقتها هسبريس من المنطقة، تحدثت عن النقائص الموجودة في شتّى مناحي الحياة، وعدم استفادة المدشر من الاستثمارات الفلاحية الكبرى التي تُحيط بالدوار، ينضاف إليها الغياب شبه الكليّ للمرافق الترفيهية والرياضية، وهو ما دفع العديد من السكان إلى مغادرة المنطقة صوب المدن وهوامشها من أجل إنقاذ أبنائهم من براثن البؤس والمعاناة وغياب أبسط شروط الاستقرار. عائشة، وهي من قاطني دوار الكناسيس، عبّرت عن أسفها لمواصلة مدبّري الشأن العام تهميش المنطقة، إذ قالت: "نحتاج إلى كل شيء: الإنارة العمومية، إضافة أقسام بالمدرسة الوحيدة بالدوار، وتحسين خدمات المركز الصحي، أمام ما نُعانيه من متاعب في البحث عن المؤسسات الاستشفائية، وأمام غياب سيارة للإسعاف وقلّة وسائل النقل، مما يجعل المخاطر تفتك بصحة الأمهات وأطفالهن". وأضافت أن "الكل يُعاني في صمت، أمام هذا الكم الهائل من الضروريات غير المتوفرة، كالتعليم الأولي بالنسبة إلى الأطفال، والانقطاعات المتواصلة للماء الشروب، رغم الحاجة المستمرة إليه يوميا. كما أن النساء الحوامل يتكبّدن الويلات أثناء الوضع، في رحلة البحث عن مؤسسات صحية من أجل الولادة، بسبب بعدها وانعدام وسائل النقل المريح التي تضمن الحفاظ على صحتهن وصحة أجِنّتهن". عائشة، التي التقتها هسبريس بدوار الكناسيس، اعتبرت في حديثها أن أهم ما يجب الإسراع بحله هو مشكل المواصلات، مضيفة أن "الخروج لقضاء مختلف الأغراض يصطدم بالانتظار فترات طويلة، في الحر والمطر والبرد، كما في الصباح والزوال والمساء، من أجل الحصول على وسيلة نقل تؤمّن رحلتي الذهاب والإياب، ولهذا يطغى هاجس النقل على الأهالي كلما اضطروا إلى التوجه نحو المراكز والمدن المجاورة" ورغم الخصاص الواضح في جميع المجالات، فإن تعبيد الأزقة، وربط المنازل بشبكة الصرف الصحي، يعتبران بالنسبة إلى سكان دوار الكناسيس من الضروريات الملحة، التي يجب التسريع بتوفيرها، لأجل التخفيف من معاناتهم مع صعوبات التنقل وسط الأوحال في فصل الشتاء، بسبب الطبيعة الطينية للتربة، وتشكُّل برك وسط الدوار، تغمر مياهها العديد من المساكن، ولتجنيبهم الانعكاسات الصحية والبيئية لمياه الاستعمال المنزلي، التي يتم التخلص منها وسط أزقة الدوار. واقع التعليم لم يكن هو الآخر أحسن حالا من باقي المجالات، التي تشهد تعثرات واضحة في هذا المدشر الواقع بجماعة سيدي بورجا. وبهذا الخصوص، قالت سيدة تُدعى فاطمة إن "تلاميذ وتلميذات الدوار يُعانون هدر الزمن المدرسي، فبعد غياب أستاذة بسبب المرض، بقي هؤلاء بدون مدرسة أزيد من شهر، دون تعويض الأستاذة لانتشال أبنائنا من الضياع. كما أنه بسبب وجود المدرسة بمحاذاة الطريق، يفرض علينا مرافقتهم صباحا ومساء، لتجنيبهم مخاطر الحوادث المختلفة، وهو ما يزيد من تعقيد وضعيتنا مع شؤون البيت والعمل خارجه ومرافقة أولادنا". الشباب له أيضا نصيب وافر من المعاناة. وعن هذا الأمر قالت عائشة، في تصريحها لهسبريس، إن "هؤلاء الشباب يموتون ببطء، رغم تعلّقهم ببلدتهم، لكن غياب أدنى مقومات العيش وفرص الشغل، وفضاءات ترفيهية لتمضية الوقت أو ثقافية لتكوين شخصيتهم، يجعلهم عرضة لمختلف أشكال الانحراف، مما يستوجب على المسؤولين معالجة الأمر، تفاديا لنشأة شباب يكونون عالة على أسرهم". رغبة وإرادة قوية، تلك التي قادت نساء دوار الكناسيس إلى الانخراط في أنشطة جمعية "تاودا الخير" النسوية، حيث يعملن داخل مقرها، الذي هو عبارة عن منزل وضعته متطوعة بصفة مؤقتة رهن إشارة الجمعية، من أجل إعداد عدد من المنتوجات المحلية، كأركان، بركوكش، الزربية المحلية، الحلويات، أملو وغيرها. لكنهن يواجهن صعوبات في التسويق، وهو ما جعلهن يقتصرن على ترويج منتوجاتهن محليا. وتشتكي هؤلاء النسوة من ضعف الموارد الذاتية، وانعدام الوسائل المساعدة على تسريع الإنتاج، إضافة إلى غياب أي دعم من قبل الجهات المسؤولة، لأجل تشجيعهن على الاستمرار في مثل هذه الأنشطة المدرة للدخل، "لتبقى الوعود الانتخابية مجرّد سحابة، سرعان ما تنقشع، ويظهر الوجه الحقيقي لمسؤولينا الجماعيين"، تقول سيدة من الدوار. لطيفة وهيب، رئيسة جمعية "تاوادا الخير للتنمية والتعاون" بدوار الكناسيس، صرحت لهسبريس قائلة إن الخصاص يطال مختلف القطاعات والمجالات بهذا الدوار، مشيرة إلى أن "المنطقة ما زالت تعاني العزلة والنسيان، وتغيب عنها التفاتة المسؤولين، وهو ما يجعل الفقر والتهميش يتوغلان بين السكان إلى أقصى حد، حيث يعم التراب والنباتات الشوكية والأوحال والعطش مختلف أرجاء البلدة، أمام بُعد أو انعدام كلي لمختلف برامج التنمية، لتحقيق الإقلاع التنموي المنشود من طرف المواطنات والمواطنين". آراء الساكنة حول الواقع المزري لمستوى التنمية بالكناسيس حاولت هسبريس نقلها إلى رئيس الجماعة الترابية سيدي بورجا، كريم القدوري، عبر اتصالات هاتفية متعددة، وعبر رسالة قصيرة، تأكد توصلها بها، غير أنه لم يرد على اتصالاتنا، لتبقى الحاجة ماسة إلى مخطط تنموي واضح، لتحقيق إقلاع تنموي بهذا المجال الترابي، وانتشال المنطقة من التهميش والهشاشة اللذين تعانيهما منذ مدة، والاستجابة لانتظارات المواطنين المتعدّدة، وتجاوز تصنيفهم كمعادلة انتخابية فحسب.