عنون المؤلف كتابه بعنوان رئيسي "حول عروبة (البربر)"، ثم تحته عنوان ثانوي "مدخل إلى عروبة الأمازيغيين من خلال اللسان". بربر مصطلح معروف تاريخيا بأنه لفظ يوناني أطلقه اليونانيون على جميع الشعوب التي تتكلم لغة أخرى غير اللغة اليونانية، إذن المعيار الذي اعتمده اليونانيون في إطلاق هذه التسمية هو معيار امتلاك اللغة اليونانية، وعن اليونان أخذ الرومان هذه اللفظة وعن الرومان أخذها العرب و بنفس المعنى، مثلا يعتبر الفرس و الغاليين برابرة بالنسبة لليونانيين و الأمازيغ و القبائل الجرمانية برابرة بالنسبة للرومان. إن لفظة (بربر) بمعنى أمازيغ لا وجود لها في كتب التاريخ القديمة التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد. إذا تأملنا عنوان الكتاب و قرأنا ما بين دفتيه فإننا سنستنتج أن الكاتب يريد من خلال دراسته أن ينسب قوما إلى قوم آخر اعتمادا على علم اللغة المقارن، حيث حول الكاتب موضوع علم اللغة المقارن من علم يهتم بدراسة اللغات التي تنتمي إلى فصيلة لغوية واحدة قصد الوصول إلى لغة أم مفترضة إلى علم يهتم بدراسة الأعراق البشرية (ethnologie)،هذا الأخير يعتبر علما مستقلا لا علاقة له بعلوم اللغة، وهنا نسأل صاحبنا الدارودي هل هو في كامل قواه العقلية عندما صاغ عنوان هذا الكتاب؟ لماذا انحرف عن مسار أستاذه فهمي خشيم في صياغة عناوين مناسبة لدراساتهم في هذا المجال مثال البرهان على عروبة اللغة المصرية القديمة لفهمي خشيم وعروبة اللغة الليبية القديمة وكتابتها لعبد العزيز الصويعي وغيرها من العناوين؟ إذن فهذا العنوان لا يصلح إلا لدراسة تاريخية تبحث في أنساب الأمازيغ و العرب، فما المانع من وضع عنوان سليم ينسجم مع محتوى الكتاب؟ لو كانت الدراسة لغوية بعيدة عن أي هوى قومجي لوضع الكاتب عنوانا لكتابه يحترم فيه موضوع علم اللغة، حيث بإمكانه أن يعنونه مثلا :الأمازيغية لهجة عربية قديمة أو الأصل العربي للهجات الأمازيغية أو الأمازيغية العربية دراسة لغوية مقارنة ... إلى غير ذلك من العناوين التي قد تجعل من الكتاب ومحتواه كتابا موضوعيا بعيدا عن أي إيديولوجية كيفما كانت، لكن صاحبنا غلب عليه الهوس القومجي العروبي فسقط هو الآخر وبدون شعور في الصنف الثاني من الباحثين الذين أشار إليهم في كتابه، وذلك أثناء حديثه عن مصداقية الباحث والأستاذ الكبير محمد شفيق في الصفحة 34 من كتابه عروبة( البربر) حيث نلاحظ أن الدارودي تأسف كثيرا على الأستاذ شفيق لكن كان عليه أن يتأسف ويشفق على حاله أكثر من أي شخص آخر !!! ألا يرى صاحبنا أن هذا التصنيف ينطبق عليه أكثر من الأستاذ شفيق أو من غيره ؟ ألا يعلم الدارودي أنه يريد هو الآخر أن يقنع الآخرين بما يرغب هو فيه مستغلا جهل المتلقي بأسس و مناهج علم اللغة؟ ألا يدري الدارودي أن كل كتاباته وكتابات بعض القومجيين أمثال فهمي خشيم وعثمان سعدي والصويعي بخصوص الأمازيغية هي الأخرى ذات الزيغ و الهوى و أنها بلغت من فسادها الفكري حد الهلوسة والتخريف؟ ألا يدري الدارودي أنه يريد إثبات "عروبة" الأمازيغ بشتى الوسائل حتى وإن اقتضى الأمر قلب وإبدال المفردة الأمازيغية بكاملها ليكون هناك تقارب في أماكن ومخارج الحروف، ومن أمثلة هذه الوسائل والإفتراءات نجده أثناء حديثه عن الألوان يريد أن يقنعنا أَنَّ أَزْوگَّاغ هي عربية أصلها شقحي، وأن أزويوغ و أزواواغ معناها التزويق والتحسين مع العلم أن التزويق والتحسين يكون بجميع الألوان وليس خاصا بالأحمر أو الوردي فقط، ونفس الشيء بالنسبة للأخضر الذي قارنه بكلمة الزوج ...و غيرها من المفردات الأمازيغية التي أقحمها الكاتب في مؤلفه والتي لا علاقة لها بالعربية وكان إقحامها فقط من أجل تضخيم كتابه لا أقل و لا أكثر. إلى جانب عنوان الكتاب نجد أيضا المقدمة التي اختارها صاحبنا كمدخل لدراسته، وبالإطلاع على محتواها نجده أيضا لا علاقة له بعلم اللغة المقارن،فعوض أن يقوم الكاتب بصياغة مقدمة تتلاءم و موضوع علم اللغة المقارن، كأن يتحدث عن اللغات المراد مقارنتها بذكر تاريخها و مناطق انتشارها و خصائص كل منها، مثلا أن يشير إلى تاريخ اللغة العربية متى ومن قام بتقعيدها ؟ ومتى رُسِمت حروفها و مصدر تلك الحروف؟ ومتى وضع أول معجم خاص بها؟ وماهي اللهجة العربية التي أقعدوها و جعلوها لغة؟ و ماهي اللهجات الأخرى التي تم إقصاؤها؟ إلى غير ذلك من الأمور الأخرى المتعلقة باللغة العربية، كما هو مألوف في مقدمات كتب علوم اللغة، لكن كل هذه النقط لن تجد أية إشارة إليها في مقدمة كتابه" حول عروبة( البربر)" و رفعا للحرج الذي قد يقع فيه صاحبنا الدارودي إذا ذكر تاريخ العربية ونشأتها، اكتفى بصياغة مقدمة يتهجم فيها على الحركة الأمازيغية ويشكك من مصداقية الباحثين اللسانيين الأمازيغ ويصنفهم في صنف الباحثين أصحاب الهوى والأدلجة وهذه كلها أمور لا علاقة لها بمقدمات كتب علوم اللغة. بعد ذلك انتقل الدارودي إلى الحديث عن تقسيمات الكلمات الأمازيغية حسب الباحثين الأمازيغ إلى الأصيل و الدخيل و المشترك،و هذه تقسيمات و ألفاظ متعارف عليها في مجال الدراسات اللغوية المقارنة، ونستغرب من صاحبنا الدارودي عندما قال في الصفحة 8 من كتابه أن مصطلح المشترك من اختراع واضعي المعاجم الأمازيغية، وهنا نتساءل هل صاحبنا الدارودي لم يسبق له أن سمع بمصطلح المشترك في حقل الدراسات اللغوية حتى قال بأن المصطلح اصطنعه الباحثون الأمازيغ؟ ألم يسبق للدارودي والذي ينصب نفسه متخصصا في علم اللغة المقارن أن اطلع على الدراسات اللغوية التي تتحدث عن المشترك بين اللغات؟ و يستمر صاحبنا في حديثه عن أقسام الكلمات الأمازيغية من الأثيل و المشترك و الدخيل مسائلا الباحثين الأمازيغ عن تحديد معاني هذه الأقسام وعن المناهج المعتمدة في تصنيفاتهم مشككا في مصداقيتهم، وسنجيب على التساؤلات التي طرحها الدارودي في كتابه ص 8 و 9 بنفس منهجه ونطرح نفس الأسئلة لكن في مجال الدراسات اللغوية العربية وذلك على الشكل التالي: - التصنيفات الثلاث ليست من اختراع الباحثين الأمازيغ، وإنما وضعها علماء اللغة، وهي كما سبق الإشارة مصطلحات متعارف عليها في حقل علوم اللغة، و إن كان الباحث جاهلا بها فلسنا مسؤولين عن جهله. - الأسس والمناهج المعتمدة في التصنيفات السابقة هي نفسها الأسس والمناهج المعتمدة في تصنيفات اللفظ العربي إلى أصيل و مشترك و دخيل، فهي مناهج علمية وضعها علماء اللغة، و إن قال الكاتب غير ذلك فليعطينا هو الآخر المناهج و الأسس التي اعتمد عليها الباحثون العرب في تصنيفاتهم. - أما عن الإختلاف بين الباحثين الأمازيغ حيث يتساءل الدارودي عن الضمانات التي تضمن له اتفاقهم جميعا على تصنيف واحد جامع لا يختلفون فيه، فنقول لصاحبنا الدارودي أن تساؤله هذا فيه نوع من السذاجة و أن مثل هذا السؤال لا يصدر إلا من جاهل بعلوم اللغة، إذ يعتبر من المستحيلات اتفاق الباحثين في مجال الدراسات اللغوية المقارنة على تصنيف واحد سواء كانوا أمازيغ أو عرب، حيث ستجد في الدراسات اللغوية العربية اختلاف الباحثين في تصنيفاتهم للفظ العربي، رب لفظ عربي اعتبره باحث لفظا عربيا أصيلا في حين يراه باحث ثاني لفظا مشتركا بينما يراه آخر دخيلا على العربية، وسنضرب أمثلة على ذلك لصاحبنا الدارودي لنذكره أن ما أسماه تخبط و أمزجة و أهواء الباحثين الأمازيغ موجود أيضا عند الباحثين العرب و هذا التخبط وقع فيه صاحبنا الدارودي بنفسه ، و سنأخذ المثال من كتابه حول عروبة(البربر)، يقول الكاتب في الصفحة 135 : "أسردون: البغل، الفصحى. البرذون: من الخيل ما كان من غير العراب". هنا نلاحظ أن الكاتب أرجع لفظة البرذون إلى العربية الفصحى، بينما أرجعها القس طوبيا العنيسي الحلبي في كتابه المعنون ب " تفسير الألفاظ الدخيلة في اللغة العربية مع ذكر أصلها بحروفه " أرجعها إلى اللاتينية فقال في الصفحة 9 :"برذون : لاتيني Burdo,onis أي بغل أبوه حصان وأمه أتان ". نفس الشيء بالنسبة لمفردة البريد، السيف... هذه فقط بعض الأمثلة حول اختلاف الباحثين العرب في تصنيفاتهم للألفاظ العربية، و التي من خلالها نطرح على صاحبنا الدارودي نفس الأسئلة التي طرحها في كتابه على الباحثين الأمازيغ لنسأله عن المنهاج الذي اعتمد عليه حتى أرجع لفظة بريد و برذون و تنور إلى العربية الفصحى؟ وماهي الأسس التي اعتمدوا عليها في تصنيفاتهم هذه سواء أولئك الذين قالوا بأنها أعجمية معربة أو أولئك القائلين بأنها أصيلة عربية؟ وهل يستطيع الدارودي أن يضمن لنا اتفاق الجميع على تصنيف واحد جامع لا يختلفون حوله؟ أليس من الممكن أن مجموعة من الكلمات عدها أحدهم دخيلة أتت من الفارسية أو من الحبشية أو من الأرمية، قد يراها آخر مشتركة بين هذه اللغات، بينما باحث آخر يدرجها مع الأصيل البحت الذي لا يشاركه فيه أحد؟ أليس الأمر راجعا إلى أهواء وأمزجة مختلفة؟ ألا يعتبر هذا نوعا من التخبط الذي سقط فيه الدارودي و خشيم وسعدي في دراساتهم التي يريدون من خلالها جعل العربية رغما عن أنفها أما للغات العالم وهي التي حدد تاريخها في القرن الثاني للميلاد. أشير إلى أني ناقشت هذه النقطة مع الدارودي على صفحته في الفايسبوك وطلبته بالمناهج التي اعتمدها حتى جعل بعض الكلمات الدخيلة على العربية أصيلة فما كان جوابه بعد لف ودوران إلا أن قال معلقا على سؤالي : أولا المنهج التي اعتمدته أنا في قبول الكلمات الأعجمية الدخيلة وعدها عربية هي أن هذه الكلمات أصبحت معربة ولم تبق على عجمتها، فهي كلمات قد صقلتها العرب بألسنتها ، ونحت بها مناحي كلماتها ، ودخلت في أوزانها. وأضاف أن هذه الكلمات الأعجمية هي من اللغة الفصحى لأنها موجودة في معاجم هذه اللغة، وهنا نسأل الدارودي هل ورود مفردات في معاجم عربية يكفي للقول بعربيتها وأصالتها؟ وبعد نقاش طويل مع الدارودي حول المنهج العلمي الذي اعتمده لأن ما سماه منهجا مجرد هوى و رأي شخصي سفسطائي لا يستند إلى دليل علمي، بادر هذا الأخير إلى حظري من قائمة أصدقائه، وهو أسلوب يعتمده الدارودي للتخلص من كل من يقوم بفضح خرافاته التي ينشرها. وبعد ذكر لغات اليمن القديم انتقل الدارودي إلى الحديث عن منهجه في كتابه، ليتحدث بعده عن تسميات العائلات اللغوية وخاصة اللغات السامية الحامية أو الأفروأسيوية، مبينا عدم صحة المصطلحين وأقترح تسمية اللغات (العروبية) دون الإشارة إلى أي معلومة حول المصطلح الجديد الذي يستعمله ومن وضعه وفي أي سنة ظهر، وماهي الأسس العلمية التي بني عليها هذا المصطلح، ليكتفي صاحبنا بوصفه بالمغمور (عكس الشائع) دون أن يشير إلى الأسباب التي جعلته مغمورا، فلابأس أن نذكرك بمصطلح اللغات العروبية و من أطلقه، وهل بني هو الآخر على أسس علمية دقيقة أم هو فقط نتيجة لهوس قومجي بعيد عن العلم. العروبية مصطلح اشتقه الباحث محمد خليفة التونسي للدلالة على الشعوب التي تتكلم العربية لغة أصيلة في لسانهم، و تربطهم وثائق العروبة عرفا، وانتقل هذا المصطلح للدلالة على مجموع اللغات السامية سنة 2005 بناء على توصيات خرج بها مجمع اللغة العربية بليبيا في ندوة عقدها هذا الأخير بطرابلس أيام من 5 إلى 8 ماي 2005، ثم بعد ذلك استعمل هذا المصطلح في الدراسات التي يقوم بها القومجيون، أمثال فهمي خشيم الأمين العام للمجمع السالف ذكره، وعثمان سعدي وعبد العزير الصويعي والعرباوي محمد المختار و غيرهم. إن مصطلح اللغات (العروبية) ليس هو الوحيد الذي طرح كبديل لمصطلح اللغات السامية، بل سبقته اقتراحات أخرى، مثل مصطلح اللغات العاربة أو العاربية الذي وضعه الدكتور خالد إسماعيل، و مصطلح اللغات الجزرية أو الجزيرية الذي اقترح في العراق. فإذا نظرنا إلى هذه المصطلحات الثلاث، العاربية و الجزيرية و العروبية، سرعان ما سنكتشف أنها هي الأخرى لم تبنى على أساس علمي دقيق، فإذا كان مصطلح اللغات السامية مبنيا على أساس ديني توراتي أسطوري، و مصطلح اللغات الأفروأسيوية مبنيا على أساس جغرافي، فإن مصطلحات الجزيرية و العاربية و العروبية هي الأخرى مبنية على أساس جغرافي، فمصطلح الجزيرية نسبة إلى الجزيرة العربية، ومصطلح العاربية والعروبية نسبة إلى بلاد العرب و إلى اللغة العربية. مما سبق نصل إلى استنتاج مفاده أن مصطلح اللغات (العروبية) هو الآخر مصطلح غير علمي وغير دقيق، لأنه بني على أساس جغرافي أولا ثم على أساس إيديولوجي قومجي عروبي ثانيا، فإذا كانت اللغات الأكادية والبابلية والأشورية والكنعانية والآرامية والقطرية والمهرية والسبئية والشحرية وغيرها لغات عروبية اعتبارا لموطنها ومكان نشأتها بالجزيرة العربية فإن اللغة الأمازيغية منشأها هو شمال إفريقيا بالقارة الإفريقية ولا دليل يثبت أن منشأها هو شبه الجزيرة بالقارة الأسيوية، بل العكس هو الصحيح ، فالموطن الأول الذي خرجت منه البشرية و انتشرت في كل مناطق العالم هو إفريقيا، وهو ما ذهب إليه المستشرق الألماني تيودور نولدكه الذي اعتبر أن الموطن الأول للساميين والحاميين هو الأراضي الإفريقية و ذلك بسبب التشابه بين الجنسين.