ضمن النفوذ الترابي لإقليمتارودانت، تقع الجماعة الترابية "إداومومن"، التي أُحدِثت سنة 1992، في قيادة أحمر لكلالشة. كما تُعدّ "إداومومن" ضمن المناطق القروية بضواحي تارودانت، التي ما زالت تئن تحت وطأة عزلة قاهرة، لامست مختلف مناحي حياة الساكنة المحلية، التي تتجاوز 6000 نسمة بقليل؛ وهو ما اضطر عددا غير يسير منهم إلى الهجرة نحو المدن المغربية أو إلى خارج أرض الوطن، هروبا من ذلك الواقع التنموي، الموسوم بالتهميش والإقصاء. وضع تنموي مهزوز رشيد لغزال، عن فيدرالية الجمعيات التنموية بجماعة إداومومن، قال، في تصريح لهسبريس، إن الفيدرالية وجهت شكايات إلى الجهات المسؤولة تشتكي فيها من التهميش والإقصاء وسوء التدبير الجماعي؛ ف"جماعة إداومومن تعرف تنوعا جغرافيا كبير يتمثل في الجبال والسهول، لها إيجابيات وسلبيات، لكن طالها الإهمال ونخر جسدها الفقر، بسبب التسيير والتدبير الإداري للجماعة، وهذا ما دفع السكان إلى مغادرة المنطقة، عن طريق الهجرة، ولم يبق في بعض المداشر إلا المُعالون بصورة تضامنية من أقربائهم بالخارج". ويرى الفاعل الجمعوي ذاته أنه "لا يمكن وضع حد لهذا التردي إلا بسن سياسة تنموية تستهدف الأبعاد البشرية والاجتماعية والاقتصادية، كما يتطلب تجاوز الوضعية التنموية الحالية، مخططات بعيدة ومتوسطة المدى، تجند لها كل الإمكانات من أجل الإنجاز والتنفيذ، وتحشد لها جميع وسائل الدعم والمساندة، من تعبئة الفاعلين والمنتخبين، وإشراك المعنيين في المتابعة، والحماس لإنجاحها، ولتبرير ضرورة العمل في الإسراع بتنمية الجماعة". وأوضح المتحدّث أن الوضعية المتردية التي تعيشها إداومومن على المستويين الاقتصادي والاجتماعي والمتمثلة في "انخفاض مستوى التنمية البشرية بها مقارنة مع الجماعات القروية المجاورة، وكذا ضعف البنيات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، إذ إن أزيد من نصف ساكنة الجماعة تعاني العزلة والتهميش والإقصاء بسبب غياب التجهيزات الأساسية كالطرق والكهرباء والماء الصالح للشرب وسائل النقل والمراكز الصحية والمدارس، كل ذلك زاد تعميق معاناتهم، منها استفحال الأمية والفقر، حيث إن نسبة مهمة من السكان يعيشون تحت عتبة الفقر، الشيء الذي يؤدي حتما إلى ارتفاع البطالة والهجرة بنوعيها". صحة في عطب مصطفى العراف، عن الهيئة المغربية لحقوق الإنسان بإداومومن، أورد أن الوضع بهذه الجماعة في كل المجالات بات غير مطاق؛ ف"الموطن فقد بريق الأمل الذي راوده إبان عدد من المحطات السابقة، حيث كانت الوعود أكبر من الالتزامات، وكانت الأفواه تجود بما لا يمكن تحقيقه، فكانت محصّلة ذلك كون عجلة التنمية لم تبارح مكانها منذ أمد طويل". ومن القطاعات التي نالها حظ وافر من الإقصاء والتهميش، والتي تزيد من جرعة آلام الساكنة، بحسب الفاعل الحقوقي ذاته، "الوضع الصحي الذي يعتبر مزريا، أمام لامبالاة المسؤولين المركزيين والإقليميين ومختلف المتدخلين في القطاع؛ فالمستوصفان الموجودان تحولا إلى شبه بنايات مهجورة، بسبب غياب الأدوية والتجهيزات ورداءة الخدمات المقدمة، فضلا عن النقص في الموارد البشرية وغياب المراقبة والمحاسبة". ويضيف المتحدث ذاته: "مستوصف آيت صالح يعتبر نقطة سوداء ووصمة عار على جبين المسؤولين، فهو يتوفر على ممرض واحد، أمام كثافة سكانية تبلغ أكثر من 4000 نسمة، فحتى جهاز قياس السكري لا يتوفر عليه. أما مستوصف إداومومن فحدث ولا حرج، حيث يضم عدة بنايات ومرافق، لكن جلها مغلقة. كما أن دار الولادة لم يكتب له بعد أن يرَ النور؛ وهو ما يزيد من معاناة النساء الحوامل اللواتي يُجبرن على التنقل إلى المستشفى الإقليمي لوضع حملهن في ظروف قاسية ومحفوفة بالمخاطر. أما الحالات الأخرى، فيتم توجيهها الى المستوصفات القريبة، التي بدورها ترفض بعض الأحيان استقبالهم". تعليم يئن قطاع اجتماعي وحيوي آخر نال حظه من حزمة معاناة أهالي إداومومن مع خدماته، إنه قطاع التربية والتكوين، الذي "يعاني من ضعف شبكة النقل المدرسي أو انعدامها في بعض المناطق، نظرا لتزايد عدد التلاميذ الملتحقين بالتعليم الإعدادي، وقلة الطاقة الاستيعابية للداخليات ودور الطالبة، نتيجة توقف الدولة عن الزيادة في الأقسام الداخلية خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة الى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي خاصة في صفوف الفتيات، وعدم تعميم الدعم المباشر المشروط تيسير على جل المناطق النائية، ثم ضعف وهزالة الاعتمادات المرصودة للتأهيل المؤسسات التعليمية وهشاشة البنية التحتية التعليمية، فأغلب الأقسام تتحول إلى برك في فصل الشتاء، كما تغيب فيها التدفئة مع ضعف وتيرة تعويض البناء المفكك". أودية تعزل الساكنة كمال العراج، فاعل جمعوي بإداومومن، ارتأى نقل معاناة أخرى يكتوي بلهيبها أهالي المنطقة خلال فصل الشتاء، والتي ما زالت تتكرر من غير أن يُكتب إنهاؤها، إنه ما وصفه المتحدث في تصريح لجريدة هسبريس ب"الخطر الذي يهدد معظم دواوير جماعة إداومومن خلال فصل الشتاء، وهو الفيضانات، حيث تخترق الجماعة مجموعة من الأودية، منها الصغيرة والكبيرة، أهمها واد بني محمد وواد احساين اللذين يشكلان خطرا على أغلب دواوير الجماعة". واد بني محمد يهدد دوار حورية ومدرسته، كما يهدد مسجد دوار تكديرت ومساكن المواطنين بأكادير اداومومن وتحنضورت والأملاك الفلاحية المعيشية، كما يُهدد منطقة بوضماس، لا سيما دواوير إخولا، التي يمر بمحاذاتها، أمام غياب قنطرة أو منشأة فنية؛ وهو ما يعزل دوار القياد ودوار إخولا خلال مواسم الأمطار وكراوة السفلى والقياد وسيدي صالح. أما واد احساين، فلا يزال بدوره يشكل مصدر تهديد لآيت إمزغال وآيت بن بيهي وآيت محند أوسعيد، وخصوصا دوار الشراكة، الذي لم يعدد يفصله عن الدوار سوى 50 مترا، بعدما جرف جميع الممتلكات التي كانت عبارة عن وقاية للدوار المعني". المرأة مهمشة المرأة القروية بجماعة إداومومن، نواحي تارودانت، تنال باستمرار نصيبها من تبعات السياسة التنموية والاجتماعية المنتهجة بهذه المنطقة النائية. الفاعلة الحقوقية ليلى بوقفا تقول إن "المرأة بجماعة إدامومن من الإقصاء والتهميش بكل أنواعه، نظرا لتفشي الأمية والهدر المدرسي في صفوف البنات، نظرا لبعد الإعدادية عن الجماعة، ناهيك عن المخاطر الصحية التي تهدد حياة الحوامل والمصابات منهن بأمراض مزمنة، في غياب تام للأدوية بالمستوصف الجماعي، وغياب طبيبة أخصائية في التوليد وأمراض النساء، حيث تضطر الحامل أو المصابة منهن إلى التنقل لأزيد من 30 كيلومترا إلى مدينة تارودانت، ونسجل أيضا مشاكل اقتصادية تطال الأرامل منهن على الخصوص، حيث صعوبة الولوج إلى الخدمات الاجتماعية، في ظل الفقر وقساوة الظروف، إضافة إلى غياب تام للمشاريع والبرامج التنموية التي من شأنها الرفع من مستوى عيش المرأة بجماعة إدامومن القابعة تحت وطأة التهميش". غياب تصور تنموي المهدي العراج، عن الحزب الاشتراكي الموحد بتارودانت، اعتبر، في تصريح لهسبريس، أن "لا أحد ينكر الدور الأساسي الذي من المفروض أن تقوم به الهيئات المنتخبة في تنمية الجماعات الترابية والنهوض بها وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لساكنتها، هذا الدور الذي بات يظهر أن المجلس الجماعي لا يضطلع به كما هو مطلوب إلى حدود الآن، حيث ما زالت الساكنة ترزح تحت وطأة المعاناة والتهميش والإقصاء الممنهج على جميع المستويات، في غياب تام لأي تصور تنموي يرقى بالمنطقة إلى مستوى تطلعات وانتظارات الساكنة ويسهم في إيجاد حلول ناجعة للعديد من المشاكل العالقة كالإنارة العمومية والنقل المدرسي وفك العزلة والربط الكهربائي والطرق ودعم الجمعيات المحلية والمشاريع الكبرى المتوقفة والنهوض بالصحة وغيرها". وما زاد الطين بلة وبات ينذر بعودة موجة الاحتقان الاجتماعي من جديد، وفقا للمتحدّث، "إقدام المجلس الجماعي على ضرب المخطط التنموي الذي شاركت في إعداده هيئات وفعاليات المجتمع المدني بعرض الحائط، في خرق سافر لمقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات المحلية، واستفراده بتوزيع ميزانية الجماعة على دوائر الأغلبية عوض التركيز على مبدأ الأولويات والاشتغال على مشاريع كبرى تخدم مصلحة الجميع، في إطار شراكات بناء على التوصيات التي أسفرت عنها اللقاءات التواصلية مع الهيئات الممثلة للمجتمع المدني، من أجل صيانة ميزانية الجماعة الهزيلة من التفتيت والهدر على مشاريع ترقيعية، لا تلبي حاجيات ساكنة الجماعة مما يفوت على المنطقة المترامية الأطراف فرص التنمية الحقيقية ويفتح المنطقة مرة أخرى على المجهول". الجماعة بخير مصطفى رحال، رئيس الجماعة الترابية لإداومون، اعتبر، في تصريح لجريدة هسبريس، أن جماعته بخير، وتسير في اتجاه تجاوز كل النقائص التنموية، من خلال عدّة مشاريع سابقة وأخرى سترى النور خلال السنوات القليلة المقبلة، موردا أن كهربة دواوير الجماعة شارفت على أن تصل نسبتها مائة في المائة؛ وهو الأمر ذاته الذي تحقّق في مجال الماء الشروب، الذي تُسيره الجمعيات المحلية، كما أن محورين طرقيّيْن مهمين تم تعبيدهما. وبخصوص قطاع التعليم، قال المسؤول الجماعي إن القضاء على المفكك سيتم تدريجيا بمجموعة مدارس العويسات وأولاد مومن، في انتظار تعميم العملية بباقي المؤسسات والوحدات المدرسية". أما النقل المدرسي، ف"بفضل مجهودات المجلس "عمدت جمعيتان إلى تسليم سيارتين رهن إشارة جمعية النقل المدرسي بالثانوية الإعدادية المنصور الذهبي، وهو ما أسهم من تخفيف عبء التنقل بالنسبة إلى التلميذات والتلاميذ، وبقي خط واحد لايزال يشكل مشكلا، حيث تلقينا وعودا من المجلس الإقليمي لتغطية هذا المحور بهذه الخدمة". وفي قطاع الصحة، فالمركز الصحي به طبيبة وممرضان وممرض آخر في قاعة للعلاجات بمنطقة بوضماس، كما أن الجماعة تضع رهن إشارة الساكنة سيارة إسعاف من أجل نقل الحالات المستعجلة من المرضى إلى المؤسسات الاستشفائية القريبة، كما أن الأدوية متوفرة بحسب ما تستدعيه الوضعية الصحية على صعيد الجماعة". هي إذن جماعة تقع في هوامش إقليمتارودانت، تُعاني وطأة عزلة وتهميش شملت مختلف مناحي الحياة الساكنة، وكان الواقع التنموي "المزري"، حسب الإفادات التي استقتها هسبريس من فاعلين جمعويين وحقوقيين وسياسيّين من المنطقة، مدعاة إلى تنفيذ عدة أشكال احتجاجية، تطالب السلطات الإقليمية والمركزية إلى تدخل عاجل وجدي لانتشال المنطقة من تلك العزلة والالتفات إلى المطالب المعبّر عنها؛ لكن، في المقابل، تصريحات رئيس الجماعة الترابية ل"إداومومن" لهسبريس، رفضت إلصاق تلك الصورة القاتمة عن جماعته، معبّرا عن تفاؤله للمستقبل التنموي بهذه الربوع.