في عمق الدائرة الجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، وبجماعة آيت واد ريم، تقع قرية إدازن، وهي أحد المداشر التي ظلت تُعاني إلى عهد قريب من جملة إكراهات تنموية، أبرزها الهشاشة والتهميش وغياب البنيات التحتية الأساسية، مما جعل الساكنة المحلية تكابد المعاناة تلو الأخرى فترة استمرّت عقودا. ومن أجل انتشال هذه المنطقة من براثن التهميش تطوع أبناؤها للترافع من أجل أن ينال مدشرهم حظه من التنمية، عبر الانخراط في تأسيس جمعية محلية سطّرت ضمن غاياتها الترافع لأجل اللحاق بركب التنمية. كثيرة هي المشاريع التي تم تنزيلها بقرية إدازن، وأخرى في الطريق، فيما بعضها لا يزال في طي المأمول، ضمن حزمة التدخلات الهادفة إلى جعل إدازن قرية نموذجية، كما تريدها جمعية الدوار، تتوفر فيها كل مقومات الحياة، وفي كل المجالات، وهي المبادرة التي حملتها الجمعية على عاتقها، علّها تُحقق للساكنة المحلية كل ما تصبو إليه، وكل ما يُسهل العيش في عمق جبال اشتوكة، دون أن تضطر إلى قطع المسافات الطوال لأجل خدمة من الخدمات، وما يرافق ذلك من معاناة ومخاطر وأوقات طويلة. في تصريح لهسبريس، قال محمد بن التاجر، رئيس جمعية "إدازن للتنمية والتعاون"، إن "حلم جعل دوارنا قرية نموذجية ظل يُراودنا منذ أمد بعيد، وهو ما عملنا على تحقيقه، في إطار الترافع لتنزيل مشاريع تنموية مهمة، بشراكة مع مختلف المتدخلين، من جماعة، وسلطات محلية وإقليمية، ومجلس إقليمي، ومجلس الجهة، وقطاعات حكومية مختلفة، رغم أن إكراهات ما زالت مطروحة من أجل استيفاء كل مقومات القرية النموذجية". وأوضح محمد بن التاجر أن أول المشاريع المنزّلة في إطار مساعي "القرية النموذجية" هو "كهربة القرية، وهو ما ساهم في تسهيل الحياة للساكنة، إذ قمنا مؤخّرا بتفعيل خدمة الإنارة العمومية، من طرف جماعة آيت واد ريم، بطلب من الجمعية. وفي إطار أهداف الجمعية في المجال الثقافي، وبعد أن قامت بعدة مبادرات في هذا المضمار خارج المنطقة، فكّرنا في تشييد مركب سوسيو ثقافي، بشراكة مع مبادرة التنمية البشرية، حتى يحتضن مثل هاته الأنشطة، وهو يقدم خدماته في محاربة الأمية وروض الأطفال وتعليم نساء القرية عددا من الحرف كالخياطة والأنشطة الثقافية وغير ذلك". مسعى آخر يروم تخفيف معاناة الساكنة مع مادة حيوية أساسية هي الماء الصالح للشرب. فبعدما كان قاطنو هذا المدشر يعتمدون على تخزين مياه الأمطار داخل خزانات (مطفيات)، واضطرارهم إلى شراء الماء خلال فترات الجفاف، مُرّر مشروع تزويد الساكنة بالماء عبر إحداث نافورات (سقايات) وسط المدشر، بشراكة مع الجمعية والجماعة ومكتب الماء. وقال رئيس جمعية "إدازن للتنمية والتعاون": "شكلت السقايات عائقا أمام الساكنة، بسبب الانقطاعات المتكررة وضعف الصبيب، نتيجة الطبيعة التضاريسية للمنطقة، إضافة إلى غياب الماء في فترة الصيف، مما دفع الجمعية إلى إعداد دراسة لمشروع الربط الفردي للمنازل، وهو ما تحقق منذ سنة 2015، في إطار برنامج محاربة الفقر لمبادرة التنمية البشرية، الذي كان له وقع إيجابي على كافة فئات المجتمع المحلي". قضاء الأغراض والولوج إلى الخدمات الخارجية للساكنة في منطقة وعرة التضاريس لا يتم إلا بتوفير مسلك طرقي ملائم، يسمح بتسهيل النقل والتنقل للأشخاص والعربات. وقال محمد بن التاجر في هذا الصدد: "بعد عناء طويل وجهد دام سنوات، تم تحقيق مشروع الربط الطرقي بين الطريق الإقليمية 1011 ودوار إدازن، أرض الأجداد والآباء والأولياء والعلم والعلماء، عبر آيت بولخير، والذي انتظرته الساكنة طويلا، وعملت الجمعية مع شركائها مشكورين بكل قواها لإخراجه إلى حيز الوجود، وهو ما سيفك العزلة عن مجموعة من الدواوير، وسيسهل الولوج إليها وإلى مجموعة من المؤسسات المتواجدة بها (المدرسة الابتدائية، المركب السيوسو ثقافي، مشروع الربط الفردي بالماء الصالح للشرب، المدرسة العلمية العتيقة "يوف تاركا"). كما سيساهم في الرفع من تنمية هذه المنطقة، خاصة في الجوانب الأخرى التي تشهد خصاصا كالمجال الرياضي والتطبيب". قرية إدازن في قلب جبال اشتوكة آيت باها تشهد في كل مناسبة دينية ووطنية جملة من الأنشطة الثقافية والدينية والرياضية، التي تساهم في الرفع من مستوى إشعاعها، على الأقل على المستويين المحلي والإقليمي. وفي هذا الإطار قال رئيس جمعية "إدازن للتنمية والتعاون" إن "المدرسة العلمية العتيقة "يوف تاركا"، التي تُعدّ من أقدم المدارس بسوس، وقلعة للعلوم الدينية والدنيوية، حاولت الجمعية المساهمة في الحفاظ على مكانتها العلمية، عبر العناية ببنايتها وتهيئة مرافقها وتزويدها بالوسائل الضرورية، بدعم من ساكنة القبيلة والمحسنين ومؤسسات الدولة المختصة، إلى جانب الإشراف على تنظيم ملتقيات دينية وعلمية، يستفيد منها الطلبة والساكنة على حدّ سواء، في إطار تفعيل أدوار هذه المؤسسة في تحصين ثوابت الأمة المغربية". تحقيق حُلم "القرية النموذجية" في إدازن، وفق ما أراده الفاعلون المحليون، لن يستقيم إلا بتحقيق كافة المؤشرات التنموية، وهو المسعى الذي ظلت تعترضه عدة نقائص، تدخل في إطار الجيل الجديد من مقومات العيش الكريم، وضمنها التطبيب والرياضة وخدمات الصرف الصحي والبيئة وغير ذلك. وفي هذا الباب، اعتبر رئيس جمعية "إدازن" أن "الجمعية تعمل الآن من أجل إخراج مشروع "بيئة القرية"، الذي يتضمن مجالات جمع النفايات، ووضع صناديق القمامة بالمدشر، وورشات تحسيسية مستمرة للساكنة حول أهمية المحافظة على البيئة، والجداريات لتربية الناشئة في هذا المجال، وتنظيم أسبوع نظافة القرية، وغير ذلك.كما أن الجمعية مستعدة لوضع بناية رهن إشارة مندوبية الصحة من أجل تقريب الخدمات الصحية من الساكنة، إلى جانب الحاجة الملحة إلى ملعب للقرب من أجل استضافة الأنشطة الرياضية المكثفة للشباب. كما نفكر في مشروع تزويد القرية بشبكة الصرف الصحي، لاستكمال جميع الجوانب التي تتطلبها القرية النموذجية". قرية نموذجية إذن هو الحلم الذي يُراود ساكنة إدازن. وقد انخرط في مسعى تحقيقها الفاعلون الجمعويون المحليون، إلى جانب الجماعة والسلطات المحلية والإقليمية والمجلس الإقليمي والجهوي وعدد من قطاعات الدولة. ونيل هذه الغاية لن يتأتى، حسب محمد بن التاجر، إلا "بالحفاظ على المكتسبات التي تحقّقت، والتي ينبغي تملّكها من طرف المستفيدين، والسير قدما في تعزيز ثقافة التضامن التي جُبل عليها أبناء هذه القرية، دون إغفال الرفع من جرعات الترافع من أجل استكمال الأوراش التنموية بالمجالات التي تشهد نقصا أو غيابا، كمجال الصحة والصرف الصحي والرياضة، وبذلك يمكن أن تكون إدازن أول قرية نموذجية بالمنطقة الجبلية لاشتوكة آيت باها".