بحلول التاسع من يناير تكون سبع سنوات قد مرت على رحيل الفنان الأمازيغي الكبير امبارك أولعربي، قائد كتيبة "صاغرو باند"، الذي كان أستاذا - بكل ما للكلمة من معنى - في صفوف الحركة الأمازيغية. تحل ذكرى رحيله لنستحضر بكل تأثر وحسرة فقدان فنّان الشعب، الذي حطّم جدار الخوف، ودشّن الخطاب الصريح، وعبّر بدون تحفّظ عن معاناة إنسان الهامش بكلمات قوية ومزلزلة، فنان ظهرت بفضله العديد من "الكتائب الناشئة "على طول الجنوب الشرقي بالخصوص، لتعلن ميلاد لون موسيقي "متمرد" في كل شيء. امبارك أولعربي، ذلك الهرم الذي سيظل منقوشا في ذاكرة كل الأحرار على طول "تامازغا"، كرّس حياته لخدمة قضايا المواطن في الجانب المنسي من الوطن، فغنى على إيقاع الحزن ولكنة القلق، وقال كفى من التهميش والتفقير والتزوير، ونادى بالحرية والتحرر، وعزف على حبل العزيمة والتحدي غير آبه بشوك الطريق الذي اختاره. امبارك أولعربي أو "نبا"، كما يفضل معجبوه أن ينادوه، فنّان عرف كيف يصقل موهبته ويجعل لنفسه -رغم صغر سنه- مكانا في سماء الأغنية الأمازيغية الملتزمة، إلى جانب أسماء كبرى وصلت إلى العالمية من قبيل يدير، ومعتوب لونيس، والوليد ميمون، وغيرهم، فنان أسر قلوب المنسيين، كيف لا وهو الذي جعل من قضايا وهموم هؤلاء محور إبداعاته. ولد "نبا" ذات يوم من سنة 1982 بقرية "ملعب" بإقليم الرشيدية. بهذه القرية دشّن مشواره الدراسي إلى أن حصل على الباكلوريا، ثم انتقل إلى مدينة مكناس وولج كلية العلوم القانونية، حيث حصل على الإجازة في العلوم السياسية سنة 2006، وعاد مرة أخرى إلى الجنوب الشرقي، حيث حط الرحال بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية، حيث انتزع إجازة ثانية في تخصص الدراسات الفرنسية سنة 2009. وقد بدأ الراحل التحضير للماستر، إلا أن يد المنون اختطفته، واختطفت معه طموح الحصول على شهادة الماستر. تعددت مواهب امبارك أولعربي، فكان يجيد العزف- إلى جانب القيثارة- على آلة الساكسفون والناي والعود، وكان عزفه لا يقل مهنية واحترافية عن كبار الموسيقيين. ولم تتوقف موهبة "نبا" عند الموسيقى، بل كان الفقيد فنانا تشكيليا يلاعب الألوان، وشاعرا يداعب الكلمات وبكل اللغات، وقد اهتدى إلى تأسيس مجموعة غنائية سمّاها "صاغرو باند"، تيمّنا برمزية وتاريخ هذا الجبل، الذي يعتبر مرآة أنفة وعزة نفس وصمود ساكنة الجنوب الشرقي. في سنة 2006، أصدر امبارك أولعربي ألبومه الأول الذي عنونه ب"موحى"، وتضمن ست أغان مكنته من شهرة وشعبية منقطعة النظير، حيث فتحت أمامه أبواب المشاركة في عدة مهرجانات محلية ووطنية. وفي سنة 2008 أصدر ألبومه الثاني "تيليلّي" (الحرية)، تضمن عشر أغان حول تيمة المساواة والتعايش والحرية، فكانت بداية العالمية في مشوار فنان اختار أن يكون وفيا للقيم الكونية. بعد ذلك أخرج الفنان امبارك أولعربي ألبومه الثالث سنة 2009، بعنوان "أوس ئ ئ تالا" (ساعدني على البكاء)، وتضمن ثماني أغان، تتقدمها "تابرات ئ ؤباما" (رسالة إلى أوباما)، وهو الإبداع الذي زاد من شعبيته، وضاعف عدد معجبيه ومحبيه داخل وخارج الحدود. ولم يتأخر امبارك أولعربي في إصدار ألبوم رابع سنة 2010 تحت عنوان إنجليزي No bordelines (لا حدود)، تضمن أغاني باللغتين الأمازيغية والإنجليزية، وهي السنة التي حاز فيها على جائزة أحسن مغنّ أمازيغي. أصيب مبارك أولعربي بمرض "شيرغ ستروس" في يوليوز 2010، بعد مشاركته في مهرجان دولي بسويسرا، فأدخل المستشفى العسكري بالرباط، لكن صحته ستدخل دوامة من التدهور، ليستيقظ جمهوره على رحيل صادم، وإن لم يكن مفاجئا. كان ذلك يوم 9 يناير 2011. وقد ووري الثرى بمسقط رأسه "ملعب"، وهو ابن الثامنة والعشرين ربيعا، لتنطفئ شمعة أنارت درب العديد من الشباب بالجنوب الشرقي بوجه خاص. امبارك أولعربي فنان الهوية بامتياز، فنان التحدي والصمود، فنان الهامش المنسي، فنان المحرومين والمقهورين، فنان الموهبة والكلمة القوية بإيقاع التمرد، فنان سنظل نستحضره كلما سمعنا صوتا حرا أو شهادة صريحة أو نضالا صادقا. فلترقد روحك في سلام يا فقيد الفن الملتزم بصيغة الجمع!!! *أستاذ وباحث في الثقافة الأمازيغية