بمناسبة الذكرى ال74 لتقديم عريضة المطالبة بالاستقلال نثير في مقالة الرأي هذه انتباه الباحثين في تخصص التاريخ في كليات الآداب والعلوم الإنسانية إلى موضوع البحث في الأصول التاريخية للملتمسات والعرائض بالمغرب، حيث لا يخفى على الباحث في تاريخ المغرب دينامية المجتمع المغربي سواء في القرى أو المدن وعلاقات المد والجزر بين الدولة / المخزن والمجتمع / القبيلة. وعديدة هي الحالات التي خرجت فيها القبائل متوجهة إلى المخزن بمطالبها لتلبية احتياجاتها من الماء والتزود بالقمح وحفظ الأمن، أو رفع مطالبها إلى المخزن في شكل شكايات من ممثليه بالبوادي كالمدن، من جور وظلم القياد والباشوات وأمناء المستفاد وغيرهم... ومن بين الوثائق التاريخية "وثيقة المطالبة بالاستقلال"؛ ولكن قبلها بعشر سنوات خلت هناك وثيقة أخرى تحت اسم "مطالب الشعب المغربي". مطالب الشعب المغربي.. 1 ديسمبر 1934 طالبت الحركة الوطنية المغربية عبر كتلة العمل الوطني سلطات الحماية الفرنسية بعدة إصلاحات إدارية واقتصادية واجتماعية لصالح الشعب المغربي، من خلال تقديم وثيقة مطالب الشعب المغربي، التي عرفت كذلك باسم برنامج الإصلاحات المغربية. وقدم علال الفاسي ومحمد اليزيدي هذه الوثيقة إلى الإقامة العامة بالرباط، وقدمها إلى السلطان بالدار البيضاء كل من عبد العزيز بن إدريس العمراوي وأحمد الشرقاوي ومحمد غازي وأبو بكر القادري، وتكلف عمر بنعبد الجليل ومحمد الحسن الوزاني بتقديم تلك المطالب إلى وزير الخارجية بيير لافال بباريس. وتضمنت الوثيقة المطالبة بالإصلاحات الآتية: - إصلاح الإدارة: إنشاء نظام إداري يرتكز على ما ورد في معاهدة الحماية، إلغاء الحكم المباشر، وتكوين حكومة مغربية، وإقرار حرية التعبير. - الاقتصاد والمالية وضع حد للاستغلال الاقتصادي، والمساواة في الضرائب بين المغاربة والأجانب، تكوين تعاونيات فلاحية، حماية الصناعة التقليدية من المنافسة، تأميم مصادر الطاقة والسكك الحديدية. - على الصعيد الاجتماعي: الاهتمام بالتعليم خصوصا الابتدائي، والصحة كإحداث المستوصفات والمستشفيات، وتحسين ظروف العمال المغاربة مثل تحديد ساعات العمل في ثماني ساعات. وتكونت الوثيقة من خمس عشر فصلا، حيث تضمنت الإصلاحات السياسية، الحريات الشخصية والعامة، الجنسية المغربية والحالة المدنية، الإصلاحات العدلية، الإصلاحات الاجتماعية، الأوقاف الإسلامية، الصحة العامة والإسعاف الاجتماعي، شؤون العمل، الإصلاحات الاقتصادية والمالية، النظام العقاري، الضرائب والأداءات والإصلاحات المتفرقة كاعتماد اللغة العربية لغة رسمية للبلاد والعلم المغربي والأعياد الرسمية والتشريعات. وكان رد فعل السلطات الفرنسية عدم الاستجابة لهذه المطالب، بل ستقوم سنة 1937 باعتقال أو نفي عدد من الزعماء الوطنيين. عريضة الاستقلال.. 11 يناير 1944 أما عريضة الاستقلال فهي تؤرخ لإحدى المحطات الرئيسية في تاريخ الكفاح الوطني الذي خاضه العرش والشعب المغربي من أجل الحرية والانعتاق من رقبة الاستعمار، ضد الظهير البربري في 28 غشت 1930. في 11 يناير 1944 قام رجال الحركة الوطنية بتنسيق مع الملك محمد الخامس بخوض معركة نضالية حاسمة تمثلت في تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال إلى سلطات الحماية الفرنسية وتسليم نسخ منها إلى المقيم العام غابرييل بيو وإلى القنصلين العامين لبريطانيا العظمى والولايات المتحدة وإلى الجنرال ديغول وسفير الاتحاد السوفيتي سابقا بالجزائر الفرنسية. نص عريضة الاستقلال 11 يناير 1944 الحمد لله إن حزب الاستقلال الذي يضم أعضاء الحزب الوطني السابق وشخصيات حرة: حيث إن الدولة المغربية تمتعت دائما بحريتها وسيادتها الوطنية وحافظت على استقلالها طيلة ثلاثة عشر قرنا إلى أن فرض عليها نظام الحماية في ظروف خاصة، وحيث أن الغاية من هذا النظام والمبرر لوجوده هما إدخال الإصلاحات التي يحتاج إليها المغرب في ميادين الإدارة والعدلية والثقافة والاقتصاد والمالية والعسكرية دون أن يمس ذلك بسيادة الشعب المغربي التاريخية ونفوذ جلالة الملك، وحيث أن سلطات الحماية بدلت هذا النظام بنظام مبني على الحكم المباشر والاستبداد لفائدة الجالية الفرنسية ومنها جيش من الموظفين لا يتوقف المغرب إلا على جزء يسير منه وأنها لم تحاول التوفيق بين مصالح مختلف العناصر في البلاد، وحيث أن الجالية الفرنسية توصلت بهذا النظام إلى الاستحواذ على مقاليد الحكم واحتكرت خيرات البلاد دون أصحابها، وحيث أن هذا النظام حاول بشتى الوسائل تحطيم الوحدة المغربية ومنع المغاربة من المشاركة الفعلية في تسيير شؤون بلادهم ومنعهم من كل حرية خاصة أو عامة، وحيث أن الظروف التي يجتازها العالم اليوم هي غير الظروف التي أسست فيها الحماية، وحيث أن المغرب شارك مشاركة فعالة في الحروب العالمية بجانب الحلفاء وقام رجاله أخيرا بأعمال أثارت إعجاب الجميع في فرنسا وتونس وصقلية وكرسيكا وإيطاليا، وينتظر منهم مشاركة أوسع في ميادين أخرى وبالأخص لمساعدة فرنسا على تحريرها، وحيث أن الحلفاء الذين يريقون دماءهم في سبيل الحرية اعترفوا في وثيقة الأطلنتي بحق الشعوب في حكم نفسها بنفسها، وأعلنوا أخيرا في مؤتمر طهران سخطهم على المذهب الذي بمقتضاه يزعم القوي حق الاستيلاء على الضعيف، وحيث أن الحلفاء أظهروا في شتى المناسبات عطفهم على الشعوب الإسلامية ومنحوا الاستقلال لشعوب منها من هو دون شعبنا في ماضيه وحاضره، وحيث أن الأمة المغربية التي تكون وحدة متناسقة الأجزاء تشعر بما لها من الحقوق وما عليها من واجبات داخل البلاد وخارجها تحت رعاية ملكها المحبوب وتقدر حق قدرها الحريات الديمقراطية التي يوافق جوهرها مبادئ ديننا الحنيف والتي كانت الأساس في وضع نظام الحكم بالبلاد الإسلامية الشقيقة. يقرر ما يأتي: أولاً: أن يطالب باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى سيدنا محمد بن يوسف نصره الله وأيده. ثانياً: أن يلتمس من جلالته السعي لدى الدول التي يهمها الأمر الاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه، ولوضع اتفاقيات تحدد ضمن السيادة المغربية ما للأجانب من مصالح مشروعة. ثالثاً: أن يطلب نظام المغرب للدول الموافقة على وثيقة الأطلنتي والمشاركة في مؤتمر الصلح. رابعاً: أن يلتمس من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح الذي يتوقف عليه المغرب في داخله، ويكل لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية في الشرق تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب المغربي وسائر طبقاته وتحدد فيه واجبات الجميع، والسلام. *أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق - جامعة الحسن الأول بسطات [email protected]